د.نزار عبدالله د.نزار عبدالله

ربح التجار ثلاثة أضعاف أرباح الفلاحين في السنوات العشر الماضية السماح للتُّجّار بتصدير العدس دون مراعاة أولوية الأمن الغذائي!

العدس أحد المواد الغذائية الشعبية المهمة للمواطن إلى جانب القمح والحمص والفول، ولجميع هذه المواد قيمة غذائية جيدة، وكانت أسعارها تتأرجح بين الاعتدال  والإجحاف  بحق الفلاح من عام لآخر، فالأسعار تغطي الكلفة كما تقدرها لجان مختصة في وزارة الزراعة تزيد قليلا أو تنقص بعض الشيء عنها، وكانت الجهات المعنية تحدد أسعار بيعها للمواطن بهوامش ربح كبيرة للتاجر، ولكن منذ إعلان اقتصاد السوق كنهج اقتصادي استفحل ظلم الفلاحين و المواطنين في آن واحد، لترتفع بعدها أرباح التجار بشكل فاحش!

السماح بالتصدير أضر بالأمن الغذائي

 

الجدول رقم (1) المجموعة الإحصائية الزراعية السنوية 2009

 

العام

 

المساحة

(1000هكتار)

الإنتاج

(1000 طن)

الغلة

(كغ/هكتار)

2000

 

123

 

73

 

595

 

2001

 

139

 

177

 

1276

 

2002

 

121

 

133

 

1096

 

2003

 

139

 

168

 

1213

 

2004

 

137

 

125

 

912

 

2005

 

143

 

154

 

1076

 

2006

 

150

 

181

 

1204

 

2007

 

149

 

109

 

731

 

2008

 

136

 

34

 

251

 

2009 

101

 

103

 

1017

 

 

تتراوح المساحة المزروعة بالعدس نحو 140 ألف هكتار، و تتراوح الغلة بين 251 كغ/هكتار، وبين 1276 كغ /هكتار تبعا للهطول المطري، خاصة وأن الزراعة البعلية كانت سائدة وتشكل أكثر من 95 % من المساحات المزروعة خلال فترة المراقبة، وتبعا لذلك كان الإنتاج متغيرا جدا وتراوح بين 34 ألف طن وبين 181 ألف طن، وما حصل خلال السنوات السابقة تمثل بالسماح للتجار تصدير الكميات التي يرغبونها دون مراعاة أولوية إشباع الطلب الداخلي والحفاظ على الأمن الغذائي، على الرغم من أن الرشاد الاقتصادي كان يقضي أن تتولى وزارة الاقتصاد و التموين تقدير الاحتياج السنوي المتزايد مع الزيادة السكانية، وتغير الطلب عليه مع تطور نمط الاستهلاك، و فوقه كمية احتياطية لمواجهة تقلبات الإنتاج  المرتبطة بالأحوال الجوية، وربحية زراعته الخ، و الفائض بعد ذلك يسمح بتصديره، وهذا ما لم يحصل..

خسارة مُخطط لها!

تؤكد الجداول السابقة أن الخسارة هي من نصيب الفلاح في العديد من الأعوام، وذلك من خلال تقليل هامش أرباحه، حيث بلغ مجموع أرباح الفلاحين خلال السنوات العشر الماضية 1458 مليون ل. س، وهذا يعني أنه تم التخطيط لخسارة الفلاح.

فلو أخذنا عام 2009 مثالا لتسويق الإنتاج المحلي، نجد أن الفرق شاسع جداً بين ربح الفلاح وربح التاجر، حيث وصل سعر كيلو العدس إلى 70 ل.س وحتى إلى 95 ل. س! وانطلاقا من فلسفة التموين الجديدة التي أقرها الفريق الاقتصادي في الحكومة السابقة، من خلال السماح بوضع السعر الذي يرغب فيه التاجر شريطة الإعلان عنه، نصل إلى أن كمية إنتاج العدس بلغت 103 ألف طن، وعندما نضيف إلى سعر الشراء (23 ل. س) مبلغ 7 ل. س ككلفة نقل، وتخزين، وفائدة رأسمال وغيرها، أي 30%، وهي نسبة كبيرة جداً أعلى من الكلفة المتشكلة فعليا بكثير، ويكون ربح التاجر في حالة البيع 70 ل. س يعادل 40 ل. س  × 103 ألف طن= 4120 مليون ل. س، و إذا قيمنا سعر البيع بـ 80 ل. س سيكون ربح التاجر 5150 ل. س، أي أكثر من ربح الفلاحين بـ 3,5 ضعفا في 10 سنوات، وإذا قيمنا سعر البيع بـ 95 ل. سيكون ربح التجار 6695 مليون ل. س، أي 5,78 ضعفاً مقارنة بأرباح الفلاح في عشر سنوات! على الرغم من أن الفلاح بذل جهداً في عمله، وعانى من الجفاف، وحصل في المقابل على هذه الخسارة الفظيعة، في حين لم يتحمل التاجر أية مخاطر تذكر، بل إنه استغل وضعه الاحتكاري بعد تراجع وزارة التموين عن ضبط الأسعار، ليصل هامش أرباحه إلى 233 %، هذا إذا ما انطلقنا من سعر 70 ل. س لكيلو العدس، وإلى 316 % إذا انطلقنا من سعر 95 ل. س! فلماذا نجعل الفلاح و المواطن يعانون من الجوع والتاجر من التخمة؟! ومن تخدم هذه السياسة الاقتصادية؟

وبالنتيجة.. خلل بنيوي

هذا التباين في الأرباح بين الفلاح و التاجر لمصلحة الأخير أدى إلى تراجع الفلاح عن العمل في الزراعة تدريجياً، وهذا أدى إلى حدوث خلل بنيوي في السياسة الاقتصادية، فعندما يخسر الفلاح جزءا من رأسماله عاما بعد عام يضطر لترك الأرض والنزوح إلى المدينة بحثا عن عمل، فأية أعمال تنتظره، حيث إن هنالك 50% من القادرين على العمل لا يجدون عملا؟! فلماذا نقطع جذور الفلاح من الأرض؟! ليخسر بنتيجتها الفلاح والشعب كله، بالإضافة إلى تراجع الأمن الغذائي، واختلال الأداء الاقتصادي.

الرشاد الاقتصادي يقتضي حصول الفلاح المنتج على ربح مقبول يحفزه ويمكنه من تطوير وسائل إنتاجه، ولذلك يجب أن تتولى الدولة عملية شراء محصول العدس من الفلاحين، وليكن هامش ربحهم وفيرا، بنحو 50 ل.س لعام 2009 مثلاً عوضا عن الخسارة، ولتبيعه الدولة بهامش ربح 10% بدلاً من تركهم لاستغلال التجار، فالتجار فجار كما يقول المثل الشعبي، كما يجب أن يستشار الفلاحون في تحديد أسعار منتجاتهم بشكل عام، وخاصة السلع الإستراتيجية، لأن قوة العمل الأساسية في سورية تعمل بالزراعة، فجميع الدول الرأسمالية تدعم القطاع الزراعي بسخاء لتضمن أمنها الغذائي، ولكن ما حصل عندها هو معاداة  السياسة الاقتصادية للفلاح على جبهات عديدة، من خلال رفع أسعار المازوت بمعدل 3,5 ضعفاً، مما رفع تكلفة مياه الري، كما تم رفع أسعار الأسمدة، و تضاف من حين لآخر ضميمة على استيراد العلف لترفع كلفة تربية المواشي، في الوقت الذي تخفض فيه الجمارك بشكل عام على كل السلع! وعلى الرغم من هذا فإن التصدير استمر على وتيرته، لذلك لا بد من التساؤل، لماذا لم يقتصر التصدير على الفائض عن الاستهلاك وليس المحصول كله دون أن تأبه وزارة الاقتصاد لإمكانية توفير مخزون إستراتيجي يكفي لمدة عامين مثلا؟! ولماذا لم يتوقف الاحتكار بشكل قطعي؟! أليست هذه السياسة الليبرالية المنفلتة من القيود هي التي أوصلت الفلاح إلى الخسارة وهجر أرضه وأوصلت إلى هذه النتائج الكارثية؟!