د. نزار عبد الله د. نزار عبد الله

المطلوب: مليونا فرصة عمل في الخطة الحادية عشرة!

تمر سورية بحالة حرب على عدة جبهات، معلنة وغير معلنة، يهيئ لها الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتشارك فيها الدول الاستعمارية التقليدية الفرنسية البريطانية، وتتصدى الألمانية بشكل معلن بعد ما كانت تثرثر حول «الصداقة العربية الألمانية التقليدية» من جهة، ومن جهة أخرى الرجعية العربية داخل البلاد وخارجها في قطر والسعودية ولبنان وغيرها، تطالب بفك التحالفات الإستراتيجية بين سورية وقوى حركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق من جهة، وبين سورية وقوى الممانعة مثل إيران من جهة أخرى.

مهمات ملحة

التحضير لاقتصاد الحرب ضرورة، ويكون ذلك بترشيد استخدام الموارد البشرية والاقتصادية، ويعني هذا تعظيم ميزانية الدولة، رفع مستوى المعيشة، تطوير البنية الفوقية من تعليم وتدريب وإدارة، والبنية التحتية من مواصلات وخطوط حديدية ومدن صناعية وغيرها، توفير الطاقة بأسعار مدعومة في متناول المواطنين كافة، وتوفير فرص عمل وفيرة لملايين العاملين، هذه مهمات ملحة جداً لا تحتمل التأجيل، وينبغي رصد نسبة حوالي 5% من الناتج القومي الإجمالي للبحث العلمي، ليكون بوصلتنا في التخطيط والإنتاج والاستثمار، ومن الرشيد أن نخطط لأكثر من نصف قرن. 

يجب رفع التصاعد الضريبي على الأرباح العالية

وصل التصاعد الضريبي لضريبة الدخل بين عامي 1952- 1954 في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 91% على الدخل الذي يتجاوز 0,2 مليون دولار، ووصل من 1/1/1950 حتى 31/5/1953 في ألمانيا إلى 95% للدخل الذي تجاوز 0,25 مليون مارك، وذلك انطلاقا من مبدأ كل شيء لمعركة بناء الدولة والاقتصاد، ووصلت حصة إيرادات ضرائب الدخل من إجمالي الإيرادات إلى 62,8% بين عامي 1912 ـ 1914، ووصلت في بريطانيا إلى 68,2% عام 1913 ـ 1914، وفي فرنسا إلى 47,7% عام 1913، وفي الولايات المتحدة الأمريكية إلى 67,3% عام 1914 ـ 1915.

(المصدر: Handbuch Der Finanzwissenschaft zweiter Band W.Gerloff und F. Neumark-Tuebingen-B R D 1956,s.720)

أما في سورية، فقد وصل التصاعد الضريبي لضريبة الدخل إلى 22,4% عام 2007 وكانت قرابة 25% عام 2004 من إجمالي الأرباح التقديرية، والتصاعد الضريبي ينبغي رفعه على الأرباح العالية والاستثمارات ورؤوس الأموال، كما فعلت وتفعل الدول التي تتعرض للتهديد بالحرب مثل سورية،.بالإضافة إلى ضرورة شد الأحزمة بالنسبة للأثرياء فيما يتعلق بالسلع الكمالية.

التعتيم أحد أساليب الفساد

يعاني المهتمون بالسياسة المالية والباحثون الاقتصاديون في سورية من حجب المعلومات عنهم، فميزانية قطع الحسابات لا تنشر في المجموعات الإحصائية ولا تذكر إلا نادرا في وسائل الإعلام، فمصلحة من يخدم هذا التعتيم؟! هنالك تعليمات مشددة لموظفي المالية بعدم «إفشاء» أية معلومات تحت طائلة المسؤولية! لقد تم الإعلان عن كون الشفافية سمة للسياسة الاقتصادية، فلماذا التحايل، إذا لم يكن تسهيل التهرب الضريبي الذي يقدر البعض حجمه بـ200 مليار ل.س سنوياً؟ ويقدر الآخرون بأن الرقم الحقيقي أضعاف هذا الرقم. التعتيم هو أحد أساليب التغطية على الفساد، فلماذا نجيزه؟  فقد بلغ عدد السكان في سورية 23 مليون نسمة مطلع عام 2011، وبلغ عدد السكان البالغة أعمارهم بين  15- 65 سنة أكثر من 13 مليون نسمة، وعندما نأخذ في الاعتبار عدد الطلاب وعدد الذين يُدفعون للعمل خارج البلد يتبقى 10 مليون نسمة، في حين أن قوة العمل تبلغ حوالي 5 مليون نسمة، بتعبير آخر أن 50% من القادرين على العمل لا يجدون عملاً. وهل هنالك قادرٌ على العمل لا يرغب فيه؟! ينبغي توفير 2 مليون فرصة عمل مستدام خلال الخطة الخمسية الحادية عشرة، وأكثر منها خلال الخطة الخمسية الثانية عشرة، وهذا ممكن عندما نستثمر حول 7000 مليار ل.س، ونحصل عليها عبر تطوير النظام الضريبي، فنعيد التصاعد الضريبي على الأرباح حتى 63%، وننفذه فعليا دون السماح بالتهرب الضريبي، ونعيد بناء الجدار الجمركي، فتعود صناعاتنا لتقف على رجليها، ونحصل على عائدات طيبة من الرسوم الجمركية، ونصلح القطاع العام، وننقل جميع مصانعه إلى المدن الصناعية القائمة، والتي ستشاد خلال هذه الخطة بعد أن نجدد وسائل الإنتاج فيه، ونفتح له وللقطاع الخاص الأسواق الخارجية في الدول النامية الأخرى، ومع الصين وروسيا والهند، ونتوقف عن استيراد السلع الاستهلاكية من الغرب الاستعماري، ونتجه في استيرادنا للسلع الاستثمارية من دول متطورة أخرى مثل روسيا والصين والهند وإيران وغيرها. 

لنطور صناعتنا الوطنية

لنشترِ الطائرات المدنية من روسيا مثلا، ونصرف النظر عن الطائرات الغربية التي يبتزنا الغرب عبرها، فيمتنع عن بيعنا قطع غيار لطائرات اشتريناها منه منذ سنين طويلة. لنطور صناعتنا الوطنية فنصنع ما يمكن من خطوط حديدية وقاطرات بالتعاون مع بلدان عربية أخرى مثل مصر وغيرها، لنشيِّد شبكة من الخطوط الحديدية المكهربة والسريعة بطول 3000 كم ونستورد القاطرات والمستلزمات الإلكترونية من الصين والهند وروسيا مثلاً، ولتربط هذه الشبكة البلاد من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وتربط جميع المدن القديمة والجديدة التي سنشيدها الصناعية والسكنية بها، عوضاً عن مشاريع الطرق السريعة التي حضَّر لها الفريق الاقتصادي المُقال ليتولى القطاع الخاص قطف ثمارها ثم بيعها لرؤوس الأموال الأجنبية الغربية بالدرجة الأولى، لينتقص بذلك من سيادتنا على أرضنا، فالبنية التحتية هي أرضنا المقدسة التي لا يجوز أن نُملِّكها لغيرنا، بل تظل تحت سيادة الدولة دوماً.

خطة لإيقاف استيراد المازوت

عندما نشيِّد شبكة الخطوط الحديدية السريعة حوالي 400 - 500 كم/ساعة، ندخل القرن الحادي والعشرين بقوة، ونحفز الأقطار العربية الأخرى لتحذو حذونا، هذا سيوفر التواصل الاجتماعي والاقتصادي ويحقق اللُّحمة والتماسك ويخفض كلفة النقل والإنتاج، ويمكن للمرء مثلا أن يسكن في تدمر ويعمل في حلب أو دمشق أو اللاذقية، حيث تمشي القطارات الحديثة على وسادة مغناطيسية فلا يهتز القطار أثناء سيره ولا يصدر ضجيجا، وعندما نحول جميع المركبات لتعمل على الغاز يتراجع الطلب على المازوت بشكل كبير، فلا نصبح بحاجة إلى استيراده، وتخفض كلفة النقل، لأن الغاز زهيد الثمن، ويصبح الهواء أكثر نظافة لأن الغاز أقل تلويثا من المازوت بكثير، ومنذ عقود والأمم المتحدة تدفع دعماً لمن يتحول من المشتقات النفطية إلى الغاز، ولكن في سورية الأمر ممنوع، ولماذا؟! لا نعرف!

الأجور منخفضة جداً

مستوى الأجور منخفض جداً، والحد الأدنى للمعيشة قدر بـ25 ألف ل.س شهرياً منذ عدة سنوات، ويقدر في مطلع عام 2011 بـ50 ألف ل.س، مع العلم أن أعلى راتب في الدولة سقفه 38 ألف ل.س بالنسبة للراتب الأساسي، فرفع الأجور بنسبة تزيد على 30% منذ فترة وجيزة كانت خطوة على الطريق الصحيح، ينبغي أن تتلوها خطوات كل ستة أشهر مثلاً، برفع الرواتب والأجور في القطاع الخاص قبل العام، لأن غالبية قوة العمل تعمل في القطاع الخاص، وليس من الطبيعي أن يكون مستوى الأجور في بلدنا أخفض من مثيله في الأقطار المجاورة.

الطلب المحلي ضعيف بسبب تدني الأجور، وتبين لأصحاب القرار في الدول الرأسمالية منذ قرابة قرن أن رفع الأجور ضروري للدورة الاقتصادية كي يحصل الرأسماليون على أعظم الأرباح، وإذا لم يفعلوا ذلك فسيحل الكساد الاقتصادي. إذاً فإن رفع مستوى الأجور له كلفة من ناحية، ويقابله ارتفاع في إنتاجية العمل تفوقه بكثير، مع تطبيق علوم الإدارة الاقتصادية على الواقع، وتحديث وسائل الإنتاج. 

قوى الإنتاج مشلولة

تم شل قوى الإنتاج في القطاعين العام والخاص بآليات مختلفة شتى، استشرى الفساد والخوات على المستثمرين، ووضعت العصي في دولاب الاستثمار والإنتاج في القطاع العام، ومنع من تجديد وسائل الإنتاج فيه، وخُصخِص قسم منه تحت ذرائع ومسميات شتى، مثل الشراكة مع القطاع الخاص، والتي كانت زواجا بالإكراه، وحتى الخدمات الرياضية لم تسلم من النهب عبر تقديمها لقمة سائغة للمتعهدين، وأصبح مثلا رسم دخول المسبح 150 ل.س في مسبح قاسيون – مساكن برزة جبل، و700 ل.س مسبح نادي بردى! أسعار تضاهي مثيلاتها في الدول الاستعمارية الغربية، ولا يستطيع المواطن العادي ارتيادها، علماً أن السباحة صحة نفسية وجسدية وليست خدمة كمالية مثلها مثل باقي أنواع الرياضة وقد تكون هي الرياضة المناسبة لكل الأعمار، فحوصر المواطن في كيفية إمضاء وقت فراغه، فماذا يفعل؟ يقضي الرشاد إلغاء جميع تلك التعهدات وأن يديرها الاتحاد الرياضي بسعر الكلفة وليكن 10 ل س/ساعة، وأسعار المسابح في الدول الصناعية زهيدة جداً مقارنة بالدخل، وتتراوح بين 1- 3 يورو فقط. 

ينبغي دعم الصناعة

ينبغي دعم الصناعة في القطاع العام والخاص بتوفير المدن الصناعية المجهزة بجميع خدمات البنية التحتية المدعومة من كهرباء وماء وصرف صحي وربط مع شبكة الخطوط الحديدية.. الخ. وخدمات البنية الفوقية من إدارة ومصارف وتخليص جمركي وبريد ومستوصف وإطفائية... الخ. وتوزعها على جميع مساحة سورية على أراضي أملاك الدولة غير الصالحة للزراعة، وخارج الغابات والمناطق الأثرية.. الخ.

لنجعل المصانع تعمل 4 ورديات كل منها تعمل 6 ساعات في الإنتاج وساعتين في التأهيل والتدريب يوميا.نستطيع بذلك تشغيل 4 أضعاف اليد العاملة في  المصنع نفسه  فيما لو شغلنا المصانع وردية واحدة فقط، لنُعِدَّ لنهضة صناعية، فالصناعة هي القطاع الاقتصادي الواعد بتشغيل أكبر عدد ممكن من العمال والفنيين والمختصين في فروع علمية شتى، يأتي بعده اقتصاد المعرفة، خاصة اقتصاد الثقافة. ليكن حجم الدعم كبيراً بحجم المشاكل الناشئة عن تشوه السوق بسبب الاحتكارات، وغيرها من الأسباب حول 1000 مليار ل.س خلال فترة الخطة لدعم الإنتاج والاستهلاك.

مشكلة بالسكن النظامي

يعاني الكثير من المواطنين الذين يحصلون على أجر، أو الذين يعملون عند الآخرين دون أجر، من مشكلة عدم الحصول على السكن الصحي النظامي، ويُتوقع أن يبلغ عدد طالبي المساكن الجديدة حوالي ربع مليون مسكن ويزيد كل عام، فكل من ينوي الزواج يخطط للحصول على سكن مستقل، وقد بلغ عدد عقود الزواج 0,37 مليون عام 2007، وهذه الأعداد في ارتفاع مستمر مع الزمن مع الزيادة السكانية.

ينبغي التخطيط لفرص العمل والسكن والنقل في آن واحد، كأن نبني مدناً صناعية ومدناً سكنية رديفة، ونخطط لشبكة خطوط حديدية مكهربة عصرية. جميع ذلك موزع على كامل مساحة سورية الجغرافية. ومن الرشيد أن نبني 25 مدينة جديدة صناعية و25 مدينة سكنية رديفة. إذا انطلقنا من أن الحجم الأمثل للمدينة السكنية هو 0,25 مليون نسمة مثلاً، وأن الزيادة السكانية ستكون حوالي 2,5 مليون نسمة خلال فترة الخطة، نكون بذلك قد بنينا 1,5 مليون مسكن جديد يضم 7,5 مليون نسمة، ووفرنا فرص عمل كثيرة بتشييد هذه المدن الجديدة الصناعية والسكنية، ونتابع ذلك في الخطط التالية، فنبني لكل مشتغل بيتاً. 

موارد لتمويل التنمية

ثمة موارد عديدة لتمويل التنمية، مثل ضريبة الدخل على الأرباح والرسوم الجمركية وضريبة الإنفاق الكمالي مثل مواد الزينة والحلي والجواهر والكحول والدخان والأثاث الفاخر.. الخ ودون المساس بسلع الاستهلاك الشعبي، وضريبة سنوية على السيارات السياحية وأرباح القطاع العام التي تتعاظم مع إصلاحه الفعلي، ناهيك عن القروض الداخلية، وعند الضرورة فقط، قروضاً خارجية من دول صديقة، وبشروط مقبولة. 

جدول الموارد لتمويل الخطة الخمسية الحادية عشرة

البنود

الإيرادات

مليار ل س

ضريبة الدخل على أرباح القطاع العام والخاص

3500

الجمارك

500

ضريبة الإنفاق الكمالي

500

أرباح القطاع العام

2000

قروض داخلية

1000

قروض خارجية

1000

ضريبة على السيارات السياحية

500 

جدول توزيع الإنفاق الاستثماري في الخطة ) مليار ل س(

البحث العلمي

200

الزراعة

1000

الصناعة

1500

النقل (خطوط حديدية + طائرات)

200 + 200

التعليم

500

الثقافة

500

التشييد 25 مدينة سكنية + 25 م. صناعية

1000 + 150

الدعم

1500 

إن موارد سورية وفيرة جداً، وأهمها العنصر البشري النشيط وسريع التعلم، لكن السياسة الاقتصادية تبدد مواردنا حتى الآن، لنتولَّ ترشيد التخطيط والإنتاج والاستثمار، معتمدين على العقول العربية، واليد الفنية الماهرة، وقوة العمل العربية التي تضاهي غيرها، عندما نوفر لها التأهيل الملائم، وندفع لها الأجر العادل الذي يوفر لها ولأسرها الحياة الكريمة. ولنبعد الخبراء الغربيين من حيث أتوا، ونعتمد على عقولنا وسواعدنا ومهاراتنا الذاتية.