د. عابد فضلية لقاسيون: العجز موجود حتى لو لم يكن هناك دعم بليرة واحدة.. والفساد أحد الأسباب
يعد عجز الموازنة العامة من القضايا الجوهرية التي أثارت اهتمام الباحثين الاقتصاديين في جميع دول العالم، خصوصاً إذا ما استمر ارتفاع هذا العجز من عام لآخر، فالعجز في سورية كان نحو /30/ مليار ليرة في العام 2000، ووصل في العام 2009 إلى 222 مليار ليرة، أي أن ارتفاعه تجاوز 7 أضعاف خلال تسع سنوات، وهذا يدفع للتساؤل عن مبرر هذا العجز، وعن أسباب استمراره على الرغم من توفر الموارد على حد تعبير وزير المالية د. محمد الحسين الأسبوع الماضي. ولذلك توجهت جريدة قاسيون بأسئلتها واستفساراتها إلى نائب عميد كلية الاقتصاد د. عابد فضليه الذي أكد أن «عجز الموازنة الحكومية في أية دولة ليس حالة مرضية، شرط ألا يكون هذا العجز تراكمياً، أو أن يصبح حالة دائمة، فالعجز في الموازنة العامة انخفض نظرياً هذا العام مقارنة مع العام السابق، لكن إذا استمر في الموازنات القادمة، فإنه سيصبح عجزاً مزمناً، وهنا يصبح مشكلة، لأنه يشكل عبئاً على الموازنة العامة للدولة، خاصة إذا ما تمت تغطيته بالقروض أو بسندات الخزينة، أي أن له تكلفة تدفع.. فتفاقم الدعم في السنوات السابقة نتيجة الارتفاع العالي لأسعار النفط عالمياً، وانخفاض أرباح المؤسسات العامة في الدولة، والتراجع النسبي للحصيلة الضريبة مقارنة مع تزايد الناتج المحلي الإجمالي، هي أسباب العجز الرئيسية، فالضرائب على الأرباح تتراجع نسبياً، وخاصة الضرائب على الأرباح الحقيقية، والموازنة ترتفع بنسبة 10%، لكن الإيرادات الضريبية لا ترتفع سنوياً بالنسبة نفسها».
• البعض في الحكومة يحمّل الدعم مسؤولية العجز بهدف القضاء على الدعم، خصوصاً إذا ما عرفنا أن العجز كان 222 مليار ليرة في العام 2009، والدعم على النفط كان 80 مليار ليرة بحسب وزير المالية، بينما كان الدعم حسب الدردري في العام 2008 نحو 300 مليار ليرة، والعجز كان عندها 192 مليار فقط، أي أقل من العام الذي تلاه؟!!
- الدعم ليس وحده المسؤول عن العجز، فحتى لو لم يكن هناك دعماً بليرة واحدة فإن العجز سيكون موجوداً، لأن الدولة ترفع نفقاتها مع الانخفاض النسبي لإيراداتها، وهذا يشكل العجز، لكن الدعم يساهم مع غيره برفع العجز إلى أرقام كبيرة، لكن ليس هو السبب الأساسي، كما أن العجز ينتقل من عام لآخر، حيث إن جزءاً منه ينتقل من العام 2009 إلى 2010، وهذ أحد أسباب تفسير العجز، فلو لم يكن لدينا عجز في 2009 لكان العجز في 2010 أقل بكثير.
• يقال إن العجز في الموازنة العامة ما هو إلا نتيجة واضحة لسوء أداء الاقتصاد القومي؟! فما هو رأيكم كباحث اقتصادي؟!
الخلل في الموازنة العامة للدولة، يعني إما أن يكون هناك خلل في الأداء الاقتصادي للمؤسسات الاقتصادية، وهو موجود، فالفوائض التي تنتجها المؤسسات الاقتصادية لا تذكر مقارنة مع مئات المليارات التي هي التكوين الرأسمالي لهذه المؤسسات، فإذا قارنا بين قيمة التكوين الرأسمالي، وما يضخ سنوياً من استثمارات في هذه المؤسسات الاقتصادية إجمالاً، مع ما تورده ذاتها من إيرادات للموازنة العامة للدولة، نجد أنها أرقام ضئيلة جداً. أما بالنسبة لإدارة المالية العامة فأقول مازال هناك تهرب ضريبي، وجمركي بنسب لا يستهان بها.
• هل يمكن القول إن الفساد الإداري، وكبر حجم القطاع الاقتصادي غير المنظم (اقتصاد الظل) هما وراء عجز الموازنة العامة؟!
الفساد بما يمثله من إساءة للمال العام، والهدر، وسوء الإدارة، وعدم الحس بالمسؤولية، يتحمل جزءاً كبيراً من هذا العجز، كما أن فاتورة اقتصاد الظل هي أيضاً تعد مشكلة للاقتصاد السوري المتعايش معها، ولكن هذا لا يبرر استمراريتها، وهذا يتطلب تسهيل التشريعات والقوانين واستراتيجيات وخططاً تمكنه من الانتقال إلى النور، وعندما فقط تصبح إيرادات الموازنة أكثر استقراراً.
• يحاول دعاة الليبرالية دائماً تصوير المصروفات والنفقات العامة، (الأجور، التعليم، الصحة، مياه الشرب والصرف الصحي، الدعم) كإحدى أسباب العجز، فهل تصويرهم في مكانه؟!
قد يكون ما يقولونه صحيحاً، ولكن اليوم، حتى في أكثر الدول الرأسمالية يعتبر تدخل الدولة وزيادة الإنفاق من أهم السياسات التي تتبعها الحكومات في هذه الدول، وخير دليل على ذلك موافقة الكونغرس الأمريكي منذ بضعة أسابيع على إنفاق /150/ مليار دولار في سبيل إيجاد وظائف لتقليل حجم البطالة، ومطالبة رئيس وزراء إسبانيا ثاباتيرو زيادة الضرائب على بعض الأنشطة الاقتصادية من أجل زيادة حصيلة الموازنة العامة، لكي تنفق على النواحي الاجتماعية والخدمات العامة، ولكنني لا أعتقد أن هناك من يدعو في سورية لتقليص دور الدولة الاجتماعي.
• بماذا تفسر إذاً انخفاض حصة الصحة في موازنة العامة الاستثمارية 2010 وكذلك حصة التعليم وتراجع الدعم؟!
تخفيض الإنفاق على الصحة والتعليم أمر غير مقبول، وكل من ينادي بتقليص دور الدولة الاجتماعي وتدخلها الإيجابي لصالح الشرائح الضعيفة بالتأكيد نحن ضده، خصوصاً إذا ما كان ذلك فلسفة وسياسة ليبرالية، فالتوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي يفرض مهاماً أعمق وأهم من السابق في ترسيخ الجانب الاجتماعي، وهذا يتطلب مضاعفة الاهتمام بالتعليم والصحة، فالتخفيض مبرراً من وجهة النظر الحكومية التي تقول إن الإيرادات لا تكفي.
• هل باتت أرقام العجز المعلنة في كل موازنة عامة ضرورة حكومية لتبرير تقصير القادم في التنفيذ؟!! ولماذا يرتفع هذا العجز مع ارتفاع حجم الموازنة العامة؟!!
في إطار فلسفة الدولة المتدخلة (سورية، الجزائر، ليبيا)، توضع النفقات بالبداية ومن ثم يتم وضع الإيرادات، وفي النهاية يتبين أن هناك عجزاً وعلى الحكومة أن تبحث وتخطط لتمويل هذا العجز، لكون النفقات عبارة عن الدور الاجتماعي والاقتصادي للدولة، أما نظرية الدولة الحارسة في الدول الرأسمالية (لا تتدخل الدولة بالشؤون الاقتصادية بشكل مباشر بل تكتفي بمراقبته ورعايته)، فالدولة تنفق بقدر ما يأتيها من إيرادات، لكن الذي يصبح واقعياً، أن هذه الدولة الرأسمالية تنجح في التدخل بالحياة الاقتصادية والاجتماعية، رغم أن هذا ليس هدفها، بينما تعجز موازنات الدول المتدخلة عن القيام بهذا الدور.
الحالة الطبيعية تقول، الاقتصاد ينمو سنوياً، وبقدر هذا النمو يجب أن نرفع الميزانية (الانفاق)، أي أن الإيرادات يجب أن تنمو نظرياً وتغطي ارتفاع النفقات، إلا أن ذلك لم يحدث، والحكومة حذرة تجاه المبالغة في الإيرادات المتوقعة لكي لا يقال إن هناك خللاً في التنفيذ فيما بعد، وهذا يعتبر أكثر واقعية. ولكن يبقى السؤال: هل على الحكومة أن تحسب بالمستوى الذي يجب أن تحصل به أم أقل من اللازم؟!
• ما هي الإجراءات التي يجب اتباعها لتمويل عجز الموازنة العامة؟!
إنني أرى أن الجواب على هذا السؤال يكون في إطار الأسباب المؤدية إلى العجز الحاصل في الموازنة العامة، والذي يتمثل بضبط استثمارات ونفقات القطاع الاقتصادي العام، ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي.
وفي ختام اللقاء، أشار د. عابد فضلية إلى أن هذه الإجراءات لا تكفي وحدها لتغطية العجز، معتبراً أن الاقتراض الداخلي، وسندات الخزينة، هما الحل الأفضل لقضية العجز، شرط طرح هذه السندات على الجمهور العام وصغار المدخرين وليس على المؤسسات المالية، موضحاً أنه يجب توظيف هذه السندات في مجالات استثمارية وأنشطة تؤدي إلى توليد دخل مستقبلي، وليس في المجالات الاستهلاكية والترفيهية، لأن الحكومة عندما تستدين فإن عليها أن تدفع تكاليف هذه الاستدانة كفوائد، والتي ستصبح بالتالي عبئاً إذا لم تتغطى بالأنشطة الإنتاجية.
وأوضح د. عابد أن التمويل بالسندات عبر صغار المدخرين يحقق 3 فوائد، أولاً: الفوائد التي تدفع على هذه السندات تخرج إلى صغار الكسبة كفوائد، وتساهم في زيادة دخلهم، وثانياً: الحكومة تحصل على ما تحتاجه من أموال، وثالثاًً: تحرض العملية صغار المدخرين على إخراج المدخرات.