الزراعة في ورشة عمل اقتصادية.. قراءة صحيحة للنتائج.. وتباين في قراءة الأسباب واقتراح الحلول!
«ظروف قاهرة تواجهها الزراعة في سورية.. وتحتاج منا جميعاً أن نواجهها بقرارات وبرامج طارئة ومحكمة.. لئلا نقع بها مرةً أخرى..
وهذا لا يتم بأنصاف الحلول لأن نصف الحل ليس حلاً!». هكذا وصف نقيب المهندسين الزراعيين في سورية يحيى بكور واقع الزراعة في سورية في ظل الجفاف وتراجع الإنتاجية.. وجاء ذلك في معرض حديثه إلى جانب كل من المهندس حسان قطنا مدير الإحصاء والتخطيط في وزارة الزراعة والمهندس موفق الشعار مدير مكتب الشؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين والدكتور الخبير في شؤون البحث الزراعي جورج صاوي. وقد تكلم هؤلاء في ورشة عمل مصغرة خصصت جمعية العلوم الاقتصادية السورية ندوتها قبل الأخيرة (الثلاثاء 28/4) لإقامتها بغية إلقاء الضوء على بعض جوانب المعاناة التي يواجهها قطاع الزراعة في سورية تحت عنوان: «الأمن الغذائي في سورية في مواجهة الجفاف».
الأمن الغذائي والقدرة الشرائية
بدأ د. جورج صاوي حديثه بتوضيح مفهوم الأمن الغذائي مبيناً أن لتعريفه جانبين؛ الأول هو الأمن الغذائي حسب الحاجة؛ والثاني هو الأمن الغذائي حسب الطلب: ويرتبط بشكل أساسي بالقدرة الشرائية للمواطن. وتابع: «إن القدرة الشرائية يجب ألاّ تكون ثابتة وإنما متحركة ديناميكياً حسب قيمة سلة متكاملة من الغذاء للمواطن». ورأى د. صاوي أن سورية لم تكن مستثناةً من التأثر بالأزمة الغذائية التي شهدها العالم في الأعوام القليلة الماضية، وهي التي أولت وعلى أكثر من ثلاثة عقود، اهتماماً خاصاً بالقطاع الزراعي إلى حين بدء الحكومة الحالية وفريقها الاقتصادي الذي كان من واجبه «الاستمرار في دعم التوجه الحكومي نحو زيادة الإنتاج والإنتاجية وتوفير المواد الغذائية وتلبية الطلب عليها، آخذاً بالاعتبار زيادة الطلب المستقبلي كنتيجة طبيعية لزيادات عدد السكان؛ والتحديات الناجمة عن اتفاقات الشراكة الثنائية العربية والإقليمية، لكن الذي حصل كان للأسف عكس ذلك، فقد تم تحرير استيراد وتداول جميع المدخلات الزراعية بما فيها الأسمدة، إضافةً إلى الإجراءات السابقة التي اتخذتها الحكومة لرفع أسعار حوامل الطاقة، إلى جانب معاملة الحكومة للقطاع الزراعي كمعاملة القطاعات الخدمية والترفيهية»!. واستهجن د. صومي ذلك، مشيراً إلى الدعم الذي تقدمه البلدان الصناعية الكبرى كالولايات المتحدة واليابان للقطاع الزراعي علماً أن الزراعة في هذه البلدان لا تشكل من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 1 إلى 2%، ولا تخلق فرص عمل أكثر من النسبة نفسها، ولكن على الرغم من ذلك ما تزال هذه البلدان مستمرةً في تقديم الدعم للزراعة بمليارات الدولارات. وهنا تساءل د. صاوي: «أليس من الحري أن تقوم الاستراتيجية الزراعية في سورية على الدعم وتطويره؟ وعلى البحث عن آليات مناسبة لزيادة الإنتاج والإنتاجية مقابل الطلب المستقبلي على الغذاء أمام تحديات كبيرة تتمثل في زيادة عدد السكان وانخفاض الموارد المائية بالترافق مع موجات الجفاف التي تتعرض لها البلاد؟! (...) إن مثل هذه السياسة ستقود إلى بروز عجز في تأمين الطلب إضافةً إلى نزوح الآلاف من العاملين في الزراعة إلى المدن بحثاً عن فرص عمل تؤمن لقمة العيش».
السكان هم السبب!
بدوره ألقى المهندس حسان قطنا الضوء على الخطة الإنتاجية الزراعية وارتباطها بالدعم الزراعي وعلاقة ذلك بموضوع الجفاف، وقال في معرض حديثه ملقياً اللوم على النمو السكاني: «صحيح أن سورية بلد زراعي وأن لديها أراضي كبيرة قابلة للاستثمار الزراعي، إلاّ أن معدل نمو السكان أصبح أكبر بكثير من معدل نمو الموارد».. وتابع: «لا يخفى على أحد أننا نأكل حالياً من مخزوننا الاستراتيجي من القمح، وقد كان هذا الموضوع فيما سبق خطاً أحمر لا يجوز لأحد الاقتراب منه، ولكننا حالياً نستهلك من المخزون الاستراتيجي إلى جانب ما تم استيراده. وقد عانت وزارة الاقتصاد من صعوبات كثيرة في تأمين كميات من القمح لدعم المخزون الاستراتيجي السوري، (...) لذلك فإن وضع المثاليات في مقابل التطبيق العملي يظهر أننا عندما نخطط في وزارة الزراعة لدورة زراعية بنسب معينة لمحاصيل معينة، فإننا نضطر في لحظة ما إلى تجاوز هذه الخطط لتحقيق هدف وغاية هي الأمن الوطني والقومي، وهو شيء ضروري جداً، فالأمن الغذائي حقيقةً هو موضوع متراكم ولا يتعلق بالقطاع الزراعي فقط لأنه يعبر عن إمكانية حصول المواطن على الغذاء بدخل متاح لديه بيسر واستدامة، وهذا لا يرتبط فقط بالقطاع الزراعي، وإنما يرتبط بالاستيراد وتوفر الكميات بأشكال مختلفة، وما يجب أن نتحدث عنه هو كيف نستثمر مواردنا المائية والأرضية بشكل سليم بحيث نضمن الاستدامة ونحقق أمننا الغذائي بأيدينا بدل استيراده!».
للزراعة وظيفة اجتماعية أيضاً
أما المهندس موفق الشعار، فقد تحدث عن آثار ومظاهر الجفاف على الأمن الغذائي، كما أشار إلى ما يعانيه الفلاحون من هموم ومشكلات. ومما جاء في كلامه: «إن للزراعة وظيفة اجتماعية وليس فقط وظيفة اقتصادية، إذ هناك عمال يبلغ عددهم 5 مليون يعتاشون من العمل في القطاع الزراعي، سواء في الزراعة أو في الصناعات الزراعية..الخ.. ويجب أخذ كل الإجراءات الكفيلة بتحسين واقع الزراعة... منذ أربع سنوات نقول إنه يجب تحويل كامل الأراضي الزراعية إلى الري الحديث، وقد مضت السنوات الأربع وبعدها ثلاث أخرى، ولم يتم تحويل أكثر من 20% من الأراضي المروية إلى الري الحديث، فما السبب في هذه النتائج؟!.. إن الكلام من خلف المكاتب لا يحل المشاكل»!.
وأشار الشعار إلى المذكرات التي رفعها الاتحاد العام للفلاحين إلى الحكومة والقيادة القطرية، وأعاد كشف مطالبات الاتحاد، ملخصاً إياها بـ: ضرورة الإسراع بإنجاز الدراسات اللازمة للاستفادة من كل الهطول المطري والثلجي في جميع المناطق مهما بلغ الثمن، والإسراع بتنفيذ السدود قيد الدرس ووضعها في الخدمة مهما بلغ الثمن أيضاً، والإسراع بإجراء الدراسات اللازمة لجر المياه من الأنهر إلى المدن والقرى المحتاجة وخاصةً مدينة دمشق التي تضم ثلث عدد السكان من خارج حوضها، ودراسة إمكانية تحلية مياه البحر لمواجهة المستقبل، وإعادة النظر بعملية استصلاح الأراضي وتكاليفها المرتفعة جداً في حوض الفرات، وجر المياه إلى السهول والأراضي الخصبة واستثمارها زراعياً بطرق مكثفة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لترشيد استخدام المياه والتحول إلى الري الحديث وحلّ مشاكله وتأمين مستلزماته فعلياً. وركز في نهاية ورقته على «ضرورة إعادة النظر بأسعار المحروقات والأسمدة، وتقديم الدعم الحقيقي لقطاع الزراعة لتستمر العملية الزراعية رابحةً وضمن تكاليف معقولة تحقق عنصر المنافسة».
الزراعة.. والقرار السليم
نقيب المهندسين الزراعيين يحيى بكور تحدث عن دور مراكز البحوث الإقليمية والمحلية في استنباط النباتات المقاومة للجفاف، وتحدث حول مستلزمات الإنتاج الزراعي في سورية وأسعارها، وركّز على أهمية الأمن الغذائي بمفهومه العربي، وبيّن أننا «حتى لو امتلكنا مال الأرض كله، فإننا قد لا نستطيع أن نشتري طن قمح واحداً»، واستشهد بكور هنا بكلام الرئيس الراحل حافظ الأسد قائلاً: «لقد قال القائد الخالد إنه علينا أن ننتج بما نكتفي ليكون قرارنا السياسي بيدنا سليماً، دون أن نسأل عن أحد». وتساءل بكور عن كيفية تحقيق الأمن الغذائي العربي على اعتباره الطريقة الوحيدة لحماية قراره السياسي، وأوضح أن هذا يتطلب العمل استناداً إلى وجود ثلاث مجموعات عربية: الأولى تملك المال الكافي لتمويل الزراعة، والثانية تملك الموارد الطبيعية بمساحات كبيرة جداً، والثالثة تملك القوى الفنية العاملة والخبرات.. وعن الدعم أشار بكور إلى أنه «متواضع جداً لأن دعم الإنتاج الزراعي يحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير، ولكن لا نستطيع أن نلوم الحكومة لعدم تقديمها أكثر من ذلك لعدم توفر الإمكانات.. نحن في مرحلة الانتقال إلى اقتصاد السوق، ولابد أن نواجه عثرات في هذه المرحلة، ولا يمكن مطلقاً أن نتمسك بالاقتصاد المخطط الذي كان سابقاً»(!!)، وعن المطلوب لمواجهة الجفاف في سورية قال: «إن أزمة الجفاف التي مرت بها سورية تستدعي تغيير وتعديل برامج اللجان البحثية الزراعية لاستنباط أصناف تتحمل الجفاف أكثر باعتبار ذلك أفضليةً أولى.. ويجب أن تهتم مراكز البحوث بشكل أساسي بتطوير الإنتاجية، فنحن لسنا متطورين من حيث الإنتاجية لأننا لا نستخدم مستلزمات الإنتاج كما يجب من حيث النوعية والكمية». ودعا بكور في نهاية كلامه مراكز البحوث الوطنية والإقليمية إلى تقديم حزم تقنية تهتم بزيادة الإنتاجية الزراعية في سورية منوهاً بمطالب الاتحاد العام للفلاحين في هذا الصدد.