نقاط الخلل تنتج الفساد وتعيق إزالته
منذ حوالي 15 عاماً توقفت أول الشركات الهندسية وهي شركة الأخشاب والمحركات في اللاذقية، واليوم توقفت بردى التي كانت منتجاتها في كل بيوت السوريين، والتي تضم حوالي 470 عاملاً، بين هذا وذاك مر قطاع الصناعات الهندسية بتغيرات كبيرة اتجاهها العام كان التهاوي المتتالي لمؤسسات ومعامل جهاز الدولة والقطاع العام، مقابل زيادة كبيرة في نصيب القطاع الخاص، الذي استطاع أن يحقق إنتاجية وقيماً مضافة أعلى بكثير من مؤسسات القطاع العام، التي سحبت خيراتها لأسباب بنيوية عديدة. لدينا ولدى المختصين والنقابات والمهتمين نقاط وتصورات متعددة عنها، نجمل بعضها هنا، هذه العملية هي مجرد بداية لمسألة عالية الأهمية هي ضرورة فهم مواطن الخلل المفتعلة والموضوعية، التي تحولت إلى آليات تنتج الفساد والنهب موضوعياً، في هذا القطاع الهام، والتي تنسحب على القطاع العام الصناعي كافة..
نقاط أساسية:
• ضعف الإنفاق الاستثماري في قطاع الصناعة وتراجعه، يقابله استمرار السحب من هذه الشركات عن طريق الاهتلاكات، مقابل استمرار خطوط الإنتاج القديمة، وضعف التجديد.
• مركزية تعيق التأمين السريع لمستلزمات الإنتاج، وتقلل من مرونة إنطلاق العملية الإنتاجية وإدارتها الذاتية من قبل المعامل، وبالمقابل هذه المركزية التي تدخل في تفاصيل الإنفاق، تمتنع عن التدخل في تفاصيل التوزيع، وتغض النظر عن تجاوزات للقوانين الأساسية في العقود العامة، التي تلزم الجهات العامة باستيراد مستلزماتها من الجهات العامة، وينجم عن هذا عقود ومناقصات وازدهار لشركات القطاع الخاص العاملة في المجال نفسه، كونها تدفع عمولة.
• الإقراض من الجهات العامة هو طريقة الإنفاق على هذه المؤسسات، بلا تقييم دقيق، أو مطالبة بآجال زمنية للتسديد، وهو ما أدى إلى تراكم القروض على الجهات العامة، وعدم تسديد الأقساط، أي المال العام يقرض بلا تدقيق اقتصادي أو رقابة أو متابعة، ليتم لاحقاً إعلان الديون، وحجز الأموال، وتحميل الشركات والعمال لنتائج سياسات الإدارات اللامسؤولة، التي تبقى خارج المساءلة.
• الهيكل الإداري المتوسع والضخم، ووجود العديد من الحلقات الوسيطة بين المعامل وبين وزارة الصناعة، هذه الحلقات الوسيطة مسؤولة عن التخطيط والتوزيع ومتابعة التنفيذ، إلا أن عملها يبقى خارج التقييم، بينما اتساعها وطفيليتها في بعض الأحيان من المفترض أن يكون على طاولة البحث..
قد لا تجمل هذه النقاط كل مواطن الخلل إلا أنها تشير إلى أوضحها، وهي تكفي لإنتاج الخسائر المتتالية والحلقة المفرغة من عدم الجدوى الاقتصادية التي تصل إلى حد تلغي فيه الجدوى الاجتماعية لهذا القطاع، ولذلك فإن فساد الإدارات نتيجة طبيعية في قطاع مهمل ولا ينال من الاهتمام إلا بعض الشعارات والإعاقات، وقليل من المسؤولية في الرقابة، والمخصصات، وهو ما يجعل هذه الإدارات مفصلة على مقاس الرقابة ومرتبطة جميعاً بعملية سحب مخصصاته وتحويلها موارد للناهبين.