رفع الدعم... المبررات.. الانعكاسات.. الحلول (1-2)
أخذ موضوع رفع الدعم، أو سياسة «إعادة الدعم لمستحقيه» كما يسميها الفريق الاقتصادي، جدالاً كبيراً بين قلة جادة على فرض الموضوع وأكثرية شعبية ومؤسساتية وأكاديميين وباحثين رافضين لهذه الفكرة لأسباب متعددة، والأهم أن الوضع السياسي الخارجي في الفترة المذكورة لا يسمح بذلك إضافة إلى مبررات اقتصادية واجتماعية، ومع ذلك فقد ارتفع المازوت والغاز والبنزين والفيول، ونتج عن ذلك تداعيات ونتائج سلبية كثيرة على مختلف نواحي الحياة، وفي بحثنا هذا سنحاول تسليط الضوء على المبررات التي اعتمدها الفريق الاقتصادي لرفع الدعم، وموقف المعارضين والانعكاسات التي نجمت عن هذه السياسة والعلاجات اللازمة لتخطي هذه السلبيات.
بداية نقول إن الدولة لا يمكن أن تعمل بعقلية التاجر، لأن أهم أهداف الدولة تأمين الأمن الوطني والاجتماعي والاقتصادي للمواطنين عن طريق السياسات الكلية، والتي هي مجموعة القواعد والأدوات والإجراءات والوسائل التي تضعها الحكومة وتحكم قراراتها في سبيل تحقيق مجموعة من أهداف الاقتصاد القومي خلال فترة زمنية معينة، وأهم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية مشكلة البطالة بأنواعها المختلفة
• تدني معدلات النمو الاقتصادي مشكلة التضخم وعدم استقرار الأسعار.
• تزايد عجز ميزان المدفوعات.
• تزايد عجز الموازنة العامة للدولة.
• اختلاف توزيع الدخل القومي.
• مشكلة الديون الخارجية.
• اختلال هيكل الإنتاج.
• سوء تخصيص الموارد الاقتصادية المتاحة بالمجتمع.
و تتمثل أهم السياسات الاقتصادية الكلية:
- السياسة المالية والمتمثلة بالإنفاق الحكومي والضرائب بأنواعها المختلفة.
- السياسات النقدية المتمثلة في تغيير العرض النقدي في المجتمع والائتمان المصرفي ويؤثر في مستويات أسعار الفائدة وفي الاستثمار والطلب الكلي وبالتالي في النشاط الاقتصادي.
- السياسات الاقتصادية الخارجية أو الدولية - السياسات التجارية وأهم أدواتها التعرفة الجمركية ونظام الحصص وإعانات التصدير وغيرها التي تهدف إلى التأثير في الصادرات والواردات، سياسة سعر الصرف.
- سياسة الدخول التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تحقيق الاستقرار بالأسعار والحد من التضخم الشديد.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وما ألم بالمعسكر الشرقي وانتصار الولايات المتحدة الأمريكية كقطب واحد فرض تغيير النهج الاقتصادي العالمي وخاصة لدول المعسكر الاشتراكي، وقد كانت سورية من الدول القليلة التي تجاوزت تلك المرحلة بتأن وبخسائر لا تذكر، ولكن الظروف الدولية والانتصار الأمريكي فرض على أغلب الدول الاندماج في الاقتصاد العالمي المعولم أمريكياً عبر مؤسسات متعددة الجنسية ومؤسسات نقدية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومؤسسات دولية أخرى.
هذه المؤسسات الاقتصادية أصبحت تتدخل في شؤون الدول الاقتصادية عن طريق فرض برامج يدعون أنها إصلاحية، وأنها تناسب جميع الدول في العالم النامي، وقد فرضت هذه الإصلاحات على كثير من الدول والتي تنص على إلغاء الدعم وحرية التجارة «دعه يعمل دعه يمر» عبر عقد اتفاقيات جمركية تمنع الحماية بشكل شبه تام وتخفيض الرسوم الجمركية على المستوردات إلى أقصى درجة ومكافحة دعم الصادرات، على الرغم من أن الدول التي تعمل على فرض هذه الوصفات لاتمارس هذه الوصفات على اقتصادها، ويترافق ذلك بفرض رسوم وضرائب مباشرة وغير مباشرة كضريبة القيمة المضافة من أجل (كما ادعوا) سد عجز الموازنة، وكان الطلب الثالث هو سحب دعم الدولة لجميع المحاصيل والسلع التي تقدمها الدولة للمواطنين كنوع من التوازن الاجتماعي والرابع هو سحب الدولة متمثلة بالقطاع العام من قيادة المجتمع والهدف المخفي لهذه المؤسسات هو تهديم البنية الداخلية للبلدان التي تماشي وصفاتها عن طريق زيادة البطالة والفقر وصراعات طبقية وصراعات مصالح وسحب سيطرة الدولة عن طريق خصخصة القطاع العام، وتخفيض الرسوم الجمركية، وفرض الضرائب الجديدة كضريبة القيمة المضافة.
وقد وجدت القيادة السورية متمثلة بحزب البعث في المؤتمر القطري العاشر ضرورة الانفتاح على العامل الخارجي، ولكن بما يناسب ظروفنا الاجتماعية والاقتصادية ووفق رؤيتنا ورغبتنا وظروفنا، حيث كان العنوان العريض بتبني نظام اقتصاد السوق الاجتماعي الذي ينص على إشراك القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية عن طريق التنافسية وإصلاح القطاع العام ليتحول إلى قطاع منتج اقتصاديا عن طريق إعطاء الحلول العلاجية للشركات المخسرة فيه وأن تتحمل الدولة جميع الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية التي تنعكس على المواطنين.
وأنيطت مهمة القيام بالإجراءات اللازمة لنظام السوق الاجتماعي لفريق اقتصادي أعطي الحرية الكاملة، واستطاع من خلال إتباع سياسات اقتصادية أبعد ما تكون عن النظام المنوط العمل به، وأقرب ما تكون لليبرالية الجديدة إلى الوصول إلى مؤشرات اقتصادية تنبئ بعواقب كارثية على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية فالفقر في ازدياد والبطالة لا نعرف حجمها والتضخم لا يمكن التحكم به، وعجز الموازنة وصل إلى 192مليار على الرغم من عدم تناسب ازدياد حجم الموازنة مع الخطة الخمسية العاشرة ,الإنفاق الاستثماري تناقص، الضغط الضريبي الشخصي قد زاد، والفساد والروتين والاحتكار.
هذا ما دعا الفريق الاقتصادي إلى القول إن عجز الموازنة والخلل في المؤشرات نتيجة الدعم الذي تقدمه الدولة للمحروقات والبالغ ( 300 – 350 -400 -600 -650) مليار يختلف الرقم حسب المسؤول المتكلم، وإن الحل الأنجع لكل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية عن طريق رفع الدعم أو ما ادعوا انه إيصال الدعم لمستحقيه، وقد تسبب الكلام حول هذا الموضوع إلى بارتفاع غير محمول للأسعار من ضعفاء النفوس والجشعين والمحتكرين، وكذلك كان أحد التبريرات أن المازوت والبنزين يهرب إلى الدول المجاورة.
هذا التبرير من الفريق الاقتصادي لم يقنع معظم الشعب والباحثين والأكاديميين والمؤسسات، قائلين إن السبب الحقيقي للوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي وصلنا إليه لم يكن الدعم وإنما السياسات التي اتبعها الفريق الاقتصادي والتي حاكت وماثلت السياسات التي يتبناها البنك الدولي؟ وأن هناك الكثير من السياسات الكفيلة بتحسين الأداء وسد عجز الموازنة مع تحقيق فوائض دون أن تكون لها الآثار السلبية الناجمة عن رفع الدعم ومنها مكافحة التهرب الضريبي الذي يشكل حوالي 200 مليار دولار، ومكافحة الهدر والفساد، وتنظيم القطاع غير النظامي الذي يشكل حوالي 45 % من قطاع الأعمال في سورية، وإصلاح القطاع العام الصناعي وما يؤدي إلى فوائض بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى إمكانية قمع التهريب والذي أثبت ذلك بعد حملة بسيطة ضد المهربين وبالتالي يعتبر رفع الدعم أكثر الحلول تسبباً للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وأقلها مردودية على المدى الطويل، بالإضافة إلى أن الفترة التي طرح الموضوع بها من أصعب الفترات السياسية التي مرت بها سورية من خلال الضغوطات التي مارستها الامبريالية الأمريكية وأتباعها وأذنابها عبر سياسات العزل والحرب الإعلامية.
* أستاذ محاضر في كلية الاقتصاد من جامعة تشرين