حسبة بسيطة القمح السوري.. تجربة وإمكانيات

وردت في إحدى الجرائد الرسمية معلومات عن تجربة لزراعة القمح بإنتاجية أعلى في منطقة الغاب في محافظة حماة. حيث أعلنت الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب، عن زراعة 50 حقلاً إرشادياً بمحصول القمح «باستخدام تقنيات عالية وأساليب حديثة تقدمها الخبرات والكوادر الزراعية المتخصصة في الزراعات العضوية الموجودة لديها وهذه الخبرات تعمل على تدريب أعداد من المزارعين على الأسس والأساليب الزراعية التي من شأنها أن تزيد الإنتاج كماً ونوعاً بنسبة متميزة»

ذكر المدير العام للهيئة المهندس غازي العزي أن «الهيئة استكملت الإجراءات اللازمة قبل أسابيع مع بدء موسم زراعة الحقول بمحصول القمح وفق الأسس العلمية الحديثة من أجل انتاج وفير ومتميز تفوق كميته في المساحات الزراعية المفتوحة مثيلها في حقول التجربة بحيث تصل كمية الإنتاج في وحدة المساحة المحددة بدونم واحد إلى ما يتراوح بين 700-800 كغ».

ذكر أن الإنتاج المذكور قائم على تجربة سابقة تمت ضمن  10 حقول مساحة كل منها 5 دونمات لينتج عن 20 كغ بذار في الدونم حوالي 800 كغ قمح. وهذا الإنتاج يعتبر غير مسبوق أقله خلال العشر سنوات الماضية.

تم بحسب المهندس غازي العزي تعميم التجربة، بزراعة 50 حقلاً إرشادياً لهذا الموسم طبقت فيها كل التقنيات التي استخدمت في التجربة السابقة بما يتماشى والمعايير العلمية والعملية السليمة.

إمكانيات كامنة وسيناريوهات

توضح هذه التجربة إمكانيات زيادة إنتاجية زراعة القمح في وحدة المساحة، حيث بالمقارنة مع بيانات زراعة القمح من محافظة حماة، وتحديداً بيانات مناطق الاستقرار الزراعي الأولى التي تعتبر منطقة الغاب من ضمنها. يتضح أن غلة حقول القطاع التعاوني قد بلغت في عام 2010 حوالي 3000 (كغ/هـ)، أما في الدونم فهي عبارة عن 300 (كغ/الدونم).

بالتالي فإن الغلة الإنتاجية وفق التجربة ( 800 كغ/دونم) تزداد بمعدل: 166%.

لم يوضح الإعلان الصحفي عن نتائج التجربة، الطرق الإنتاجية الفنية التي تم من خلالها زيادة الغلة الإنتاجية بحدود تصل 166%، إلا أنها تدل على أن تعاوناً جدياً من الوحدات الإرشادية والمختصين الزراعيين، بإدخال عوامل إنتاج إضافية تعتمد على التقنيات المتطورة سواء في مجال طرق الري، أونوعية البذار، أوآليات الزراعة والحصاد وكافة مراحل العملية الإنتاجية، كافية لرفع الإنتاجية بهذه النسبة.

تحرض التجربة ونتائجها على إجراء بعض «المقاربات» للحدود التي يمكن أن يصل إليها الإنتاج في حال توسيع دائرة التجربة.

وسنضع سيناريوهات لتوسيع الإنتاج وفق «الإنتاجية الجديدة» أخذين بعين الاعتبار تطبيق التجربة في شروط قريبة من الحالة المعلنة، وقائمة على تقديرات الظروف المحلية من جهة أخرى والذي يقتضي أخذ جانبين:

التقدير بناء على مساحات القطاع التعاوني فقط بالحد الأدنى، وعلى مناطق الاستقرار الزراعي الأولى فقط، وذلك في ثلاث محافظات اختيرت بناء على مساحات جيدة للقطاع التعاوني فيها، وتوفر معلومات عن زراعة مساحات القمح المخططة وتوزيع البذار فيها، بشكل قريب من المخطط تقريباً في هذا العام. مع العلم أن هذه المساحات لا تشكل سوى 5% من مساحات زراعة القمح في سورية معتمدين على عام 2010.

السيناريوالأول زيادة الإنتاجية بمعدل 166% في مساحات مناطق الاستقرار الزراعي الأولى في محافظة حماة.

حماة / مساحات القطاع التعاوني/ استقرار أولى:

زيادة بمقدار 190 ألف طن، وإنتاج متوقع 314 ألف طن.

السيناريوالثاني تطبيق التحسين الإنتاجي في محافظة طرطوس والتي تعتبر جميع أراضيها من مناطق الاستقرار الزراعي الأولى حيث تبلغ الغلة 555(كغ/دونم).

طرطوس/ مساحات القطاع التعاوني/ استقرار أولى:

زيادة بمقدار 21 ألف طن، وإنتاج متوقع 34 ألف طن.

السيناريوالثالث محافظة درعا حيث لا توجد فوارق كبيرة في غلة المروي والبعلي، فتعوض المساحات البعلية الواسعة، أثر نقص الغلة في حقول القمح البعلية عن المروية. لتبلغ محصلة الغلة في مساحات القطاع التعاوني 226(كغ/دونم).

ج- درعا/ مساحات القطاع التعاوني/ استقرار أولى:

زيادة بمقدار 72 ألف طن، وإنتاج بمقدار 115 ألف طن.

أين يمكن أن نصل؟!

بناء على الأرقام فإن تحسين إنتاجية 5% من المساحات المزروعة بالقمح السوري قادرة على إنتاج 15% من إنتاج 2010. أي حوالي 450 ألف طن.

بشرط تطبيق الوسائل التقنية التي تزيد الإنتاجية إلى 800 كغ/ دونم فإن:

تأمين زراعة حوالي10% من مساحات زراعة القمح التقليدية يؤمن إنتاج مليون طن.

بالتالي تأمين زراعة 30% من مساحات زراعة القمح التقليدية بطرق أكثر إنتاجية، يؤدي إلى تأمين 3 ملايين طن، وهي تزيد عن متوسط الاستهلاك السنوي للسوريين.

«أخطاء فادحة» وليس «إهمالاً»

طالما إن التجربة أتت بنتائج إيجابية خلال العام الماضي، فإن عملية تعميمها يفترض أن تخرج عن إطار الهيئة التي قامت بها، أي مديرية تطوير الغاب، لتتوسع إلى كل المناطق المفترضة وتتطبق على الأقل في المناطق التي لا تعاني من اضطرابات أمنية، وبالتالي مشكلات إنتاج ونقل وتوزيع، أي كان من المفترض أن تنتقل التجربة لتشمل كل المناطق الممكنة، وهذا ضرورة وفرصة تحديداً في ظل الواقع الحالي حيث سيصعب تأمين زراعة مساحات واسعة مخططة بالحد المطلوب، أوتأمين عمليات النقل والتوزيع، وتحديداً في أهم مناطق لإنتاج أي محافظات الحسكة، الرقة، وحلب.

بالتالي فإن البطء في إجراء التجارب الإنتاجية، قد يكون مغفوراً ولكن عدم الاستفادة من النتائج والإمكانيات الكامنة بالحد الأقصى وتحديداً في وقت الأزمة، التي ستهدد الكفاية من القمح في العام القادم، ليس مغفوراً أبداً..

وهومسؤولية وزارة الزراعة بالدرجة الأولى..

حيث أن التقصير في استثمار كافة الإمكانيات لم يعد اليوم يصنف في إطار «الإهمال» فقط، بل يصنف في إطار «الأخطاء الفادحة»..