أوقفوا تصدير المياه.. وأعيدوا ماء الناس للناس!
سطور قليلة فصلت بين اتجاهين متناقضين، عبّر عنهما تصريحان لكل من وكيل مياه بقين والفيجة في السعودية، ووزير الإسكان والتعمير (لإحدى الصحف السورية الرسمية)، تصريحان يوضحان التخبّط المسيطر على معظم التصريحات الصادرة عن الجهات المسؤولة في البلد..
فتحتَ عنوان «مياه بقين والدريكيش إلى العالم بدءاً من السعودية» تغنّى «الوكيل» (من الذي وكّله؟!) في السعودية بجودة مياه النبعين (بقين والفيجة دون ذكر الدريكيش!)، والتي قيّمها تقرير سعودي بأنها «مفيدة للعامة.. ولمرضى الحصى الكلوية خاصةً»، وأعلن فرحه بما ستؤول إليه المشاورات بين الجانبين بشكل يدعم تثبيت «المنتج» (المقصود هنا مياه بقين والفيجة) في السوق السعودية، وما سيلي ذلك من عقود مشابهة في بقية دول الخليج العربي انطلاقاً إلى العالم، وقد تنفّس «الوكيل- البائع» الصعداء (مشيراً) إلى ما تم بذله من الجهود في تعريف المستهلك السعودي بأهمية مياه نبع بقين ومكوناتها، وأكّد أنه «تم ضخ مبالغ كبيرة للدعاية والإعلان في السوق السعودية ليتم الترويج للمنتج»!
أما تحت عنوان «وزير الإسكان: ترشيد الموارد المائية»، فتباكى «الوزير» لأن انخفاض معدلات الأمطار انعكس بشكل مباشر على المصادر المتاحة لمياه الشرب، داعياً الجهات المعنية بقطاع مياه الشرب إلى «التركيز على ترشيد استخدام الموارد المائية المتاحة والحفاظ عليها»!.
ما المقصود من المتاجرة بمياه البلد بيد، واللطم بالثانية تباكياً على شحها؟!
هل بات عامة «الآخرين» وخواصهم أكثر احتياجاً من عامة السوريين إلى مياه ينابيعهم؟!
هل بلغ عجز الخزينة حداً يسمح بتصدير كل ما تطاله الأيدي، وصولاً إلى ما كانت تُمنع عنه جميع الأيدي؟!
لماذا الحملات الإعلانية لترويج ما لا يسمح بالترويج له، لاسيما وأن الخزينة (حسب زعمكم) متعبة وخاوية على عروشها؟!
هل ننتظر أن يرضى المستوردون عن «منتجاتنا» المائية، ومن ثم (شفطها)، ونحن في أمس الحاجة إليها؟!
عرّفتم الترشيد، ووضّحتم ضرورة التركيز على الترشيد.. فهل تقصدون به توفير كميات أكبر من «المنتج» ليتسنى لكم تصديره؟!
أليس أحرى بالجهات المعنية بقطاع مياه الشرب أن تحافظ على مصادرها لتأمين حاجات المواطنين، بدل أن تسمح بتصديرها وتمسك عن الناس أسباب الحياة؟!
أوقفوا تصدير المياه وداووا جراح «خزينتكم» دون أن تجرحوا الناس بمائهم..! ونحيطكم علماً بأننا أعلم البشر بجودة وأهمية مياهنا، فلا تكلفوا أنفسكم عناء الإعلان عنها خارجاً، وأوقفوا (فوراً) كل ضروب التباكي على شحها داخل البلد، وأعيدوا ماء الناس للناس، وكفاكم رياءً ومتاجرةً بحياتنا..!