فقراء حسب الطلب.. تماشياً مع القرار المطلوب!

لم يعد المواطن السوري اليوم يعرف تصنيفه الفعلي عند حكومته، ولأي مستوى من الفقر أو «الترف» ينتمي، لأن محددات الفقر، وكما كانت في الماضي، ليست واضحة، ولا يراد لها ذلك، لاستخدام هذه الأرقام واللعب بها صعوداً أو نزولاً تماشياً مع القرار الحكومي المزمع إصداره، في الوقت الذي يؤكد فيه الواقع شيئاً واحداً فقط، وهو الصعود المستمر لأرقام الفقر ونسبة الفقراء في سورية، والتي هي نتيجة حتمية لانخفاض القدرة الشرائية وارتفاع حاجة الإنفاق المقابل له، وما زاد الطين بلة التجاهل الحكومي لمشكلة البطالة التي يئن تحت وطأتها الاقتصاد والمجتمع السوري على حد سواء، حيث إن نسبة العاطلين عن العمل كانت بحدود 8،2% في العام 2006 في بداية الخطة الخمسية، وتصر الحكومة اليوم على استقرارها عند هذا الحد، فالبطالة – المنتج للفقر الاوتماتيكي– ارتفعت بتقديرنا نسبةً ورقماً على الرغم من مرور خطتين خمسيتين كان يتوجب عليهما تخفيض الفقر لا رفعه، وإذا أردنا مسايرة الحكومة فيما تقول، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن ثبات نسبة البطالة لا يعني استقرار عدد العاطلين عن العمل، بل إنه يؤشر إلى ارتفاع عددهم الفعلي، فخلال السنوات الأربعة الماضية التي شهدت دخول مليون طالب لفرصة عمل إلى السوق السورية، لم يتحقق خلالها سوى 400 ألف فرصة عمل، ألا يعني هذا أن 600 ألف عاطل جديد دخلوا إلى صفوف العاطلين عن العمل، فكيف بقي معدل البطالة على حاله مع دخول هذا الكم الكبير إلى صفوف العاطلين عن العمل؟!!

سورية لا تعد أساساً من الدول الفقيرة، إن لم نقل إنها من الدول الغنية، مما يعني أن توسع دائرة الفقر ما هو إلا انعكاس طبيعي للتشوه الحاصل في التوزيع الحقيقي للثروة، فزلة لسان النائب الاقتصادي منذ أسابيع كانت أصدق تعبير عن نسبة الفقراء في سورية، حينما أعلن أن 75% من الشعب السوري (4 مليون أسرة) حصل على الدعم – المخصص أساساً للأسر الفقيرة التي يقدر إنفاقها بين 25 – 33 ألف شهرياً– كأحد الشروط الواجب توافرها للحصول على الدعم، وهذا يؤكد أن نسبة الفقر لدينا في هذه الحالة تجاوزت نسب الفقر في الدول الفقيرة في مواردها وإمكاناتها الاقتصادية التي ننعم بالكثير منها.

إقرار الحكومة أن إنفاق الأسرة السورية يتراوح بين 25 – 33 ألف ليرة شهرياً وضعها دون أن تدري في مطب الفارق الكبير بين الدخل الحقيقي للمواطن السوري والإنفاق، حيث إنه واستناداً لمؤشرات التنمية البشرية للعام 2006، كان متوسط الرواتب والأجور/ قطاع عام 9668 ل.س، بينما لم يتجاوز متوسط الرواتب والأجور/ قطاع خاص  7532 ل.س، ومتوسط حجم الأسرة 5،3 أفراد، ونعرف نحن أن معدل الإعالة لدينا هو 5 لكل فرد تقريباً، أي أن لكل آسرة معيل واحد فقط في الغالب، أو معيل ونصف في أحسن الأحوال، وهذا يعني أن الاعتماد الغالب لكل أسرة سيكون على راتب واحد فقط، فإذا أضفنا زيادة 25% التي تمت في العام 2008 نصل إلى أن متوسط الرواتب والأجور/قطاع عام حوالي 12 ألف،  بينما لا يتعدى متوسط الرواتب والأجور/قطاع خاص 9300 ل.س، وهذا يعني وبلغة الأرقام أنه حتى لو كان لكل آسرة معيلان فإنهما لن يكونا قادرين على تأمين الحد الأدنى لمعيشتهم – وفقاً للأرقام الحكومية، وهذا يؤشر لحقيقة واحدة هي أن ما قاله النائب الاقتصادي كان حقيقة مرّة لم يكن من الممكن إخفاءها أو التعتيم عليها طويلاًُ.

ومن جانب آخر، فإن التشكيك بمتوسط إنفاق الأسرة السورية وارد أيضاً، حيث إن وسطي إنفاق الأسرة السورية وفقاً لأرقام المكتب المركزي للإحصاء في العام 1997 كان بحدود 10475 ل.س شهرياً، ليصل هذا الوسطي، استناداً للمرجع ذاته، إلى نحو 21048 ل.س في العام 2004، أي أنه وبعد ارتفاع أسعار كامل المشتقات النفطية منذ العام 2004 حتى 2010 تجاوز 300%، حيث إن رفع سعر ليتر المازوت في نيسان 2008 وحده أدى لرفع أسعار كافة السلع والخدمات بنسبة 100% تقريباً، كما ارتفع وسطي تكلفة الإنتاج الزراعي خلال الفترة ذاتها بنسبة لا تقل عن 150%، وهذا يعني بالأرقام أن متوسط إنفاق الأسرة السورية في العام 2010 لن تقل عن 40 ألف شهرياً، أي أن الفارق يتجاوز ثلاثة أضعاف بين متوسط الدخل ومتوسط الإنفاق المطلوب، وهذا ينذر بأزمة مستقبلية سيخلقها هذا التوسع المستمر للفارق بين الدخل ومتوسط الإنفاق المطلوب!!

كما أنه، واستناداً إلى تفاصيل الوجبة الغذائية التي أقرها مؤتمر الإبداع الوطني والاعتماد على الذات الذي دعا إليه الاتحاد العام لنقابات العمال عام 1987، يمكن أن نقول وبالأرقام إن تكاليف حاجات الفرد الغذائية اليومية، والمقدرة بـ 2400 حريرة، تبلغ حوالي 96 ليرة، وإذا ما علمنا أن متوسط حجم الأسرة السورية حسب مؤشرات التنمية البشرية للعام 2006 نصل إلى أن تكاليف الحاجات الغذائية المعدة للأسرة خلال يوم  واحد - بالأسعار الحالية - تقدر بـ96 × 5 = 480 ليرة، وإذا ما تم حسابها على عدد أيام الشهر 480 × 30 = 14400 ل.س، أي أن الأسرة السورية تحتاج إلى  حوالي خمسة عشر ألف ل.س لتأمين الحد الأدنى من حاجاتها الغذائية (الطعام) في كل شهر فقط.