أسعار المنتجات الزراعية إلى ارتفاع.. والفلاح يغوص بأوحال ارتفاع تكاليف الإنتاج!
بعد سبع سنوات مضنية من مسيرة الفلاح السوري الساعي لتحسين ظروفه المعاشية رغم جميع العوائق، وتحديداً في الفترة الممتدة بين العام 2002 – 2008 التي لم تشهد خلالها أسعار شراء تسعة محاصيل زراعية أساسية ارتفاعاً إلا بنسبة 58,33% فقط، بما في ذلك الزيادة الأخيرة التي لحقت هذه المحاصيل في العام 2008 بعد رفع أسعار المشتقات النفطية في السوق المحلية، ما تزال حالة هذا الفلاح تمضي من سيئ إلى أسوأ، وليست هناك أية مؤشرات جدية توحي بأنها ستتحسن في المدى المنظور.. هذا ما أكدته الدراسة الدقيقة لأرقام المكتب المركزي للإحصاء في سورية، وهو ما يشكل مناسبة لبحث جدوى هذا الرفع خلال السنوات المدروسة مقارنة بالارتفاع الهائل في تكلفة عملية الإنتاج الزراعي، وارتفاع تكاليف المعيشة ذاتها، مما يتطلب بالتالي زيادة هامش الأرباح المتاحة للفلاح لا تقليصها أو سحقها، لأن ذلك ـ كما تؤكد التجربة ـ سيؤدي إلى تقليص الأراضي المزروعة وابتعاد الفلاح عن الزراعة وهجره لأرضه.
وتؤكد أرقام المركزي للإحصاء ارتفاع أسعار شراء الكيلو الواحد من الذرة الصفراء بنسبة 37,5%، ليأتي بعده الحمص الذي ارتفع بنسبة 40,5%، ليحل التبغ بالمرتبة الثالثة بنسبة ارتفاع 41%، وبموازاته ارتفعت نسبة شراء أسعار العدس بنوعيه. أما بالنسبة للمحاصيل الإستراتيجية، فقد حل القمح كأقل المحاصيل ارتفاعاً، حيث ارتفعت أسعار شراء الكيلو الواحد من القمح القاسي بنسبة بلغت 50,5%، بينما ارتفعت أسعار شقيقه القمح الطري بنسبة 60%، في الوقت الذي لم يتجاوز فيه ارتفاع أسعار أكثر المحاصيل الزراعية تكلفةً خلال عملية الإنتاج، وهو القطن، بنسبة 53%، ومن بين المحاصيل الأكثر حظاً في الارتفاع كان الشوندر السكري الذي ارتفع بنسبة بلغت 73%، وليتفوق عليه محصول الشعير الذي ارتفع بنسبة 128,5%.
يعد هذا الرفع الحكومي لأسعار المحاصيل الزراعية الأساسية خجولاً، وذلك قياساً بارتفاع أسعار الأسمدة في العام 2009 بنسبة تتراوح بين 58 – 357%، وارتفاع أسعار المحروقات بنسبة 275%، بعد تخفيض سعر ليتر المازوت في عام 2009 إلى 20 ل.س، وهاتان المادتان تعدان مُدخلين أساسيين من مُدخلات عملية الإنتاج الزراعي، لأنهما تشكلان بين 13 – 30% سابقاً من التكاليف الإجمالية لإنتاج المحاصيل الزراعية، وخصوصاً الزراعات المروية التي تشكل حوالي 30% من الأراضي المزروعة فعلاً.
وبالاعتماد على الجدول الذي نشرته «قاسيون» في العدد 357 بتاريخ 25/05/ 2008، وبعد إدخال التعديلات على تكلفة الأسمدة والمازوت فقط دون مدخلات عملية الإنتاج الأخرى، على أساس 20 ل.س لليتر المازوت، وزيادة وسطية بنسبة 200% لأسعار الأسمدة، نجد أن مجموع تكاليف إنتاج الدونم الواحد من القطن قد ارتفع بقيمة 2785 ل.س، وبنسبة تصل إلى 20% من التكلفة الإجمالية، وارتفعت تكلفة نظيره من الشوندر السكري بقيمة 2278 ل.س، وبنسبة تصل إلى 17%، بينما ارتفعت تكاليف إنتاج الدونم الواحد من التبغ بقيمة 11847 ل.س، وبنسبة تصل إلى 47% من تكاليف الإنتاج الكلية، أي أن هذا الرفع أدى عملياً – منفرداً – لزيادة تكاليف الإنتاج الزراعي الكلية بنسبة تتراوح بين 17 ـ 40%، وبنسبة وسطية تصل تقريباً إلى 28%، فكم ستكون هذه النسبة إذا ما أضفنا إليها ارتفاع أجرة العاملين في الزراعة، والحراثة، والأدوية، والنقل، وجميع مدخلات الإنتاج قد طالها الارتفاع في عام واحد؟! بالتأكيد لن تقل عن 60% من مجمل تكاليف عملية الإنتاج الزراعي، هذا إذا ما علمنا أن تكاليف عملية الإنتاج الزراعي شهدت ارتفاعاً أيضاً في سنوات أخرى مدروسة، وهذا يوصلنا إلى أن نسبة ارتفاع تكاليف الإنتاج وصلت وبكل بساطة إلى 100%، بينما لم ترتفع الأسعار التي يتقاضاها الفلاح لقاء بيع محاصيله الزراعية للحكومة خلال السنوات السبع الماضية إلا بنسبة 58%، أي أن هناك هوة بين ارتفاع تكاليف الإنتاج والأسعار لا تقل عن 40%، وهي النسبة التي اقتطعت من أرباح الفلاح السوري، وضيقت الخناق عليه، وعلى زراعته، هذا بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة المتناسب طرداً من هذه الارتفاعات في الأسعار، حيث ارتفعت تكاليف المعيشة خلال أربع سنوات 2005 ـ 2009 حسب المكتب المركزي للإحصاء، على اعتبار 2005 كسنة أساس بنسبة 136%، أي أن الأرقام تؤكد أيضاً ارتفاع تكاليف المعيشة على الفلاح السوري أيضاً مما كان يحتم تعظيم فائدة الفلاح وأرباحه وزيادتها لتلاحق ارتفاع تكاليف المعيشة والعملية الإنتاجية على حد سواء بدلاً من تخفيضها لدرجة اضمحلالها.