ماذا سيحصل إن (تحرر سعر الصرف)؟!
يكثر الحديث اليوم عن ضرورة (تحرير سعر الصرف)، أي عملياً ترك قيمة الليرة تتحدد في السوق مقابل العملات الأخرى، وبناء على العرض والطلب، دون أن يحدد المصرف المركزي سعراً رسمياً، أو يتدخل في عمليات البيع والشراء للدولار أو لليرة.
هل الليرة مدعومة؟!
وينبغي التساؤل قبل محاولة تقدير نتائج هذا الاتجاه: هل الليرة مدعومة أو محمية حالياً؟ عملياً سعر الصرف الرسمي، يتحدد اليوم وفق معطيات من سوق الصرافة، أما عمليات تدخل المصرف المركزي، فهي محصورة في عملية بيع الدولار أو زيادة عرضه في السوق السورية، وذلك عندما يشتد الطلب عليه بغاية المضاربة. إلا أن النتائج كانت طوال الأزمة أن سعر الصرف الرسمي بعد كل مضاربة يرتفع إلى مستوى أعلى من السابق، وعملياً يرتفع المستوى العام للأسعار سواء بقرارات حكومية، أو بفعل قوى السوق، أي تفقد الليرة قيمتها مع كل موجة مضاربة، لتحدد السوق قيمة الليرة، وسعر الصرف الرسمي..
وعملياً تقديرات ما يجب أن يكون عليه سعر الصرف الحقيقي، مع السعر الرسمي، كانت متقاربة حتى نهاية عام 2015، أي أن السعر الرسمي لا يدعم السعر الحقيقي، بينما سعر السوق مرتفع وهمياً. فالسعر الرسمي كان 307 نهاية 2015، بينما تقدير السعر الحقيقي بلغ 300 ليرة، بناء على تراجع الناتج في سورية بمقدار 61%، وزيادة الكتلة النقدية بمقدار يقارب 250%..
ماذا سيحصل إن تم التحرير؟
فما الذي سيتغير إن تم تحرير سعر الصرف وتوقف المصرف المركزي عن ضخ الحقنات الدولارية لطالبي الدولار في السوق السورية؟!
عملياً سيتم إعطاء الإشارة للسوق بإطلاق عملية مضاربة استثنائية، ستؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل وهمي، وهذا قد حدث في بداية العام الحالي، عندما تضاعف سعر صرف الدولار في السوق خلال 5 أشهر.. وحدث سابقاً في لبنان، عندما انتقل سعر صرف الليرة اللبنانية من 879 ليرة الى 2800 ل.ل. للدولار، خلال أشهر قليلة في عام 1992، ومن ثم عاد السعر الى 1800 ل.ل، أي فقدت الليرة اللبنانية ربع قيمتها خلال عام واحد..
إذا ما تم تحرير سعر الصرف قد يتجاوز السعر مقدار 1200 ليرة مثلاً، ولكن ليس لأن الليرة فقدت قيمتها الحقيقية، بل لأن الطلب على الدولار قد ازداد نتيجة المضاربة، ونتيجة سعي قوى السوق للتخلص من الليرة، التي يعطي إعلان تحريرها الإشارة بأنها لم تعد محمية حكومياً، وسيعقب هذا ارتفاع في المستوى العام للأسعار، ويتحول سعر الصرف، إلى أداة لسحب القيمة من الأجور، وإعادة توزيعها للأرباح، التي تتحول إلى دولار وهكذا دواليك..
هل يجب إيقاف استخدام الاحتياطي؟!
الذريعة التي يقوم عليها طرح تحرير سعر الصرف، والتوقف عن التدخل بالعرض والطلب، هي ضرورة إيقاف عملية الضخ من احتياطي العملات الصعبة للسوق، وهذا قد يبدو صحيحاً، إلا أن الأدق، هو أنه ينبغي أن تتغير طريقة استخدام القطع الأجنبي الاحتياطي الحكومي، ليتم تحفيز الطلب على الليرة، وليس العكس كما يتم طيلة الوقت..
فعملياً الدولار الذي يضخه المصرف المركزي، يتجه نحو دعم قوى السوق التي تطلب الدولار، أي سوق الصرافة أولاً: التي تلبي طلب أصحاب الربح الذين يحولون أرباحهم من ليرة إلى دولار، وثانياً: تمويل المستوردين الذين طبيعة نشاطهم الاقتصادي تقتضي طلب الدولار.
بينما يفترض أن يبقى استخدام المال العام الاحتياطي لحماية قيمة الليرة، ولكن بطريقة مختلفة تماماً، أي بدعم القوى الاقتصادية التي تطلب الليرة، وهي تحديداً أصحاب الأجور الذين يستهلكون محلياً دخلهم، ويحتاجون موضوعياً لليرة، بالإضافة إلى المنتجين المحليين، الذي يشغلون عمالة بالليرة، ويحصلون على جزء هام من مستلزماتهم من السوق المحلية بالليرة.
من غير المنطقي أن تتوقف الحكومة عن محاولة التحكم بالعرض والطلب على الليرة والدولار وتترك الموضوع للسوق، في ظروف الاضطراب والحرب وتقلبات قيمة العملة، والفقر الذي يشمل السوريين جميع باستثناء قلة قليلة اليوم.
ولكن المطلوب أن تتوقف الحكومة عن دعم الطلب على الدولار، عبر استخدام الاحتياطي لتلبية هذا الطلب، وتقوم بالعملية المعاكسة، وهي دعم الطلب على الليرة.. أما تحرير سعر الصرف وإيقاف التدخل بشكل نهائي، سيؤدي عملياً إلى انهيار قيمة العملة، وهذا يجر معه ما هو أسوأ، وهو تدهور سريع في الموارد العامة للدولة، ونتائج هذا هي تتراوح بين تهميش كبير لدور الدولة وقدرتها على التحكم بالسوق، وقد يصل إلى الإفلاس..