(قاسيون) في ندوتها الاقتصادية.. السياسة الاقتصادية تثبت السعر الوهمي للدولار!
قدمت عشتار محمود مسؤولة القسم الاقتصادي، مداخلة قاسيون للندوة الاقتصادية الثانية، التي كان محورها قيمة الليرة وسعر صرفها مقابل الدولار محورها..
ونورد هنا نصها بأهم محاوره:
سعر صرف الليرة مقابل الدولار، هو تعبير عن قيمة الليرة، التي هي (بيت القصيد)، ومن المفترض معرفة العوامل الرئيسة المؤثرة في قيمتها الفعلية، للبحث في مقدار التراجع الحقيقي في قيمة الليرة. وقد اعتمدنا طريقتين رئيستين: الأولى: عبر التوازن بين الكتلة السلعية والنقدية، والثانية عبر القوة الشرائية لليرة.
هل سعر الصرف
الفعلي قرابة 300؟!
بناء على الطريقة الأولى يتم اعتماد معادلة معروفة لتحديد كمية النقد الضرورية، والتي يمكن من خلالها معرفة التغير في قيمة الوحدة النقدية الواحدة، أي الليرة.
فالليرة تتراجع مع تراجع الناتج المحلي الإجمالي، وهو الذي تراجع عن عام 2010 وفق أقصى التقديرات بنسبة 61% في نهاية عام 2015. أما العنصر الثاني المؤثر هو: تضخم الكتلة النقدية بالليرة، أي كمية النقد المتداولة في السوق السورية، وقد افترضنا أنها تضخمت بمقدار عجز الموازنة الوارد في كل موازنة من موازنات أعوام الأزمة، أي بنسبة تقارب 236%، وبفرض بقاء سرعة دوران النقود ثابتة عند 1,3. فإن القيمة التقديرية لليرة معبراً عنها بسعر الصرف تكون قرابة 287 ليرة مقابل الدولار في نهاية عام 2015. منطلقين بالمعادلة من افتراض أن السعر الرسمي قبل الأزمة 47,5 لير مقابل الدولار هو سعر توازني.
أما الطريقة الثانية في التقدير، فهي قائمة على القوة الشرائية لليرة، فإذا ما كانت 30 ألف ليرة سورية، هي وسطي الإنفاق الشهري المطلوب لتغطية الحاجات الضرورية لأسرة في عام 2010، فإن المبلغ المطلوب في نهاية عام 2015 وفق حسابات قاسيون لتكاليف المعيشة يبلغ 178 ألف ل.س، وبالتالي سعر صرف الليرة يفترض أن يكون 282 ليرة مقابل الدولار. ما يشير إلى تقارب بين طريقتي الحساب، وينبغي الإشارة إلى أن سعر الصرف الرسمي في المصرف المركزي، في نهاية عام 2015 كان 307 ليرة مقابل الدولار، أي ليس بعيداً عن هذه الحدود بكثير..
ماذا حصل في 2016؟!
لكن ما الذي حصل خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2016؟
وصل سعر الصرف في السوق إلى 620 ليرة مقابل الدولار، وسعر المركزي وصل إلى أعلى سعر له 565 ليرة مقابل الدولار. أي ما يعني أنه خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2016، كانت الليرة تخسر شهرياً 8% من قيمتها!
والعوامل جميعها التي تؤدي إلى خسارة الليرة لقيمتها بهذا الشكل السريع لم تتغير: أي بالدرجة الأولى وضع الناتج المحلي الذي يفترض أن يتراجع بحدة لتتراجع الليرة بهذا المستوى، وهذا لم يتم حيث تتفق التقديرات جميعها أن تباطؤه في عام 2016 سيكون أقل من أي عام خلال الأزمة.
ما يدل على أن موجة مضاربة عالية ومقصودة هي التي أدت إلى هذا الرفع، أي أن السعر ارتفع من قرابة 300 إلى ما يزيد عن الـ 600 بفعل موجة مضاربة!
هل السياسات
ثبتت السعر الوهمي؟!
فماذا كانت ردة فعل الحكومة والسياسة الاقتصادية؟!
عملياً السياسة الاقتصادية رفعت السعر الرسمي بنسبة 84% خلال 2016 ليواكب هذا السعر المضاربي، أي رفعت سعرها إلى مستوى السعر الوهمي، ثم عندما قامت بعملية تخفيض السعر، لم تعده إلى المستويات السابقة، بل أبقته عند مستوى أعلى وهو 470 ليرة مقابل الدولار، أما الأهم بأن السياسة الاقتصادية قامت في الفترة ذاتها بإجراء يؤدي عملياً إلى تحويل هذا السعر الوهمي إلى سعر حقيقي، أي يؤدي إلى تراجع القيمة الحقيقية لليرة، وذلك عندما قامت برفع أسعار المحروقات، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة إلى 260 ألف ليرة شهرياً وفق حسابات قاسيون، أي أن سعر الصرف الفعلي أصبح يقارب 412 ليرة مقابل الدولار..
وهنا ينبغي أن نقول بأن عوامل تراجع الناتج المحلي، وتزايد الكتلة النقدية تؤدي إلى تراجع في القيمة الحقيقية لليرة، وبالتالي ارتفاع حقيقي في سعر الصرف، إلا أن المضاربة التي ترفع السعر بشكل وهمي، تلاقي استجابة من السياسة الرسمية عندما يتم رفع السعر الرسمي، ثم رفع مستوى الأسعار.
ما الذي ينبغي فعله
لنحمي الليرة؟!
ينبغي عملياً أن تتصدى السياسة الاقتصادية للعوامل الرئيسية التي تؤدي إلى تراجع القيمة الحقيقية لليرة. وذلك أولاً بزيادة الناتج السلعي المحلي، وتخفيض الكتلة النقدية المطبوعة التي لا يتم تغطيتها بناتج حقيقي، أي لا تستخدم في الإنتاج، وينبغي أيضاً المحافظة على القدرة الشرائية لليرة، وذلك بتخفيض أسعار السلع الأساسية.
ومجمل المتطلبات السابقة، لا يمكن أن تتم إلا عبر استخدام ما تبقى من الاحتياطي، واستخدام المال العام في توسيع مقصود للإنتاج، والاستهلاك، وهذا لا يتم إلا عبر الدعم.
دعم القوى التي تطلب الليرة أي المنتجين المحليين وأصحاب الأجور، وليس استخدام الاحتياطي لدعم القوى التي تطلب الدولار أي كبار المستوردين والمضاربين وشركات الصرافة وأصحاب الربح في المصارف وغيرها، كما تم خلال الأزمة، ويتوسع اليوم.
ولدى قاسيون حسابات رقمية، تثبت كيف يمكن بمبلغ يقارب 822 مليون دولار، أن نخفض الأسعار بنسبة 40%، ولكن إذا ما تم استخدامها، لتخفيض أسعار المازوت ودعمه، ودعم السكر والأرز، ودعم الأعلاف الحيوانية. وباستخدام مبلغ يقارب 500 مليون دولار، لتمويل الصناعة العامة والخاصة، يمكن تحقيق نمو صناعي خلال العام القادم بنسبة 10%، بعد أن تراجع الناتج الصناعي بنسبة 66% خلال الأزمة.
كما قدمت المداخلة مقارنة لنموذجين من السياسات الاقتصادية في التعامل مع أزمة تراجع العملة، من لبنان ومن روسيا، موضحة أننا ننهج في السياسة النقدية والمالية النهج اللبناني الذي أوصل لبنان إلى دولة منهارة، سلمت مفاتيح إعادة الإعمار لأمراء الحرب، وهو ما سنفصل به لاحقاً..
ليرة ضعيفة.. جهاز دولة ضعيف
استضاف المركز الثقافي العربي في جرمانا، مساء 23/7، محاضرة اقتصادية بعنوان «الليرة السورية.. مفترق طرق 2016»، ألقتها عشتار محمود، مسؤولة القسم الاقتصادي في جريدة «قاسيون».
تناولت المحاضرة أسباب تراجع قيمة الليرة السورية خلال أعوام الأزمة، ودور السياسات الاقتصادية في هذا التراجع. وقد استعرضت المحاضرة نموذجين من السياسات التي عالجت تراجع قيمة العملة، وهما النموذج اللبناني والنموذج الروسي. وخلصت إلى القول بأن إيقاف تراجع قيمة العملة، ومن ثم تحسين قيمتها، يتطلب جملة من الإجراءات على رأسها تعزيز الإنتاج، وإعادة توزيع الثروة لمصلحة الأجور.. كما اعتبرت المحاضرة استمرار السياسات الحكومية المتبعة خطراً يهدد جهاز الدولة السوري ونموذج إعادة الإعمار القادم. وقد شهدت المحاضرة حضوراً واسعاً، وأعقبها نقاش لم يبق ضمن حدود الاقتصاد بل تعداها إلى تناول الجوانب السياسية للإجراءات الاقتصادية..