هل زراعة الذرة والصويا مجدية اليوم؟!
كانت الذرة الصفراء محصولاً يزرع في المحافظات السورية كافة، وجزء من منظومة المحاصيل التي تقوم الحكومة بشرائها وتحديد أسعارها..
ومع ذلك كان الإنتاج السوري يتراجع عاماً بعد عام قبل الأزمة، لأن التكاليف المحلية بقيت أعلى من كلف الاستيراد العالمي..
في العام الماضي 2015 تم استيراد 290 ألف طن من الذرة الصفراء العلفية، لأعلاف الدواجن، بقيمة 50 مليون يورو، أي 172 يورو للطن وحوالي 95 ليرة للكغ.
92 ليرة تكلفة كغ الذرة.. لو زرعت!
تكاليف زراعة الذرة المروية كانت 18 ليرة للكغ في عام 2011، أما البعلية فتكلفتها كانت 11 ليرة تقريباً.. وكانت التقديرات في حينه بأن الجدوى ضعيفة من الزراعة بمقابل المستوردات ذات التكلفة المماثلة، حيث كان سعر الذرة الصفراء في السوق في عام 2011: 11 ليرة سورية.
ولكن هل لا تزال هذه المقاربة، القائمة على أرقام الكلفة هي الأدق في تحديد الجدوى الاقتصادية؟! أي بمعنى آخر، هل تحقق زراعة الذرة الصفراء محلياً جدوى اقتصادية اليوم؟
للإجابة لا بد أولاً من وضع افتراض لارتفاع التكاليف، وسنفترض بأن تكاليف زراعة كغ الذرة الصفراء البعلية قد ارتفعت من 11 ليرة في عام 2011، إلى 92 ليرة في العام الحالي. معتمدين في هذا الافتراض على ارتفاع سعر الصرف كمؤشر، على اعتباره ارتفع بنسبة 840%، من 50 ليرة مقابل الدولار في 2011، وصولاً إلى 470 ليرة مقابل الدولار حالياً.
إن الذرة الصفراء تشكل نسبة 50% من تكاليف استيراد أعلاف الدواجن، ونسبة 75% من وزنها وكمياتها، وعملية إنتاجها محلياً، ستؤدي إلى عزل 50% من تكاليف الأعلاف عن سعر صرف الدولار، أي نسبة 40% من تكاليف الفروج تصبح مستقلة عن الدولار وسعر صرفه.
مساحات يمكن توفيرها
إن إنتاج 300 ألف طن من الذرة الصفراء تتطلب، مساحات تبلغ 120 ألف هكتار، ومن الممكن تقليصها إلى 60 ألف هكتار فقط، إذا ما تم تغطية تكاليف الري، وتأمين المياه مجاناً للمزارعين، حيث ترتفع الغلة الضعف في حالة ري الذرة الصفراء.
وهذه المساحات الواسعة يمكن توفيرها في المناطق التي يستمر المزارعون فيها بزراعة أراضيهم، حيث أن مساحات واسعة من مناطق زراعة القمح والقطن والشوندر المتراجعة، أصبحت تزرع بالمحاصيل التصديرية، مثل النباتات الطبية والعطرية، حيث خسرت منطقة الغاب وحدها مساحة 58 ألف هكتار كانت تزرع بالشوندر السكري.
الصويا المكلفة.. هل من جدوى؟!
قد تكون جدوى الزراعة في الصويا أعلى، وتحديداً من حيث المساحة، فتأمين مساحة 70 ألف هكتار، كافية لتأمين إنتاج 100 ألف طن من الصويا، وفق وسطي الغلة في عام 2011 البالغ 1,5 طن في الهكتار.
حيث تكلفة الإنتاج المحلي التي كانت تبلغ 35 ليرة للكغ تقريباً في عام 2011، قد تكون انتقلت إلى حدود 294 ليرة ليرة للكغ وفق فرضية ارتفاع التكاليف بنسبة 840% بمقدار ارتفاع سعر الصرف، ورغم ارتفاع هذه التكلفة إلا أن محصلة كلفة الكغ العلفي من الإنتاج المحلي تبقى أقل.
ولكن محصلة كغ العلف وسطياً تبقى أقل من الأسعار التي وصل لها السعر الوسطي للأعلاف اليوم..
إنتاج العلف محلياً أوفر اليوم..
كغ العلف للدواجن الذي يحوي ثلاثة أرباعه ذرة صفراء وربعه صويا، تبلغ تكلفته الوسطية وفق تقديرات التكلفة السابقة 145 ليرة تقريباً، ومع إضافة أجور التجفيف فإننا قد نصل إلى تكلفة وسطية 160 ليرة للكغ.
بينما سعر كغ العلف الوسطي المستورد اليوم هو 230 ليرة للكغ، بفارق 70 ليرة في الكيلو ونسبة ربح 44% تقريباً، يحصل عليها المستوردون الممولون بالقطع الأجنبي في العام الماضي بمقدار 105 مليون دولار تقريباً لاستيراد الذرة والصويا والمتممات العلفية، كما توضح بيانات وزارة الاقتصاد، والذين حققوا مكاسب من الحصول على القطع بالسعر الرسمي والتسعير بسعر السوق السوداء.
الجدوى مركبة من زراعة الأعلاف
كان من الممكن أن تستخدم نسبة من هذا القطع الأجنبي الذي مول المستوردات لتحفيز وتهيئة زراعة هذه المحاصيل في المساحات المذكورة، وأية نسبة إنتاج محلي، هي أكثر قدرة على تثبيت أسعار الفروج والأعلاف من طريقة تمويل مستوردات التجار، وآثارها أوسع امتداداً من حيث استعادة مساحات زراعية متروكة، وبالتالي نمو وتشغيل. كما أن لهذا أثر في تحويل عوائد قطاع أعلاف الدواجن من عدد قليل من المستوردين، إلى شريحة واسعة من المزارعين، ما يعني إعادة توزيع للدخل وزيادة دخل المزارعين، ما يسمح بتوسيع استثمارهم اللاحق، أو ضمان عدم خروجهم. بالإضافة إلى ضمان مستويات أسعار الأعلاف وعزلها عن التقلبات الحادة لدولار السوق، وما ينجم عن هذا من توسع التربية، واستعادة جزء من الإنتاج في القطاع، وتخفيض كلفه وأسعاره، وهذا يقضي على جدوى تهريب الفروج المبرد من تركيا.
إن إنقاذ قطاع الدواجن قد تكون له العديد من الطرق، كقيام الدولة باستيراد الأعلاف وضبط تسعيرتها، أو تطبيق القرارات المتعلقة بإلزام المستوردين بنسبة عينية من مستورداتهم تعطى للمؤسسة العامة للأعلاف لتبيعها بأسعار أقل وتمنع تطبيق السعر الاحتكاري، وغيرها من الطرق.
إلا أن القطاع يحتاج إلى عملية إنقاذ جدية، على اعتباره واحد من آخر قطاعات الغذاء المستمر إنتاجها محلياً، ولذلك فإن عملية زراعة مساحات بالذرة وفول الصويا، هي العملية الأجدى والتي تحقق مجموعة من الأهداف الاقتصادية المركبة، من توسيع الإنتاج الزراعي، إلى عزل مستلزمات الإنتاج الرئيسية عن المضاربة على قيمة الليرة ورفع سعر صرف الدولار، إلى التشغيل، وتوزيع الدخل لصالح عدد كبير من المزارعين، عوضاً عن قلة قليلة من المستوردين، وكل هذا يؤدي إلى تقوية قيمة الليرة السورية..
لأن حجم الأزمة الاقتصادية السورية، لم يعد يحتمل (حلولاً ترقيعية)، بل يتطلب حلولاً جذرية. فالسياسات الاقتصادية تودي بالقطاعات الإنتاجية واحداً تلو الآخر، لذلك فإن الوصول إلى هذا النوع من الإجراءات لا يمكن أن يتم في ظل سياسات، تفصل القرارات والإجراءات على قياس المستوردين، وتحصر إجراءاتها واستخدامها للقطع الأجنبي الذي يعود للسوريين لتمويل مستوردات القلة القليلة المنتخبة من تجار الفساد.