رغم تقييم سيولة المصارف بالـ«جيدة».. المالية والمركزي يطالبون بوقف منح القروض
تؤكد التصريحات الحكومية مراراً بأن السيولة في المصارف السورية لم تتأثر، وعلى الرغم من أن أي مراقب للوضع يستطيع الاستنتاج بأن السيولة تحديداً في المصارف عرضة للاهتزاز مع الأزمات، وتحديداً أزمات مفتوحة على احتمالات خطيرة كالأزمة السورية. لم تنفع تطمينات المركزي، في منع السحوبات الكبيرة من المصارف، وهو نتيجة طبيعية للظرف الحالي، إلا أن المصرف والجهات المالية في سورية لطالما كانت بعيدة عن الموضوعية في تصريحاتها وهو عامل تضليل يهدد السيولة المودعة في المصارف، فصدور التأكيدات على استقرار الوضع المالي، يعقبها أو يرافقها قرارات بمنع المصارف الحكومية من الإقراض بكافة أشكاله، لتستثنى مصارف ثم تعود لتشمل في المنع، تتضارب الاقوال بين التصريح بتعميم القرار، وبين ظروف كل مصرف من المصارف الحكومية واستمرار بعضها بالإقراض، وتزويد بعضها بموارد مخصصة للإقراض، ويبقى التناقض سيد الموقف في هذا القطاع الحساس الذي يتطب شفافية بالتعامل، ولينتج عن ذلك تجارب مريرة للسوريين مع المصارف الحكومية التي تخصص لها اعتمادات كبرى، والتي نالت ثقة السوريين طوال عقود، وهو ما يفسر أيضاً أرباح بعض المصارف الخاصة خلال الأزمة.
طلبت وزارة المالية من كافة مديري المصارف العامة، العمل برأي مصرف سورية المركزي الوارد في كتاب رئاسة مجلس الوزراء رقم 7989 تاريخ 10/6/2012 المتضمن وقف القروض بكافة أشكالها لدى المصارف العامة، على أن يسري هذا الوقف على القروض الجديدة، ويستمر العمل بالتسهيلات الائتمانية القائمة أو تلك التي تم صرف جزء منها.
إيقاف القروض العقاري
«استراحة محارب»
بينما طلبت وزارة المالية السورية مؤخراً من المصرف العقاري المنفرد بمنح القروض، التوقف عن منح القروض الجديدة بكافة أشكالها ومن ضمنها قروض المكتتبين بمساكن لدى المؤسسة العامة للإسكان، وذلك بعد أن توقفت المصارف السورية بشقيها العام والخاص عن منح القروض بمختلف أنواعها وإشكالها باستثناء المصرف العقاري السوري.
ومن جانبه بين مدير عام المصرف العقاري الدكتور عابد فضلية إن»المصرف العقاري من المصارف القليلة المستمر بمنح قروض ذات قاعدة شعبية وبعد اجتماعي حتى فترة قريبة جداً، حيث تريثنا لإعادة الحسابات وبعض أنواع القروض، وهي لا تتعدى كونها استراحة محارب».
ولفت فضلية إلى أن «وضع البنوك متباين من حيث السيولة والأداء، لكن بشكل عام يعتبر وضع السيولة في المصارف العامة جيد جداً بالنسبة للوضع الحالي، رغم تعثر وتأخر تسديد أقساط القروض بنسبة أكثر من الوسط في عام 2011- 2012».
وتابع الدكتور فضلية إن «كافة البنوك العامة والخاصة رشدت عملية الإقراض وضبطتها بشكل أكبر من السابق لمواجهة المشاكل، وهو وضع طبيعي في ظل عدم التأكد وارتفاع نسبة المخاطرة بسبب تدني مستوى الدخل وبطئ العملية الاقتصادية بعد شهور طويلة من الأزمة».
وتقدم المصرف العقاري إلى وزارة المالية بمجموعة من المقترحات من وزارة المالية، تضمنت تسديد الباقي المستحق (غير المدفوع) من رأس مال المصرف والبالغ 5.938 مليارات ليرة سورية، ليكتمل رأس المال الاسمي إلى 10 مليارات ليرة.
وتأتي هذه المقترحات على أمل أن تتم إعادة النظر في كل نوع من أنواع القروض، انطلاقاً من أن المنع المطلق غير محبب دائماً بكل أشكاله ويجب التمييز بين قرض وآخر ودراسة طبيعة القرض المالية والاجتماعية من حيث السيولة والأثر الاجتماعي ولاسيما أن المصرف العقاري ليس مقرضا ماليا فقط وإنما لديه وظيفة اقتصادية من واجبه القيام بها.
254 مليار ليرة حجم القروض المتعثرة بداية العام
وقدر مصرفيون في بداية العام الحالي نسبة القروض المتعثرة في المصارف السورية، بما لا يقل عن 10% من إجمالي قروض البنوك الخاصة، أي ما يناهز 254 مليار ليرة، حيث طلب عدد متزايد من الشركات المقترضة توقيع اتفاقات لإعادة هيكلة طويلة المدى لديونها لمدة خمس سنوات، بعدما أدت الاضطرابات إلى عجزها عن سداد ديونها.
وكانت قيمة أصول البنوك السورية الخاصة والحكومية تقدر قبل الأحداث بتريليوني ليرة (43 مليار دولار)، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بحجم الأصول البنكية بدول مجاورة، وتستحوذ البنوك الحكومية الأربعة على الحصة الأكبر من القطاع المصرفي.
المركزي راقب ودفع لاتخاذ القرار
وحسب معلومات من وزارة المالية فإن انخفاض السيولة في فترة سابقة دفع لاتخاذ قرار وقف منح القروض، لكن تحسن وضعها فتح المجال أمام منح بعض القروض الصناعية والقروض الضرورية مثل مصرف التوفير الذي يمنح قروض شخصية لذوي الدخل المحدود من مدنيين وعسكريين، أما المصرف العقاري فقد لاحظ المصرف المركزي باعتباره مراقباً للسيولة النقدية انخفاضاً في نسبة السيولة لديه، وبالتالي ضرورة التريث في منح القروض، حيث تحوي القروض الصناعية والتنموية على نسبة عالية من المخاطر بسبب فترة السماح
ويرى اقتصاديون متابعون أن القرار المفروض من المصرف المركزي بوقف قروض العقاري يعد الأكثر ضرراً على المصرف، لأن عدم التشغيل يعني الالتزام بدفع الفوائد الدائنة للآخرين دون إيرادات مع سد كل أقنية التشغيل الخاصة بالمصرف.
في الوقت الذي يعود توقف المصرف الصناعي عن منح القروض إلى وضع سيولة المصرف التي تبلغ مادون 30%، وبالتالي فإن منح أي قرض يعتبر مخالفاً للقوانين والأنظمة.
القطاع المصرفي قوي وسيولته مرتفعة!!
لم تصب الأزمة الحالية مصارف القطاع الخاص كما أصابت سيولة الدولة، إلا أنها على الرغم من أرباحها غير قادرة على المساهمة في حلول اقتصادية اجتماعية مطلوبة في الوضع الراهن، وقد ساعدها على حماية مواقعها انها حديثة العهد في ممارسة نشاطها في السوق السورية، لذلك لا تزال حذرة في توسيع نشاطاتها ضمن هذه السوق،وهو ما أعطى استثماراتها وتوسعها معدلات متباطئة، ساعدت على احتفاظها بالسيولة، كما أن المصارف السورية تحوطت من أي مخاطر قبل الأزمة، حيث كانت تقتطع احتياطي للسيولة مقداره 10% إضافة لاحتياطات الديون المشكوك بتحصيلها.كما أن نسبة السيولة لدى المصارف الخاصة ليست فقط ضمن حدودها القانونية التي حددها مصرف سورية المركزي بنسبة لا تقل عن 30% بكل العملات، لكن نسبتها الفعلية تفوق ذلك بكثير في معظم المصارف الخاصة.