الاقتصاد الوطني ينزف موارد بشرية بمعدل 2.8% سنوياً
كشفت دراسة حديثة أعدتها هيئة تنمية وترويج الصادرات السورية، أن معدل البطالة بلغ في 2009 نحو 11%، وهو ما رفضه مدير المكتب المركزي للإحصاء مؤكداً أن معدل البطالة في 2009 بلغ 8% فقط، وقال مدير المكتب إن الأرقام الرسمية في سورية تصدر فقط عن المكتب المركزي للإحصاء، مشدداً على أن «أرقام المكتب المركزي للإحصاء ترصد الحقيقة من أقرب نقطة ممكنة» دون تحديد هذه النقطة طبعاً.
وأوضحت الدراسة أن أعداد قوة العمل ارتفعت من 5.1 ملايين شخص عام 2005 إلى 5.7 ملايين شخص عام (2009 تقديري) بمعدل نمو سنوي وسطي 2.8%، وهذا يشير إلى أن الاقتصاد الوطني ينزف موارد بشرية بالمعدل نفسه سنوياً، في حين بلغ وسطي معدل النمو السنوي للمشتغلين (2%) وهو أقل من معدل النمو السكاني الوسطي والبالغ 2.4% للفترة ذاتها الواقعة بين 2005 و2009، وعليه فإن المستقبل يحمل معه المزيد من البطالة جراء زيادة معدل نمو السكان على معدل نمو العمالة (2.4% مقابل 2.8%) مترافقاً مع معدل تشغيل لا يتعدى 2%.
وكانت الخطة الخمسية العاشرة قد وضعت على قائمة أهدافها خفض معدل البطالة من 13% إلى 8% وهو الرقم الذي يريد مدير المكتب المركزي للإحصاء إقناع المراقبين بدقته في هذه الفترة بالذات، موعد تقييم الخطة.
أما معدل البطالة الذي انطلقت الحكومة منه عام 2005 والبالغ 13% فيشير إلى أن اللغط في الأرقام طال حتى الدراسة التي أعدتها هيئة تنمية وترويج الصادرات، إذ أوردت الدراسة أن البطالة ارتفعت من 8.1% عام 2005 إلى 8.4% عام 2007، ولتصل إلى (10%) عام (2009 تقديري). وعليه، إذا تناولنا الرقم 8.1% على أنه 13% سيظهر أن معدلات البطالة ارتفعت (تقديرياً) إلى حدود 16%، وهو ما يقارب الواقع أكثر، خاصةً وأن تقديرات غير رسمية كانت أفادت منذ فترة بأن معدلات البطالة بلغت 20%.
وقد عزت الدراسة ارتفاع معدلات البطالة (وإن اختلفنا على الأرقام) إلى عدة أسباب البطالة الموسمية في القطاع الزراعي، وازدياد الهجرة في العامين الأخيرين من المناطق الشرقية باتجاه المدن والمناطق الداخلية.
كما أظهرت الدراسة أن النمو الاقتصادي في سورية اعتمد على رأس المال أكثر من الاعتماد على الإنتاج المتصل بالعمالة، وهذا يدل على أمرين: الأول تضاؤل فرص تحقيق معدلات نمو حقيقية قادرة على تأمين فرص عمل تساهم في خفض معدلات البطالة، والثاني قصور المهارات الحالية للعمالة المتاحة في سوق العمل عن تلبية متطلبات النمو الاقتصادي المطلوب نتيجة انخفاض الخبرة الناجمة عن التجربة والعمل، وهذا يشير إلى ضرورة جديدة تضاف إلى أجندة الخطة الخمسية الحادية عشرة وهي إيلاء الاهتمام الكافي بتطوير وإعادة تأهيل العمالة.. ورغم هذا ما يزال نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية مقتنعاً بالقدرة على تخفيض معدل البطالة إلى مادون 7% بحلول عام 2015. إن الدراسة الجديدة، وإن كشفت اتجاهاً لدى المكتب المركزي لتكريس واقع رقمي يصب في مصلحة الفريق الاقتصادي في الحكومة، إلاّ أنها أضافت جلبةً فوق جلبة الأرقام المتخبطة التي امتلأت بها سماء الاقتصاد الوطني بين الجهات الرسمية الداخلية والخارجية، وغير الرسمية من جهة أخرى.
ولكن تبقى المشكلة الكبرى التي يعانيها الاقتصاد الوطني والمتمثلة بالبطالة عثرة أمام تطوير البنى الاقتصادية والاجتماعية في البلد ككل، لاسيما وأن الحكومة لم تستطع حتى اليوم تحقيق خرق يذكر على هذا الصعيد، ومن المؤكد أن استمرار اعتماد النهج الليبرالي الداعم للقطاعات الريعية ذات الأرباح السريعة والمرتفعة، سيزيد من معدلات البطالة سنةً بعد سنة، ولذلك فإن الحل يبدو واضحاً وصريحاً، وهو التخلي النهائي عن هذا النهج وإيجاد النهج الخاص بالاقتصاد السوري القادر على انتشاله من مشكلاته المتفاقمة.