فقط في سورية ثروة الزيتون تتحول إلى عبء

سحبت الدولة صفة المحصول الاستراتيجي عن كثير من المحاصيل السورية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ولم تضف إلى مجموعة المنتجات الزراعية الاستراتيجية السورية أي منتج جديد، ولم تغير في السياسة الزراعية على الرغم من تغيرات كثيرة طرأت على الزراعة السورية. الزيتون كإحدى أهم الأشجار المثمرة، والتي شهدت زيادة كبيرة من حيث المساحة وعدد الأشجار وكميات الإنتاج، بقيت طوال مدة تطورها خارج إطار اهتمام الدولة ومتروكة لفوضى السوق المحلية، حيث أتى تطور هذا المنتج خلال العقدين الماضيين أي في الوقت الذي بدأت فيه الدولة السورية بسحب امتيازات تدخلها، وترسخ « الإهمال الممنهج» الذي أفقد الدولة أي دور فعال وضابط.

أنذرت أرقام التوسع بفائض إنتاجي وثروة ممكنة، في زيت الزيتون، أقل ما احتاجت إليه هو خطة زراعية سنوية قائمة على رقم إحصائي دقيق وواقعي، وأكثر ما تحتاجه هو تشكيل مؤسسات تنظم العمل بين مراحل سلسة الإنتاج والتصنيع والتوزيع.

الثروة المتزايدة

السنة

المساحة

عدد الأشجار

 

إنتاج الزيت/ ألف طن

إنتاج زيتون المائدة/

ألف طن

المجموع

المثمرة

2000

478 ألف هكتار

64 مليون

40 مليون

165

134

2010

674 ألف هكتار

96 مليون

73 مليون

194

172

• من أرقام المجموعة الإحصائية

إذا يبدو من الواضح أن الاتجاه العام لإنتاج زيت الزيتون في سورية خلال الأعوام العشرة الماضية اتجه نحو التوسع والنمو، وبمعدل متسارع، إلا أن هذا لم يترافق مع توسع في الاستهلاك المحلي للمادة حيث بقيت معدلات نمو الاستهلاك أقل قدرة على مواكبة الزيادة في الإنتاج. 

الفائض ثروة مهدورة

وعامل ضغط على المزارعين والمستهلكين

الفائض الإنتاجي

تظهر بشكل واضح خلال الأعوام الثلاثة الماضية ظاهرة تراكم كميات من الزيت المنتج وعدم تسويقها، حيث تحول إنتاج زيت الزيتون في كثير من المناطق إلى عبء والسبب الأساسي هو انخفاض المردودية والعائدية  للمزارعين، المترافقة مع صعوبات في تسويق المنتج. فارتفاع كلف الإنتاج بشكل كبير : اليد العاملة، الأسمدة بشكل أساسي، ترافقت مع ارتفاع أسعار البيع للمستهلك.  وعلى الرغم من ذلك بقي الزيت المنتج خلال موسمين ماضيين يتراكم حتى اليوم في بعض المناطق، مشكلاً عبئاً على المزارعين.

أي أن فائض العرض من مادة زيت الزيتون لا يقابله طلب محلي مكافئ. حيث بلغ إنتاج العامين الماضيين على مستوى سورية 150 – 180  ألف طن زيت، بينما يقدر استهلاك سورية من زيت الزيتون بحوالي 120 الف طن. ليبقى الفائض المتاح يتراوح بين 30 ألف طن – 60 ألف طن.

الفائض وتأثيراته السلبية على السعر

يكمن دور الدولة ومؤسساتها مابين كون الفائض ثروة وما بين تحوله إلى عبء ، فالفائض غير المسوق نتيجة غياب منافذ الاستهلاك البديل محلياً وعالمياً، يتحول إلى عبء على المزارعين من جهة وعلى المستهلكين من جهة أخرى.

أسعار المنتجين: يخفض فائض العرض ، أسعار بيع المنتجين إلى السوق المحلية وهو ما ظهر خلال الأعوام الثلاثة الماضية تحديداً، حيث تراجع سعر بيع المزارعين للكغ من 200 – 145 ل.س/كغ . وتشير بعض المعلومات المحلية من المعاصر عن بيع الكغ في هذا العام بمبالغ وصلت إلى 135 ليرة. 

أسعار المستهلكين: بالمقابل فإن أسعار الزيت للمستهلكين بقيت في ارتفاع بالرقم المطلق، وارتفاع كبير بالنسبة لتراجع مستوى الدخل. حيث تشير أرقام المجموعة الإحصائية الرسمية حول سعر البيع للمستهلك في المحافظات المختلفة إلى:

 عام 2010 :   198 – 233 ل.س / كغ  . بينما الوسطي : 224ل.س/ كغ. والسعر الأعلى في محافظة الحسكة.

 بينما كأنت الأسعار في عام 2005 :151 -190 ل.س / كغ.

مع الإشارة إلى أن أسعار البيع في محافظة دمشق وصلت في عام 2011 إلى 300 -335 ل/كغ وذلك من تجار الجملة والمفرق. لتبقى مؤشرات الواقع تدل على اختلاف كبير بين الرقم الرسمي والرقم على أرض الواقع تحديداً بما يتعلق بأسعار السوق للمستهلك المباشر. إذاً ارتفاع أسعار المستهلك يعد العامل الأساسي في ضعف قدرة السوق المحلية على استيعاب فائض الإنتاج.

حسبة بسيطة: متوسط عدد أفراد الأسرة السورية 5 أشخاص، باعتبار متوسط استهلاك الفرد 10 كغ سنوياً ( وهو المتوسط في الدول المنتجة) فإن استهلاك الأسرة البالغ  50 كغ يكلف بالحد الأدنى 10000ليرة سورية ، وبالحد الأعلى 11750ل.س ، ويشكل نسبة حوالي 7 % من متوسط الدخل السنوي للأسرة السورية. وهو رقم لا يتناسب مع استهلاك سلعة واحدة، وهي من السلع المنتجة محلياً والفائضة بإنتاجها عن متوسط الاستهلاك. يلجأ جزء هام من الأسر السورية إلى التزود بالزيت من المنتجين مباشرة في محاولة لتخفيف هامش ربح تجار الجملة، إلا أن الأرقام تشير إلى دور كبير للتجار في السوق على الرغم من انتشار ظاهرة البيع المباشر. فبعد أن يقتطع المزارعين الاستهلاك المنزلي المقدر بـ 10 % بالمتوسط، و15 % في المزارع الصغرى ، يوزع المزارعون الزيت المنتج بالنسب التالية على السوق: البيع للمستهلكين مباشرة: 28 % ـ لتجار الجملة: 53 % ـ لتجار المفرق 4،8 %. أي أن تجار الجملة يلعبون دوراً رئيسياً في تحديد أسعار الزيت بتشكيلهم حلقة التخزين الرئيسية، مما يمكنهم من تحديد سعر البيع للمنتج وللمستهلك.

 ينذر الموسم الحالي بأوضاعه الاستثنائية، بتراجع تسويق منتجات أهم المحافظات المنتجة (حلب وإدلب) وتراجع الإنتاج، وهذا قد لا ينعكس بالضرورة ارتفاعاً في أسعار البيع لدى المزارعين لأن السوق السورية تعأني من انخفاض في الطلب على المستوى الكلي، نتيجة تراجع الأوضاع المعيشية وتراجع حركة التجارة والتبادل بين المحافظات لصعوبة النقل.

التفاوت المناطقي في كميات الاستهلاك

الأرقام الرسمية التي تشير إلى متوسط استهلاك على مستوى سورية 120 ألف طن ، يدل على أن متوسط استهلاك الفرد (باعتبار عدد السكان 23 مليون) : 0،005 كغ أي حوالي 5 غ سنوياً، وهو رقم وسطي يعبر عن التفاوت الكبير في ثقافة استهلاك زيت الزيتون بين المناطق السورية.

 حيث أن استهلاك المناطق الساحلية أكبر بكثير من استهلاك المناطق الشرقية، ففي طرطوس مثلا يبلغ الاستهلاك الوسطي 18 – 21 كغ للفرد سنوياً،  بينما لا يتجاوز الاستهلاك في المناطق الشرقية 1 كغ. أما متوسط استهلاك الفرد في الدول المنتجة هو 10 - 11 كغ خلال العام. أي أن السوق السورية الداخلية غير مشبعة بمجملها.

بالمقابل فإن الزيوت النباتية الأخرى المستوردة، تشكل نسبة كبيرة من الاستهلاك المحلي، على الرغم من أن أسعارها في العامين الأخيرين ارتفعت ليزيد سعر الكغ من زيت الصويا، وزيت الذرة عن سعر الكغ من زيت الزيتون. ويعود استهلاكها الكبير إلى استخدامها في عملية القلي، نظراً لأن زيت الزيتون يصدر الكثير من الدخان عند تعرضه للحرارة، إلا أن المعلومات الصحية تشير إلى أن الكمية نفسها من زيت الزيتون قابلة للاستخدام المتكرر( 11 مرة) في عملية القلي، على العكس من الزيت النباتي الذي يصبح غير قابل للاستخدام بعد استعماله المتكرر.

بالتالي ضعف قدرة السوق المحلية على استيعاب الفائض ناتج عن ارتفاع أسعار الزيت بالنسبة للدخل الوسطي في سورية، وناتج عن اختلاف العادات الاستهلاكية بين المناطق السورية، وبالتالي يمكن توسيع السوق المحلية عن طريق:

تخفيض أسعار البيع للمستهلك لتتناسب مع مستوى الدخل.

توسيع عمليات التسويق والبيع للوصول إلى معدل استهلاك للفرد متقارب في كافة المحافظات، ويتناسب مع الأهمية الصحية لزيت الزيتون.

تخفيض الكميات المستوردة من أنواع الزيت النباتي الأخرى، ومعالجة زيت الزيتون لتجنب عيوب استهلاكه في عملية القلي.

تصدير الفائض

طرحت الدراسات الزراعية أهمية تركيز الخطط الزراعية على عملية تصدير فائض زيت الزيتون، وهي العملية التي تطرح نوعية الزيت السوري وبعده عن المواصفات العالمية مطرح البحث. يعتبر أغلب زيت الزيتون السوري من الأنواع المتدنية والمتقاربة مع مستوى إنتاج دول حوض المتوسط الجنوبية، مع فارق كبير في السعر حيث يرتفع سعر الزيت السوري عن باقي الدول بمقدار 1،3 دولار/ كغ وهو الفرق بين أسعار التصدير.

وانخفاض النوعية يعود إلى جملة من العوامل في كل مراحل الإنتاج من عملية القطاف إلى التجميع، العصر والتخزين. حيث تحدد كيفية القيام بكل هذه العمليات نوعية الزيت المنتج.

مشكلات النوعية:

طابع الإنتاج السوري يقوم على الكمية لا النوعية، وهو النتيجة الطبيعية لزراعة نمت وتطورت بعيداً عن أي عملية إدارة وبغياب كامل تقريباً لدور المؤسسات في عملية الربط بين سلاسل الإنتاج.

الثمار المقطوفة جيدة جداً حيث تعتمد على طريقة القطاف اليدوية، ويطبق عدد كبير من المزارعين السوريين نظام المكافحة المتكاملة، لكن نظام تخزين الثمار في المزرعة سيئ، حيث أغلب المزارعين السوريين لا يقومون بالتخزين بالطريقة الصحيحة. بالإضافة إلى طرق تخزين الزيت في المعاصر ولدى التجار التي تتأثر بظروف التصنيع، الحرارة والتهوية، والنظافة.

هذه العوامل هي مجموعة متكاملة مترابطة في سلسة الإنتاج ولها عوامل موضوعية تتعلق بغياب العامل المحفز،حيث لا يجد المزارع الذي أصبح يبيع بسعر قريب من سعر التكلفة حافزاً يدفعه إلى رفع تكاليفه على شروط تخزين أفضل للثمار واعتماد التعبئة في البلاستيك المفرغ عوضاً عن أكياس الخيش الكبيرة، كما يساهم في تردي النوعية قلة عدد المعاصر وطاقات استيعابها بالقياس إلى الكميات الكبيرة من الثمار الواردة إلى كل معصرة في موسم القطاف، وهو ما يسبب تراكم الثمار وتجميعها لأوقات أطول وبطرق غير مثالية، وكل هذا يؤثر على نوعية الزيت المنتج. ويضاف إلى ذلك حجم مخازن تجار الجملة الصغيرة وسيئة التهوية.  حيث يخزن أغلب الزيت في المعاصر ولدى التجار في أوعية بلاستيكية أو في صفائح معدنية وهو ما يعرض الزيت لمشكلات كثيرة مثل ارتفاع نسبة الحموضة وكثرة الشوائب، بينما يقتضي تحسين النوعية التخزين في خزانات ستاليستيل.

لا يملك الزيت السوري في ظروفه الحالية أي فرصة للتسويق الخارجي، وعلى الرغم من أن كل التوجهات كأنت تبحث عن منفذ لبيع الزيت السوري في أسواق الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذه التوجهات لم تتعد ورشات عمل وتوجيهات إدارية ونفقات مصروفة على كتيبات إرشادية وأبحاث، ولم تتطرق جميعها إلى العامل الأساسي الغائب وهو دور الدولة في تشكيل أو تطوير المؤسسات التي تربط بين عناصر سلسة الإنتاج والتوزيع..فإذا لم تستطع الدولة ومؤسساتها فتح منافذ للتصدير فإنها لن تستطيع أن تشترط أو تطلب التزامات من المنتجين بدفع تكاليف إضافية لتسويق منتجهم وتحسين نوعيته، وسيستمر الفائض بالتراكم ما قد يحمل نتائج سلبية تصل إلى توسع إهمال الأشجار وعدم تخديم الأراضي المزروعة بالزيتون وهدر هذه الثروة المتراكمة حالياً.