التشاركية المُقوننة  موبقات الإشارة الخضراء لناهبي الغد!

التشاركية المُقوننة موبقات الإشارة الخضراء لناهبي الغد!

قانون التشاركية الذي حمل رقم 5 بتاريخ 10/1/2016، كان نقطة علاّم جديدة في مستوى التحول إلى الليبرالية الذي يمضي بها الاقتصاد السوري. فالوظيفة الاقتصادية لهذا (القانون) أو هذا المبدأ الاقتصادي هو إيجاد آليات جديدة لإعادة تدوير وتبييض الأموال المنهوبة من الاقتصاد السوري قبل وفي ظل الأزمة، والسماح للمستمثرين/الناهبين الجدد بالربح المضمون في كعكة إعادة الإعمار، وذلك من خلال إعطاء القطاع الخاص الحق في استثمار أي منشأة من منشآت القطاع العام والتربح من خلالها وتحديداً في مجالات البنى التحتية كالماء والكهرباء والاتصالات والخدمات والمرافئ العامة، وهو ما ناقشته قاسيون من وجهة نظر اقتصادية في الأعداد (739،746،747).

 

في العدد الحالي ستوضح هذه المقالة شيئاً من المواد التي نص عليها القانون لنوضح للرأي العام وجماهير السوريين أن ما يصاغ اليوم ويُقر على عجل في الجانب الاقتصادي يهدف لتغيير أسس الاقتصاد السوري تحت وطأة صدمة الأزمة، ليصبح أكثر ملاءمةً لمصالح مستثمري الغد على حساب فقراء الشعب السوري والقطاع العام وعماله أحد أركان قوة دولته تاريخياً.

 

 

البداية مع الاستثمار الأجنبي الذي بات متاحاً له المرافق التي كان يطلق عليها صفة السيادية.

الاستثمار الأجنبي.. انهب وطلّع لبرا!

حيث إن أبرز النقاط التي يبنغي الوقوف عندها هي الواردة في الباب الأول المادة رقم 1 البند رقم 10، وهي التي تنص على أن الشريك الخاص هو (أي شخص اعتباري أو ائتلاف أشخاص اعتبارية محلية كانت أم خارجية يجري التعاقد معها) وهو ما يعني أن مرافقنا السيادية ستفتح أبوابها للاستثمار الأجنبي، وهو ما يعتبر خرقاً لأبسط معايير السيادة الوطنية. 

لن يكون للأجانب الحق في استثمار مرافقنا السيادية وحسب بل سيكون من المدللين أيضاً، حيث سيشمل ذلك الدلال حق المستثمر الأجنبي في تحويل أرباحه مباشرة من الاقتصاد السوري، وهو المضمون في الفقرة (ه) من المادة 61 والتي نصت على ما يلي: (يحق للمستثمرين الأجانب والسوريين المقيمين في الخارج الاستثمار في شركات مشاريع التشاركية وإعادة تحويل عوائد استثماراتهم بالقطع الأجنبي ومن ذلك العوائد والأرباح على رأس المال والأسهم والفوائد وعوائد إعادة بيع الاستثمار أو جزء منه). 

كما أعطت الفقرة (و) من المادة 61 للعمال الأجانب الحق في تحويل نصف أجورهم وتعويضاتهم بالقول: (يحق للعاملين الأجانب في شركة المشروع أو لدى الشريك الخاص في سورية تحويل 50 بالمئة من أجورهم وتعويضاتهم بما في ذلك تعويض نهاية الخدمة خارج سورية).

أي قضاء بدكن ياه؟!

العلاقة مع الخارج لن تشمل الاستثمار وحسب، بل شملت الاقتراض الأجنبي المباح للقطاع الخاص والمستمثرين الأجانب، وذلك عبر ترك الباب موارباً لاحتمال كهذا، فنصت الفقرة (ح) من المادة 61 بالقول: (يلتزم الشريك الخاص بتوفير كامل التمويل اللازم للمشروع أو جزء أساسي منه من موارده الذاتية و-أو عن طريق آليات التمويل الأخرى ويجب أن يكون هناك جزء من التمويل من القطاع المالي أو المصرفي السوري وفق النسب التي يحددها طلب العروض أو المجلس) أي أن للمصارف السورية نسبة من التمويل غير محددة وتركت نسب الأجانب لتحدد وفق رؤى مجلس التشاركية لاحقاً.

البعد القضائي في حل النزاعات مع أولئك المستثمرين أعطى أيضاً مزايا للمستثمرين الأجانب، فأباحت المادة 78 إمكانية الاحتكام لغير القضاء السوري فيما لو نص عقد التشاركية على ذلك، حيث نصت المادة أنه وفي حال حدوث نزاعات بين الجهة العامة والشريك الخاص فإنه: (تطبق على أي نزاع تحكيمي القوانين النافذة في الجمهورية العربية السورية ما لم يتم الاتفاق على خلافه في عقد التشاركية أو العقود الثانوية). 

المدة الزمنية قد تكون أو لا تكون!

المدة الزمنية لهذه المشاريع مفتوحة ومتروكة لتوافق المتعاقدين، وفي الباب الأول والمادة (10) وتحديداً في الفقرة رقم 16، وحتى في المادة (47)، لا نجد أية حدود أو سقوف زمنية لهذه العقود، فتنص المادة (مدة المشروع.. المدة الزمنية المحددة والمتفق عليها في عقد التشاركية) وهو ما يعطي هوامش أريحية للمستثمرين الجدد بالاستمرار بأقصى مدة ممكنة وذلك فقط بناءً على التوافق مع القطاع العام المستثمر. والملفت هنا أن مثل هذه الميزة غير موجودة بالقوانين المشابهة في دول أخرى كالمغرب التي تحدد 30 سنة كحد أقصى للاستثمار في مثل تلك المشاريع.

ندعمك ونمولك بس تعال يا مستثمرنا!

المادة رقم 6 من هذا القانون توضح تماماً مدى الإنحياز للقطاع الخاص، فالفقرة ب فرضت للشريك الخاص دوراً قيادياً في شركة المشروع (أي الشركة التي ستؤسس من الطرفين)، حيث نصت على ما يلي: (يحصل الشريك الخاص و/أو الاستراتيجي على حصص أو أسهم في شركة المشروع وفق أحكام العقد) بينما لا يحق للعام أية أسهم في تلك الشركة، فنصت الفقرة (ج) من المادة ذاتها بأنه: (لا يجوز للجهة العامة المتعاقدة أن تكون شريكاً في شركة المشروع)، فأجاز للقطاع العام هذا الحق في المادة 44 وبحالتين فقط!

الملفت للنظر أن المادة 43 من القانون غيّرت وجهة الدعم الاقتصادي، فلم يعد يذهب بالضرورة للقطاع العام أو للمستهلك مباشرة بل صار للقطاع الخاص المستثمر وفق عقد التشاركية حصة مباشرة فيه ولذلك نصت الفقرة أ من تلك المادة بأنه: (إذا كانت الشروط الاقتصادية أو التدفقات المالية لمشروع التشاركية حين دراسته لا تتيح للشريك الخاص استرداد تكاليف الاستثمار والتشغيل والتكاليف المالية وتحقيق ربح معقول خلال مدة المشروع ومن عائدات المشروع حصراً أو إذا كان الاستثمار من قبل القطاع الخاص غير ممكن عملياً دون وجود ضمانات صادرة عن الدولة فيجوز للجهات العامة المتعاقدة بعد موافقة المجلس النظر في أشكال تقديم الدعم أو الإعانة للشريك الخاص أو للمستفيدين النهائيين بصورة مباشرة أو غير مباشرة وسد الفجوة المالية على النحو الذي يمكن من تطوير المشروع وتدرج المبالغ اللازمة لذلك في خطط الإنفاق العام).

إن ذلك الدعم المنُتظر يفتح باب التساؤل حول دواعي منح القطاع الخاص دعماً في ظل سياسات (عقلنة ذلك الدعم على المواطن والقطاع العام)، كما إن إشكالية المادة هذه ليست في تغيير وجهة الدعم وحسب، بل وفي كونها أقرت ضمان الربح للمستثمر الخاص في أي مشروع سيدخله. زد على ذلك أن القانون وفي الفقرة (ب) من المادة ذاتها أقر احتمال تقديم الدعم العيني للقطاع الخاص ليشمل حتى (التنازل عن حقوق تشغيل واستثمار المشاريع)، أي تنازل القطاع العام عن تلك الحقوق لمصلحة الخاص ودعمه. طبعاً ناهيك عن الطامة الكبرى في هذه الفقرة وهي ضمانها لـ (تحقيق ربح معقول) للقطاع الخاص دون توضيح هذه النسب المعقولة وحدودها!.

ونسامحك بالضرائب كمان!

طبعاً لم ينسَ واضعو السياسات والقوانين، وهم المتباكون دوماً على إنخفاض موارد الدولة، منح القطاع الخاص إعفاءات ضريبية إمعاناً في تدليله وتفريطاً بحق الشعب السوري ودولته بمثل هذه الموراد، ولذلك أباحت المادة 81 إعفاءه من الضرائب في الفقرة (أ) ليس لمصلحة شركة المشروع وحسب، بل وللقطاع الخاص المشارك أيضاً، فنصت تلك الفقرة على أنه: (يجوز بقانون بناء على اقتراح المجلس منح الشريك الخاص وشركة المشروع أو أحدهما الإعفاءات الضريبية كلا أو بعضاً وفقاً لطبيعة المشروع وأهميته)، كما أباحت الفقرة (ب) منحه أي من شركة المشروع أو القطاع الخاص المشارك تسهيلات مالية وإئتمانية ونصت بـ (يجوز بقرار من المجلس منح الشريك الخاص وشركة المشروع أو أحدهما حوافز بما فيها التسهيلات الائتمانية والضمانات المالية وغيرها من المزايا التي تحدد بقرار منح)، علماً أن عرابي مشروع التشاركية كانوا دائماً ينطلقون من نقص التمويل الحكومي لمشاريعها والإدعاء بأن القطاع الخاص يملك قدرات مالية لحل تلك المشكلة وإذ بالقانون يعود ليفتح المجال للقطاع الخاص بطلب التمويل من الحكومة بشكل أو بآخر!.

وإذا بدك الخصخصة فهي ممكنة!

الخصخصة المباحة وفق هذا القانون تظهر بشكل جلي في المادة 53 التي تتعلق بإجراءات نقل الملكية وتحديداً في فقرته (أ) القائلة بأن عقد التشاركية ينبغي أن يتضمن عدة إجراءات أبرزها التالي: (نقل ملكية الأصول إلى الجهة العامة المتعاقدة عند انتهاء أو إنهاء العقد أو فسخه ما لم تفضل إبقاءها لشركة المشروع أو للشريك الخاص)، والخطير في هذه المادة أنه ترك إمكانية التنازل عن ملكية أجزاء من أصول القطاع العام للقطاع الخاص مما يعني إحتمال فوز القطاع الخاص بملكية هذه المشاريع أو أجزاء منها في نهاية العقد وليس الاستفادة من الاستثمار والتشغيل فقط. 

إن الأفكار الأخرى التي أجازها القانون في باب نقل الملكية التي تعني (الخصخصة)، وإن كانت خصخصة مؤقتة، تعززها المادة 54 في فقرتها (أ) والتي أجازت للجهة الخاصة حقوقاً استثمارية إضافية تحت ذريعة (حسن سير العقد)، فنصت على أنه: (يجوز للجهة العامة المتعاقدة أو أية جهة عامة أخرى ذات صلة أو الدولة أن تنقل إلى الشريك الخاص أو شركة المشروع خلال مدة عقد التشاركية حق استثمار المشروع والمنقولات الضرورية لحسن سير العقد وتنفيذ المشروع وأية أموال منقولة عامة أخرى متعلقة بتحقيق التشاركية على أن تعود هذه الملكية وحق الاستثمار للجهة العامة المتعاقدة عند انتهاء أو إنهاء عقد التشاركية).

كما أجازت الفقرة (ب) من المادة ذاتها جواز نقل ملكية منشأة عامة ولكن هذه المرة لشركة المشروع وليس للقطاع الخاص الشريك المباشر، تحت الذريعة ذاتها بالقول: (يجوز للجهة العامة المتعاقدة أن تنقل إلى شركة المشروع خلال مدة عقد التشاركية ملكية منشأة عامة أو عقار أو أموال غير منقولة ضرورية لحسن سير العقد وتنفيذ المشروع على أن تعود هذه الملكية للجهة العامة المتعاقدة عند انتهاء أو إنهاء عقد التشاركية ما لم ينص العقد على بقائها لشركة المشروع).

وماذا عن اليد العليا يد الطبقة العاملة..

البعد الغائب عن معظم المتحدثين في هذا القانون هو حقوق عمال القطاع العام في شركاتهم ومعاملهم ومنشآتهم والبقاء فيها، حيث أتاح القانون إمكانية الاستغناء عنهم في مشاريع التشاركية، وفتح المجال للإبقاء على بعضهم فقط فيما لو توافقت إرادة (شركة المشروع مع إرادتهم)، ورغم أن القانون تحدث عن حفظ حقوقهم ومكتسباتهم، إلا أنه لم يتحدث عن حقهم في البقاء في القطاع المستمثر ما يعني أن مصيرهم مجهول حتى اللحظة حيث نصت المادة 66 في فقرتها (أ) على أنه: (في حال تعلق مشروع التشاركية بمنشأة قطاع عام موجودة فعلياً يمكن استخدام بعض عمال القطاع العام حسب مؤهلاتهم في شركة المشروع بناء على طلب شركة المشروع وبناء على رغبتهم بعد أن يتم إنهاء علاقتهم الوظيفية مع الجهة العامة طبقا للقوانين النافذة). 

والطامة الكبرى أن عمال القطاع العام الذين قد يُستخدمون في العمل في مشاريع التشاركية سيضطرون إلى الخضوع لقانون العمل سيء الصيت والمتعلق بالقطاع الخاص، وسيجردون من حقوقهم التي كان يتمتعون بها في ظل القانون الأساسي للعاملين في الدولة، حيث نصت المادة الفقرة ب بأنه: (تسري على العمال المستخدمين بموجب أحكام الفقرة (أ) من هذه المادة أحكام قانون العمل عوضا عن أحكام القانون الأساسي للعاملين في الدولة).

ومن الجدير ذكره أن القانون يفتح الباب للعمالة الأجنبية، وهو وإن لم ينص عليه صراحة، إلا أن المادة 61 الفقرة (و) والتي تحدثت عن إمكانية تحويل العمال الأجانب لنصف أجورهم تشير إلى ذلك، ما يعني فتح المجال للأبعاد الخطيرةالتي يحملها احتمال ضخ العمالة الأجنبية في الاقتصاد السورية على حساب ملايين العاطلين عن العمل في سورية في الحقبة اللاحقة.

 

خلاصة:

كان هدف القانون واضحاً بـ(تمكين القطاع الخاص من المشاركة...) وهو ما نصت عليه الفقرة (أ) من المادة 2 وغاب أي تأكيد على أي هدف متعلق بالقطاع العام، فعكست هذه الصياغة عقلية واضعي السياسات وتشريعاتهم المانحة لمكتسبات إضافية للقطاع الخاص على حساب القطاع العام وعلى حساب الخزينة العامة للدولة وجيوب المواطن بنهاية المطاف. إن ذلك هو جزء مما نُطلق عليه (آليات اللبرلة وشرعنة مستوى جديد من النهب الاقتصادي)، والذي يجعل من هذا القانون ليس مساً جديداً بخطوط حمراء بل ضوءاً أخضر لإعادة تدوير النهب، وهو ما يدعو لرفضه قانونياً واقتصادياً وحتى سياسياً ليس من حيث المبدأ وحسب، بل ومن خلال التفاصيل التي أبرزنا بعضها للدلالة على مدى هيمنة مصلحة القطاع الخاص على سياساتنا الاقتصادية في هذه اللحظة الحرجة من عمر البلاد وذلك خلافاً لما تقتضيه مصلحة غالبية الشعب السوري ودولته. 

آخر تعديل على السبت, 05 آذار/مارس 2016 13:48