رد جريدة قاسيون على محاضرة د. نبيل سكر عن التشاركية في الثلاثاء الاقتصادي
قاسيون: لا فرق بين التشاركية والاقتراض من الخارج
جريدة قاسيون التي غطت الندوة كان لها مداخلة على لسان الرفيق معن خالد وأبرز ما جاء فيها:
أولاً: إذا أردنا أن نتحدث عن البديل علينا أن نعرف إلى أين وصلت مشاكلنا، فاليوم هناك واقع يقول أن وسطي الأجور 26,5 ألف ل.س مقابل مستوى المعيشة بلغ 172 ألف ل.س للأسرة شهرياً، وإن أية فكرة جديدة يتم الحديث فيها كحل للواقع الاقتصادي السوري يبنغي أن تنطلق من هذا الواقع، أي حل ذلك التناقض الذي يشير للوضع الكارثي.
ثانياً: حول منطق المعالجة الذي طرحته المحاضرة مبني على فكرتين الأولى هي أن (التشاركية كانت ضرورة قبل الأزمة والأن أصبحت ضرورة ملحة) ومقابل هذا المنطق ينبغي أن نطرح التساؤل هل كانت الأزمة ضرورة كي نسير باتجاه التشاركية؟!
أعتقد أن الخلاف ليس على تفاصيل القانون، فنحن خلافنا على المبدأ، أي مبادئ النيوليبرالية التي يوصي بها صندوق النقد لإعادة التكييف الإقتصاد والتشاركية جزئية من جزئياتها، والواقع يشير إلى أن الأزمة وإدارتها خلقت شروط تكييف الاقتصاد وعلى سبيل المثال: إن الأزمة جعلت أصول القطاع العام لقمة أسهل للتشاركية، فحجم أصوله يعادل قبل الأزمة حوالي 13 مليار دولار، وهو يعادل اليوم 1,5 مليار دولار بفعل الأزمة، وإن كامل الأجور التي من المفترض أن يدفعها المستثمرون في الاقتصاد السوري انخفضت قيمتها بشكل كبير، فكتلة الأجور كلها في الاقتصاد قبل الأزمة كانت تعادل تقريبآ 14 مليار دولار اليوم هي تعادل 4 مليار فقط، وسيغدو السؤال البائس لاحقاً فيما لو سرنا بالتشاركية، هو على أية كلفة سنتفاوض على التكلفة القديمة أم التكلفة الحالية؟!
الطرح الذي تفضل فيه المحاضر يُراد له أن يبدو بشكل أو بآخر متمايزآ عن طرح الحكومة، لكنه في الحقيقة لا يوجد خلافات جوهرية بينهما وهنا ألفت النظر إلى أن طرح الحكومة لقانون التشاركية لاقى صدىً ايجابياً في المنتدى الإقتصادي الذي يديره ليبراليو المعارضة في اسطنبول، ولذلك أعتقد أن التشاركية هي جزء من سيناريو الليبرالية العام الذي يمثل مصلحة رأس المال، والذي بدوره نهب خلال الفترة الماضية وراكم النهب قبل الأزمة ثم زاد النهب بالأزمة والآن يريد إعادة تدوير هذا النهب وبمكان مضمون الأرباح ولذلك سيتفادى القطاع الخاص الاستثمار في ما أسماه المحاضر القطاع (الخاسر). وأريد أن أشير إلى أنه حتى هذا القطاع هو مخسر لن نتركه زاداً رخيصاً.
أما الفكرة الثانية التي بنيت عليها المحاضرة فهي ثنائية إما (التشاركية أو الإقتراض من الخارج) وكأن النتائج السيئة لهذين الطرحين مختلفتين من حيث الجوهر، كما يبدوان وكأنهما الطريقان الوحيدان لحل مشاكلنا الاقتصادية وهذا غير صحيح.
ثالثاً: لقد توصل المحاضر إلى أن (التشاركية ضرورة) مستنداً لبعد واحد هو بعد التمويل ضارباً الأبعاد الاقتصادية الاجتماعية الأخرى كلها، ولكن حتى وفي بعد التمويل يبدو وكأننا بحثنا مصادر التمويل كل وإشكالاته المختلفة وتوصلنا لنتيجة مفادها لم يبق إلا التشاركية كحل لمشكلة التمويل!!! وكأننا تناسينا أن أموال الفساد البالغة 30% من الدخل الوطني قبل الأزمة، والمدخرات الداخلية، والأموال المنهوبة من الاقتصاد السوري التي تستدعي ضرورة توزيع الدخل وكل ذلك يحل جزءاً هاماً من مشاكل التمويل.
أريد أن أشير هنا إلى أن جوزيف ستلغتس صاحب نوبل للاقتصاد أشار مؤخراً إلى أن الاتجاه العام لحل الأزمة الاقتصادية العالمية يقوم على استثمارات حكومية وإعادة توزيع الدخل، فإلى أين نتجه اليوم!
رابعاً: لقد ذكر المحاضر نموذج لبنان كنموذج سلبي كونه اعتمد في إعادة الإعمار على الاقتراض من الخارج بدل الاعتماد على التشاركية والقطاع الخاص فوصل لبنان إلى ما وصل. أريد أن أوضح هنا أن سمة اعتماد لبنان على الدين الخارجي ليست هي الوحيدة، بل أيضاَ اعتمد على بيع أملاك قطاعه العام وعلى الدين الداخلي من المصارف الخاصة والقوى الاقتصادية، وهو ما جعله اليوم غير قادر على حل مشكلة (الزبالة) التي يتم التحاصص على طريقة تصريفها، إن ذلك عار على رأس المال والقطاع الخاص، وهذا هو نموذج تشاركية وخصخصة لبنان يا دكتور!
في السياق ذاته أيضاً تأتي مشكلة الدين العام في أوروبا، حيث تحولت ديون القطاع الخاص وحُمّلت للدين العام الذي ينبغي على الحكومة تسديده، وفي التشاركية التي تدعون لها سيكون الاقتراض والاستدانة مفتوحاً، فمن سيحمينا من الأزمات؟!
وفي السياق ذاته أيضاً تابعنا نموذج خصخصة مصر وتشاركيتها إلى أين أوصلت البلاد هناك، وبعيداً عن ذلك كله لدينا نماذج عن التشاركية تم استعراضها في جريدة قاسيون في العدد 739 فالإنتاجية بمرفأ طرطوس الذي تم استثماره انخفضت خلال السنوات الأربع على يد القطاع الخاص بالشكل التالي على الترتيب: من 61% إلى 38% ثم إلى 29% ثم إلى إلى 20%. أما عقد معمل الإسمنت مع شركة فرعون، فانتهى إلى فرار المستثمر بعد أن بلغت ديون القطاع العام عليه 528 مليون ليرة، وبالنسبة لقطاع الاتصالات فقد انتهت إلى استحواذ شركتي الاتصالات على 75% من الإيرادات بدل أن تنتهي العقود بـ 60% لمصلحة الدولة، فأين حفظ المال العام الذي تضمنه التشاركية؟!
خامساً: الحديث الذي تفضلتم به عن أن التشاركية تحتاج لمزيد من الإجراءات كالمصارف وسوق الأسهم والتمويل الخارجي فهذا يعني مزيداً من اللبرلة، لذلك نرى أن التشاركية اليوم هي عنوان، لكن المقصود بالعمق هو اللبرلة ولا يوجد شيء آخر سواها، وإذا كان المحاضر لا يرى الرابط بينها وبين سياسات الإصلاح والتكييف والهيكلية لصندوق النقد، فعليه أن يوضح بماذا تختلف عنها، وعلى سبيل المثال لم يوضح المحاضر أي تمويل خارجي يريد، فهنالك اليوم نمطين نمط صندوق النقد ونمط جماعة البريكس وبنك التنمية الآسيوي، وتفادى المحاضر التعليق على ذلك.
ختاماً نعتقد أن قضية التشاركية اليوم تمس 2,850 مليون موظف في الدولة، إضافة لأسرهم، فهذا يعني 15 مليون سوري وهم مستهدفون وسيجيبون عن ذلك.