في السنة السادسة من عهد الحكومة الحالية: ماذا تقول الوقائع عن الأداء الحكومي؟!!
منذ أكثر من عامين ولا حديث في الشارع السوري إلا عن قرب تشكيل حكومة جديدة، وهذا الحديث يجعلنا نقف وقفة جريئة وواقعية لمراجعة ما تم تحقيقه من منجزات في الميادين الاقتصادية والاجتماعية. تلك المنجزات التي وردت في البيان الوزاري الأول لحكومة العطري، وفي منطلقات الخطة الخمسية العاشرة.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرةً هو التالي: هل الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال؟
الوقائع تنفي ذلك لأن حكومة تصريف الأعمال تستمر أشهراً قليلة فقط، وتكون مهمتها ضمان الانتقال الآمن من مرحلة إلى مرحلة أخرى. أما أن تستمر لسنوات طويلة وتبقى حكومةً لتصريف الأعمال، فهذا يعني توقف الزمن!!
ولكي لا نمضي في ضباب العموميات، سنختار جملةً من العناوين التي سنعالجها في السطور التالية:
الإصلاح الإداري:
أعلن الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم: «الإصلاح الإداري اليوم حاجة لنا جميعاً، فقصور الإدارة لدينا هو من أهم العوائق التي تعترض مسيرة التنمية والبناء، والتي تؤثر بشكل سلبي في كل القطاعات دون استثناء»..
وقال أيضاً أمام مجلس الشعب بتاريخ 11/3/2003: «إن أي تطوير نتحدث عنه في المستقبل سوف يرتكز على إمكانية تقدمنا في مجال الإدارة، والإدارة لدينا في سورية بشكل عام هي نقطة ضعف قوية».
إذاً الإصلاح الإداري هو المهمة الأولى للحكومة، وهنا لا يمكن أن نفصل بين الإصلاح الإداري والإصلاح الاقتصادي، أو أي إصلاح آخر، إلا أن الإصلاح الإداري هو المدخل الأساسي حتى للإصلاح السياسي.
لم نر على أرض الواقع أي إصلاح إداري ملموس، بل ما نراه هو إدارات تتمترس في مواقعها، وبعضها لاتزال في تلك المواقع منذ أكثر من 25 عاماً، ويمدد لها سنة بعد أخرى، وقد أوصلت المؤسسات التي تديرها إلى الإفلاس التام، وتقف الحكومة عاجزة حتى عن مساءلة بعض هذه الإدارات، وإذا أخذ الوزير قراراً بعزل هذا المدير أو ذاك، تقوم الدنيا على رأسه من هذه الجهة أو تلك، ويقف الوزير عاجزاً عن المحاسبة، وقد حدث ذلك مرات عديدة مع عدة وزراء. لذلك فإن الوزير يقف موقف المتفرج أمام ممارسات بعض المدراء الذين يخربون المؤسسات التي يديرونها، وأكثر الوزراء أصيب باليأس جراء ذلك. والتفاصيل كثيرة في هذا المجال.
إصلاح القطاع العام:
قدمت خلال السنوات الخمس الماضية العديد من مشاريع إصلاح القطاع العام الصناعي، وكان أبرز ما طرح مشروع مرسوم إصلاح القطاع العام التابع لوزارة الصناعة، وقد شكلت عدة لجان لدراسة المشروع مع اتحاد العمال، وبعد أشهر من المناقشات، وافق اتحاد العمال على المشروع، بعد إجراء بعض التعديلات التي كان قد طالب بها خلال مشاركته بأعمال اللجنة المشكلة لهذا الغرض، ورفع المشروع إلى اللجنة الاقتصادية، وجمد ووضع في الأدراج!! وتوالت مشاريع الإصلاح التي تتحدث عن إعادة هيكلة الشركات، وتصفية البعض منها، وبيع عقارات أخرى، وجميع تلك المشاريع لم تر النور، ولكن لا يزال الحديث مستمراً دائماً عن الإصلاح الموعود!! نعم، يتوالى الحديث عن الإصلاح، والقطاع العام ينهار يوماً بعد آخر، دون أن تأخذ الحكومة أي قرار... لا خصخصة، لا استثمار، لا تحديث، ولا تطوير، وإنما تُرك القطاع العام لينتهي من تلقاء ذاته!!
وهنا نسأل: هل إعادة النظر في السياسات العامة التي تحكم هذا القطاع، والدراسة الجدية لمجموع القوانين والمراسيم التي تحكم آلية عمله، ودراسة أوضاعه في كل قطاع وكل شركة على حدة، وتحديد مشكلاته الذاتية والموضوعية، ووضع الحلول المناسبة لها، عملية شاقة ومعقدة لا تستطيع أن تقوم بها الحكومة؟!! سوف نكون أبرياء ونقول: يبدو أن الأمر كذلك.
القطاع الإنشائي:
يعاني هذا القطاع من صعوبات تراكمت عبر سنوات، واتخذت الحكومة قرارات بدمج العديد من الشركات، وكانت هذه القرارات -كما يقول واضعوها- تهدف إلى معالجة مشكلات، ومعالجة مشكلاتها... ولكن بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على الدمج، كانت النتيجة تفاقم المشكلات، التي تجمعت وتركزت وتحولت من مستوى جزئي إلى مستوى أعلى يشمل القطاع العام بأكمله. وقد نتج هذا التفاقم عن عدم تطبيق مراسيم الدمج تطبيقاً كاملاً.
ومازال هذا القطاع يعاني من ضعف السيولة، والتشابكات المالية مع القطاعات والوزارات المختلفة، والمديونية الهائلة التي يرزح تحتها، حيث قدرت خسارة بعض الشركات بالمليارات، هذا فضلاً عن الفساد والخلل الكبير في الإدارات.
فهل حل قضايا الشركات الإنشائية قضية معقدة، وبحاجة إلى الجايكا اليابانية، أو إلى المفوضية الأوروبية؟!!
ونسأل أيضاً: لماذا بادرت الدولة بكل سهولة ودون مخاضات ومطالبات متكررة باستصدار مجموعة من القوانين والتشريعات، التي أدت إلى إعادة تشكيل البيئة الاستثمارية السورية بحيث أصبحت أكثر جاذبية واستقطاباً، كقانون الضريبة، وقانون الاستثمار، وإلغاء محاكم الأمن الاقتصادي، والسماح بتأسيس المصارف والجامعات الخاصة، وقانون التجارة، وإحداث سوق الأوراق المالية، بالإضافة إلى التسهيلات التي تقدمها الدولة من خلال عقد الاتفاقيات مع الدول الأخرى، لفتح أسواق سورية، وتوفير أسباب نجاح قطاع الأعمال السوري؟!! ولماذا تقف الحكومة في موقف العجز عن إصلاح ما تملكه هي وما هو سلاح في أيديها؟!!
لا يمكننا أن نجيب على هذا السؤال!!
وأقول في الختام إن الإصلاح الإداري والإصلاح الاقتصادي، وأساسه إصلاح القطاع العام، لن يتم بالشعارات، ويحتاج إلى مستلزمات أبرزها: إدارات علمية وطنية، ونظام شديد للمحاسبة، وحكومة قادرة على اتخاذ القرار!!