نزار عادلة نزار عادلة

«الكيس» العجيب.. ومافيا الفساد في شركة الأسمدة

تم مؤخراً عزل المهندس أحمد مصطفى خرما مدير عام شركة الأسمدة من موقعه، وتكليف نائبه بالإدارة، وقبل خرما تم عزل وإبعاد المهندس عبد الصمد الباقي ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة بعد إدانة التفتيش له ولإدارته بعشرات الملايين.. وقبل الباقي تم عزل المهندس هيثم شقيف، بشكل يثير الاستغراب، خصوصاً أنه قام بتحسين مؤشرات الأداء في الشركة وخفض الهدر وحل المشاكل الفنية والإنتاجية وألغى الكثير من المشاريع والمناقصات الوهمية، ونقل الشركة من الخسارة إلى ربح وصل إلى /1.4/ مليار ل.س!!

وقبل شقيف عزل عمار ناصيف مكي، وقبل مكي عزل مدير عام أقدم.. وهكذا..
هذا التخبط في تعيين المدراء وعزلهم، ألا يدعو للتساؤل؟
ومهما كان الجواب هنا، فإن أحداً ما أو مجموعة ما من حلقات السلسلة التي تتألف تتداخل مع الجهات الوصائية تعتبر المسؤول الرئيسي عن نهب وتخريب هذه الشركة وشركات أخرى، دون أن تقوم الأجهزة التفتيشية بدورها وخصوصاً الجهاز المركزي للرقابة المالية. وإذا أصر الجهاز المركزي على نكران ذلك، فلماذا تنام بعض قراراته في أدراج بعض المتنفذين؟ ولماذا يعاقب بعض المفتشين إذا كشفوا حقائق بالأرقام والوثائق؟
 
الفساد الآخر.. الكيس اللغز!
في واحدة من كبريات صفقات الفساد التي عصفت ولا تزال تعصف بالاقتصاد السوري، وربما تكون الأخطر، ليس لأن النهب بالمليارات، وليس لأنها تطال أهم مؤسسات وشركات القطاع العام، بل لأنها دوخت وزارات وإدارات وأجهزة رقابية وحزبية وأمنية.. هذه الصفقة هي «كيس البولي برويلين» المستخدم لتعبئة الأسمدة والحبوب والعلف والملح والطحين ومواد أخرى... فقد أصبح هذا الكيس لغزاً للصناعة المحلية، عجز عن فك شيفرته كل ما لدى سورية من خبراء اقتصاديين في الجهات الوصائية أو الرقابية وغيرها.
ولم تفكر الجهات الوصائية في وزارة الصناعة أو في غيرها حتى التفكير في إقامة معمل للأكياس يسد حاجة القطاع العام، وإقامة معمل يعني توفير المليارات ولكن قطع الأرزاق عن جهات عديدة من المحرمات.
وإليكم المعادلة التالية:
في عام 1997 كان سعر الكيس /21/ ل.س، وكان سعر النفط بحدود /21/ دولار للبرميل.
في عام 2001 كان سعر الكيس /6.65/ ل.س، وكان سعر النفط بحدود /28/ دولار للبرميل.
في عام 2007 كان سعر الكيس /14/ ل.س، وكان سعر النفط بحدود /140/ دولار للبرميل.
«السيد» الكيس مرتبط بأسعار النفط لأنه مصنوع من مواد نفطية.. هكذا يقول جهابذة الاستيراد، وهذه مغالطة كبرى لأنهم يستوردون الأكياس حبيبات لسنوات وتصنع في حمص.
المدير التجاري لشركة الاخوان للصناعات البلاستيكية فريز الاخوان يقول في مجلة المقاول العدد /12/ «إن سعر الكيس لتعبئة الطحين هو /4.90/ ل.س، وهو بنفس سعة كيس السماد ويجب أن يكون بمواصفات أفضل كونه للطحين. فإذا كان التاجر لديه هذه الجرأة والشفافية بإعلان سعره. لماذا كانت الأسعار التعاقدية مع الأسمدة وغيرها بـ /14/ ل.س في حينها أو أكثر ومن المسؤول عن ذلك».. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لماذا عوقب المفتش؟ ولماذا تم الانتقام منه بأبشع الصور عندما أثار هذا الموضع عام 2003؟.

 قصة قديمة متجددة
المفتش الأول في الجهاز المركزي للرقابة المالية نصر خرفان كلف بالتفتيش في شركة الأسمدة عام 2003، وأثار موضوع التلاعب بالأسعار وكلف بالتحقيق عام 2004 بموافقة رئاسة الجهاز رقم /102 ـ 2 ـ 25 ـ 2 ـ 2004/، وتم تهديده مباشرة، وأوقف التحقيق في 22/4/2004 تحت عبارة توجيه من فوق!.
فلماذا تم السكوت عن تهديد المفتش أثناء قيامه بعمله، ولماذا أوقف التحقيق؟ هل لأن هذا المفتش رفض الرشاوى التي قدمت له؟
إن التلاعب والتزوير طال كل قنوات هذه اللعبة خلال سنوات طويلة. بدءاً من إجازات الاستيراد والبيانات الجمركية المزورة إلى التلاعب بالأوزان والمواصفات ودرجة الجودة وإجراءات فض العروض ودفاتر الشروط والبيانات الضريبية والتسعيرة وصرف الاستحقاقات... وكل ذلك مفصل في التقرير رقم 1/ط.ج 1.ن.خ تاريخ 18/7/2004.
وحفظ هذا التقرير من إدارة الجهاز..
 
بئر النفط
إن أية بئر نفط لا تدر أرباحاً مثل الكيس العجيب. لماذا؟ شركة الأسمدة بحمص وحدها تشتري يومياً بحدود /40/ ألف كيس، وربح الكيس الفعلي هو بحدود /70/ ق.س، وبدلاً أن يربح التاجر بحدود /30000/ ل.س يومياً من مبيعاته لهذه الشركة فإنه يسرق أو يربح ما بين /400/ ألف، ومليونين ونصف المليون يومياً، وذلك حسب أسعار الصفقة التجارية التي تتراوحت ما بين /14 أو 12/ ل.س منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى عام 2003، وإذا كان المزراب اليومي بالملايين من شركة الأسمدة، فكم يضخ هذا المزراب من الشركات الأخرى، مثل مؤسسة الأعلاف ومؤسسة الحبوب وشركات السكر ومناجم الملح وغيرها، لأنها جميعها تخضع للبازار نفسه من التلاعب والتزوير.
والحقيقة أن المفتش الذي أثار هذا الملف تورط وأخطأ، فعندما أثير هذا الملف كان سعر الكيس /14/ ل.س وسعر برميل النفط بحدود /28/ دولاراً، وقد أساء المفتش للسيد الكيس لأنه مع ازدياد سعر النفط في الأعوام 2004 وحتى 2009 كان من المفترض أن يزداد سعر السيد الكيس بالنسبة نفسها، وبالتالي فإن توفير مئات الملايين وربما المليارات على الجهات العامة هي خسارة للتجار والسماسرة.. هي خسارة لشركات البلاستيك وفي مقدمتها شركة الأخوان، لذلك على المفتش أن يعاقب لأنه يسيء للاستثمار في سورية.
وهنا تقدم التحية للكيس العجيب الذي استطاع أن ينال كل الدعم من الجهات المسؤولة، وعجزت أية جهة عن اختراق تحصيناته أو المس بهيبته، ولا زال هذا الكيس سيد الموقف، وما زالت أموال الشركة تستنزف!
إن فضائح وملفات الفساد في شركة الأسمدة متنوعة بتنوع طموحات العابثين بمقدراتها منذ تأسيسها وحتى اليوم، وفي مقدمة من يعبث بها الإدارات وأجهزة الرقابة.
التقرير الرقابي رقم /887/ تاريخ 13/6/2004 يتضمن عشرات مواضيع الفساد، لكنه حفظ لدى إدارة الجهاز بحمص مقابل عمولات.. نذكر من هذه المواضيع:
النقص والفروقات في موضوع أرصدة المستودعات وهي بعشرات الملايين النتيجة إبعاد المفتش.
المذكرة الرقابية رقم /1892/ وتم الحفظ.
ملف توريد مادة الكلس لمعمل /JSP/ لتعديل المياه الحمضية وما يتضمنه من فضائح وممارسات. والنقص في توريد هذه المادة أدى إلى التلوث ونتجت عنه أضرار بالإنسان والمزروعات وفي مياه العاصي والآلات وغيرها.. والتقرير الرقابي رقم 887/2 أورد تفاصيلها بكل وضوح ونام التقرير في إدراج الجهاز المركزي.
عقد تنظيف معمل /JSP/ أورد تفاصيله رئيس اللجنة النقابية في 16/2/2003 «يوجد تخريب متعمد» وبقي الموضوع في الأدراج.
التلاعب بأسعار شراء قطع التبديل وهي بعشرات الملايين أوردتها التقارير وحفظت!.
فما رأيكم؟؟