وسيم الدهان وسيم الدهان

«مجتمع المخاطر» في الثلاثاء الاقتصادي د. الحمش: الفساد يزداد في «الدولة الرخوة» ويزيد من «رخاوتها»

«الشعب قد يمهل أو يتمهل، لكنه في النهاية سوف يطالب بحقوقه التي منحتها له الشرائع السماوية والدولية والوضعية، متجاوزاً الحركات والأحزاب والزعامات التقليدية، وتلك التي تمليها المصالح الوطنية».. بهذه الكلمات حدد د. منير الحمش الدرس الأول الذي يجب استسقاؤه من الحراك الشعبي في البلدان العربية، وجاء كلامه هذا ضمن محاضرة ألقاها الثلاثاء الماضي 19 نيسان بعنوان «مجتمع المخاطر في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية» في إطار ندوات جمعية العلوم الاقتصادية السورية.

وتحدث د. الحمش عن «مجتمع المخاطر» موضحاً أن ما قاد إليه هو جملة من المتغيرات المترابطة فيما بينها والتحولات الناجمة عن ضغوط النظام الرأسمالي العالمي وسياسات الليبرالية الاقتصادية الجديدة وسعيه إلى فرض جدول أعمال على دول وشعوب العالم تحت شعار العولمة والالتحاق بالاقتصاد العالمي، وما رافق ذلك من فرض لسلوك وقيم إنسانية نمطية جديدة وتحولات اقتصادية وثقافية وسياسية واسعة المدى من شأنها أن تغير المشهد الاقتصادي العالمي جوهرياً وأن تترك آثاراً عميقةً على المستويات الإقليمية والمحلية.

ومع إشارته إلى أن هناك أسباباً كثيرة لبروز ظاهرة «مجتمع المخاطر» ركز د. الحمش على السياسات الاقتصادية ونتائجها في هذا الصدد، وذلك لدورها في تهديد السلم الاجتماعي وأمن المجتمع. وأضاف أن البلدان العربية التي اعتمدت- لسبب أو لآخر- السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة تشترك بمظاهر متقاربة فيما بينها، موضحاً وجود سمات تتميز بها مجتمعات المخاطر في البلاد العربية يمكن لحظها في الفقر وتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وسيادة روح عدم العدالة في توزيع الدخل والثروة، وسلوك الطبقة الجديدة الاستفزازي، وعادات الاستهلاك التفاخري التي بدأت تجتاح المجتمعات العربية، وتزايد البطالة وانتشارها خاصةً بين الشباب والنساء، واتساع دائرة الفساد والإفساد في المجتمع.

ووفقاً لقوله فقد جاءت هذه المظاهر نتيجةً للسياسات الاقتصادية- الاجتماعية المتمثلة في التحول نحو اقتصاد السوق والإمعان في «لبرلة» الاقتصاد والانقياد لبرامج الإصلاح الاقتصادي التي تندرج تحت جدول أعمال «وفاق واشنطن» وجوهرها السياسة الاقتصادية الليبرالية الجديدة، وسيطرة التحالف «غير المقدس» بين المال والسلطة، وتهميش الفئات الواسعة من الشعب وإبعادها عن ممارسة حقوقها السياسية والاقتصادية.

وفي المحور الثاني تناول د. الحمش موضوع أمن الإنسان العربي ودور «الدولة الرخوة» في مجتمع المخاطر، مبيناً- بالاستناد إلى قول باحث مصري- أن «الدولة الرخوة تصدر القوانين ولا تطبقها ليس فقط لما فيها من ثغرات وإنما لأنها تفتقد من يحترم القانون.. الكبار لا يبالون فيه لأن لديهم من المال والسلطة ما يحميهم منه، والصغار يتلقون الرشى لغض البصر عنه، ويعم الفساد. فرخاوة الدولة تشجع على الفساد وانتشار الفساد يزيدها رخاوة».

وأكد د. الحمش أن الفساد يعد من أهم العوامل التي تؤدي إلى إضعاف دولة القانون، فضلاً عن نتائجه الاجتماعية الخطيرة ودوره في إفساد الحياة السياسية والدفع باتجاه انفلات السوق، لافتاً إلى أن الفساد يحتاج إلى دولة رخوة ليزيد من رخاوتها، ما يفاقم احتمال بروز مجتمع مخاطر يغذيه الفساد وتغذيه في الوقت نفسه السياسات الاقتصادية والاجتماعية الليبرالية الجديدة.

وتحدث د. الحمش كذلك عن حركات الاحتجاجات الاجتماعية في البلدان العربية، موضحاً أنها تصاعدت مع تصاعد ممارسات السياسات الاقتصادية والاجتماعية الموالية للفئات الغنية، وغيرها من السياسات غير المتوافقة مع تطلعات المجتمع.

وبالوصول إلى الدروس المستفادة من هذه التغيرات المرتبطة بمجتمع المخاطر والدولة الرخوة، أشار د. الحمش إلى خطأ السياسات الاقتصادية المنبثقة من التحول نحو اقتصاد السوق الذي صممته المؤسسات الدولية بالاشتراك مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خصيصاً للدول الاشتراكية السابقة والدول ذات التوجه التدخلي من قبل الدولة، فهذه السياسات تقود إلى الفقر والبطالة وسوء التوزيع، وبالتالي إلى إضعاف الاقتصاد الوطني، ويمتد تأثير سياسات الانفتاح الاقتصادي كذلك إلى المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع بكل أطيافه.

والدرس الأول الذي ذكره د. الحمش كان التأكيد على أن الشعب يهمل أو يتمهل ولكنه لا يتخلى عن حقوقه نهائياً، بينما الدرس الثاني كان أن الغرب سعى وسوف يسعى دائماً للحيلولة دون تحقيق المصالح الشعبية الحقيقية، والالتفاف على الحركات التحررية العربية لإسقاطها وإبقائها رهينة سياساته واستراتيجياته.

والدرس الثالث هو أن وقائع الثورة في تونس ومصر أثبتت أن التأخير في الاستجابة لمقتضيات الإصلاح الحقيقي وللمطالبات الشعبية يزيد من كلفة الإصلاح على كل من المطالبين به والسلطة في آن معاً، كما أن التأخير يرفع من سقف المطالبات في الشارع يوماً بعد آخر، في حين أن غياب القيادات الواعية في الشارع وغياب برنامجها يساعد الثورة المضادة على الانقضاض على الثورة وتحويل مسارها.

وخصص د. الحمش الدرس الرابع لتناول الاقتصاد السوري، حيث بين أن القيادة السياسية أقرت في المؤتمر العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي التحول نحو اقتصاد السوق الاجتماعي، وقد فهمنا أن التوجه على أنه التركيز على التطوير والتحديث في ظل المتغيرات الدولية، لكن ما جرى فعلاً هو التحول نحو اقتصاد السوق والتسرع في عملية الانفتاح الاقتصادي، وتحرير التجارة الداخلية والخارجية، وإطلاق العنان لقوى السوق الغاشمة، والانحياز في التشريعات الاقتصادية والمالية والنقدية إلى جانب الأغنياء، والتخلي عن المهام الاقتصادية والاجتماعية لمصلحة القطاع الخاص، وهذا ما قاد إلى إمكانية تحويل المجتمع السوري إلى «مجتمع مخاطر» مفتوحاً لجميع الاحتمالات ما لم يتم تدارك ذلك قبل فوات الأوان.

آخر تعديل على الأربعاء, 31 آب/أغسطس 2016 13:39