(تحرير سعر الصرف.. وسندات دين) حل أم أزمة؟!

(تحرير سعر الصرف.. وسندات دين) حل أم أزمة؟!

يسود اليوم في بعض الأوساط الاكاديمية وفي الصحافة الاقتصادية التي ترشح عن الرؤى السائدة للتوجهات الاقتصادية، ما يصور على أنه  رؤية لحل أزمة ارتفاع سعر الصرف، ومواجهة تراجع الموارد وزيادة عجز الموازنة.. قائمة  على عنصرين رئيسيين: الأول تحرير سعر الصرف، والثاني التمويل بسندات الخزينة..

قاسيون التي تقف موقفاً نقدياً من هذه الحلول المطروحة، تعرضها كما يطرحها الأكاديميون الاقتصاديون وتقدم قراءة لمآلاتها المحتملة..

يرى الأكاديميون الاقتصاديون بأن الحل يكمن في إجراءين أساسيين.. تحرير سعر الصرف، وتمويل الحكومة بالدين عبر سندات الخزينة.

إيقاف الضخ وتحرير العملة

يعتبر الاقتصاديون بأن سعر صرف الدولار مقابل الليرة مدعوم حكومياً اليوم، أي أنه في الواقع ينبغي أن يكون أعلى من مستوياته الحالية، ويرون أنه من غير المجدي الاستمرار في سياسة (حماية سعر الصرف)، التي من غير الممكن أن تستمر في الأمد طويل الأجل، لأنها سياسة متوسطة أو قصيرة الأجل، وتؤدي لاستنزاف الاحتياطي.

لذلك ينبغي وفق رأيهم التوقف عن عملية دعم سعر الصرف بطريقة ضخ الدولار في السوق، وترك السعر ليتحدد وفق العرض والطلب، ولكن وفق شروط.. 

حيث يرى الاقتصاديون، بأن إجراء تحرير سعر الصرف، سيؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، ومع هذا يعتبرون أن تأثير هذا الارتفاع مهما بلغ يصبح هامشياً، إذا ما تم اشتراط ربط الأجور بمتغيرات التضخم أو متغيرات سعر الصرف.

أي إذا أصبح الدولار 1200 ليرة على سبيل المثال وارتفع بنسبة 240%، فيجب أن يتم رفع الأجور العامة بنسبة الارتفاع ذاتها، فإذا ما كانت كتلة الأجور في الموازنة العامة حالياً قرابة 1000 مليار (800 تقريباً قبل زيادة التعويض المعيشي 7500 ليرة)، فإنها يجب أن تصبح 2400 مليار ليرة سنوياً، ويجب أن تزداد بشكل دوري كلما ارتفع سعر صرف الدولار.

موجبات هذا الأمر وفق رأي الاقتصاديين هي عدم القدرة على الاستمرار في عملية ضخ الدولار من الاحتياطي، ومشاكله كالتضخم في مستويات الأسعار، الذي يقترحون لمواجهته ربط الأجور العامة بارتفاع سعر صرف الدولار، أو ما يتم التعبير عنه برفع الاقتصاد إلى مستوى التضخم الجديد.

سندات خزينة للدين من رؤوس الأموال

يقترح الاقتصاديون أن يتم تمويل حاجات جهاز الدولة، عبر طرح سندات خزينة، بأسعار فائدة مرتفعة، وهو ما يعني أن تقوم الحكومة بإصدار سندات خزينة، ويتقدم أصحاب الموارد ورؤوس الأموال لشرائها. حيث يأخذون السندات كضمانة ويضعون مقابلها أموالاً بالليرة أو بالدولار في الخزينة العامة، وبالمقابل فإن الحكومة تعيد لهم هذه الأموال خلال فترات زمنية محددة مع فوائد عليها، وتتحول أقساط وفوائد الدين إلى جزء من نفقات الموازنة العامة للدولة.

والهدف من هذه السياسة مركب، بحسب رأي الاقتصاديين، فهو يؤدي إلى التحكم بكتلة السيولة الفائضة في السوق السورية اليوم، والتي يقدرها الاقتصاديون بين 4 إلى 6 تريليون ليرة (ألف مليار ليرة) وممكن أن يتحول حسب تقديرات الاقتصاديين حوالي 1000 مليار ليرة إلى الخزائن العامة، يتم تسديدها مع فوائدها خلال السنوات اللاحقة، فإذا ما تم بالفعل الحصول على 1000 مليار ليرة، فإن فوائدها قد تتعدى 200 مليار ليرة..

ولجذب أصحاب رؤوس الأموال لدفع أموالهم مقابل سندات الخزينة الحكومية، يجب أن يتم تقديم سعر فائدة مرتفع، والاقتراح بأن يتم طرح سندات خزينة بالليرة السورية، تكون أسعار فائدتها مرتفعة حوالي 20% للإيداع، و25% للإقراض. 

ويقترحون أيضاً أن يتم طرح سندات خزينة بالدولار، أي تطرحها الحكومة ، ويتقدم أصحاب الموارد ليشتروا هذه السندات بالدولار، ويضعوا دولاراتهم في الخزينة العامة مقابلها. ولتحفيزهم يجب أيضاً أن تكون الفائدة مرتفعة حوالي 6%، وهي أعلى من سعر الفائدة العالمي على الدولار اليوم والبالغ 2-3%.

موجبات هذا الأمر وفق رأي الاقتصاديين ضرورة التحكم بكتلة السيولة الفائضة الموجودة في السوق، والمقدرة بين 4-6 تريليون ليرة، على اعتبار أن جزءاً منها يتحول عبر سندات الخزينة إلى الخزينة العامة، ويصبح من الممكن التحكم به، واستثماره، أو استخدامه في الإنفاق. بالإضافة إلى ضرورة تقليص عملية طباعة النقود كطريقة في تمويل العجز الحكومي، واللجوء إلى الدين وفق رأيهم أفضل من اللجوء إلى الطباعة. وأخيراً يعتبرون بأن هذه الطريقة ستؤدي إلى زيادة أعباء فوائد الدين، إلا أنهم يعتبرون بأن عبء الديون وفوائدها هو أمر طبيعي، وأصبح يشكل في الدول كلها نسبة 10-15% من الموازنات العامة.

بعض الاقتصاديين يتعامل مع هذا المقترح بحماس، ويرى أنه الحل الواقعي الوحيد اليوم، حيث لا يمكن أن تتم مواجهة تراجع الموارد الحكومية، إلا بالدين، أي الاستدانة من أصحاب الموارد الخاصة، والبعض الآخر يرى أن هذا الطريق يفترض أن يرتبط بعملية استخدام هذه الموارد المجموعة من رؤوس الأموال الخاصة في السوق، في عملية الإنتاج الحقيقي، بما يؤدي إلى زيادة القيمة الحقيقية لليرة، وإلى زيادة الموارد العامة.