نزار عادلة نزار عادلة

الصناعة والليبرالية وقائع وأرقام

بدأ التراجع في الإنفاق الاستثماري العام منذ  2006 والمطلع على موازنات الدولة حتى العام 2011 يكتشف تغييراً مهماً في التركيب الهيكلي للإنفاق العام يتضمن تراجعاً عن الدور التنموي للدولة. وقد رافق أو تواكب مع ذلك التخلي عن القطاع العام وافتعال العقبات في وجه تطويره.

أرقام فقط

خصص في الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعة التحويلية خلال خمس سنوات استثمارات بلغت 105 مليار ل.س وذلك من أجل تحقيق أهداف القطاع الصناعي المرسومة في الخطة وهي أن تحتل الصناعات التحويلية ما قيمته 15% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع أقل من 9% وأن يرتفع معدل نمو الناتج الصناعي من 2% سنوياً إلى 15% خلال سنوات الخطة.
يعلق اتحاد العمال على ذلك بأن ما طرح يعني أن الخطة تخصص سنوياً ما قيمته 21 مليار ل.س لإصلاح القطاع العام، ويتساءل: هل تكفي الـ 21 مليار بقيمتها الحقيقية وليس الاسمية أي بعد خصم معدلات التضخم منها، هل تكفي للنهوض بالصناعة في القطاع العام وتطويره تكنولوجياً وتحديثه إنتاجياً من جذوره؟

لا تنفيذ

رغم ذلك لم تنفذ الأرقام التي ذكرت ولم يكن ذلك قصوراً بل كان عن سابق تصور وتصميم في سياق اقتصاد السوق وما تبع ذلك من تحرير التبادل التجاري وانعكاسات ذلك بنتائج سياسية واقتصادية نعيشها الآن.
في أعوام سابقة صدرت تعليمات أو أوامر عن رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الصناعة تقول بأن الشركات والمؤسسات التي لا تنفذ خططها الاستثمارية سوف تحاسب، وسألت آنذاك مدير عام شركة هامة: لماذا لا تنفذ بعض الشركات والمؤسسات خططها الاستثمارية؟
قال حرفياً «المدير الذي لا ينفذ خطته الاستثمارية يجب أن يكافأ لأن أكثر الخطط الاستثمارية يتم وضعها من أجل السرقة ومن أجل الفساد».
وجهنا سؤال إلى رئيس الاتحاد المهني للصناعات الغذائية، هل تتناسب هذه الأرقام مع ضرورات الأمن الغذائي؟
يجيب: المؤسسة العامة للصناعات الغذائية شركاتها تتوالى بالانحدار فبعد شركات البسكويت والزيوت في دمشق بدأت شركة ألبان حلب وشركة ألبان دمشق بالانحدار والآن شركة البيرة دون أن تتصرف إدارات هذه الشركات أي تصرف لإنقاذ هذه الشركات والمؤسسة العامة للسكر وشركاتها لم تطور إنتاجها حيث أن شركات السكر تعمل لمدة 90 يوماً فقط وبقية أيام السنة دون أي عمل والسؤال: لماذا لا يتم إنشاء معامل لتضيع الخميرة ونحن بأمس الحاجة إلى هذا المنتج خاصة وأن المواد الأولية متوفرة من معامل السكر. أيضاً المطاحن تتردى وهناك أربع مطاحن متوقفة عن العمل، البنية التحتية موجودة ولكن بلا آلات وفي النصف الأول من العام الحالي تم طحن كمية 293068 طناً من الأقماح في مطاحن القطاع الخاص وبشكل عام تدفع الحكومة 845 ل.س للطن الواحد في الخاص أي ما يعادل مليار ل.س سنوياً وهذا المبلغ يكفي لتجهيز المطاحن.

شركات وفساد

قبل 15 عاماً زرت إدلب بمهمة صحفية واصطحبني رئيس نقابة الغذائية آنذاك إلى مطحنة سنجار والتي كانت مرتعاً للقطط والكلاب ومكباً للنفايات وقال بعد بناء هذه المطحنة والتي كلفت 500 مليون ل.س اشترط مسؤول كبير بأن لا تجهز بالآليات لأنه يريد إقامة مطحنة في المنطقة نفسها وتمت الاستجابة لهذا المسؤول تشجيعاً للاستثمارات في القطاع الخاص هذا قبل اقتصاد السوق والانفتاح والليبرالية.
وتركت منذ ذاك المطحنة مع المطاحن الأخرى دون عمل تشجيعاً للشركات والفساد وليس تشجيعاً للاستثمار.
تكاليف تجهيز المطاحن الأربع وهي مطاحن دير حافر وتلكلخ وسنجار والباب أربع مليارات ل.س ويعني هذا أن ما يدفع للقطاع الخاص خلال أربع سنوات يجهز المطاحن ولم يتخذ هذا القرار رحمة بالقطاع الخاص، علماً أن اصحاب المطاحن الخاصة لو اتخذ القرار لاستطاعوا إنتاج مواد أخرى في مطاحنهم ولا خوف عليهم من التوقف.
قبل عامين وفي سياق الليبرالية طرحت المطاحن الأربع على الاستثمار بإعلان عالمي وقد تقدمت شركة «آلابالا التركية» بعرض قيمته /53/ مليون يورو ورفض العرض ولم يتخذ قرار.

عروض جديدة

الآن كما يقول مدير عام المطاحن لصحيفة محلية إن استكمال المنافسات الخاصة بتزويد أربع مطاحن بالتجهيزات والآلات اللازمة من قبل الجانب الروسي ستتم خلال هذا الأسبوع موضحاً أن التأخير بالتنفيذ يعود لعدم تأمين الاعتماد المادي اللازم ولكن مؤخراً حصلنا من الجهات المعنية على تأكيدات بتوفيرها بعد الانتهاء من المباحثات مع الجانب الروسي وذكر بأن تكلفة المشروع تصل إلى 58 مليون يورو وطاقة كل مطحنة تصل إلى 600 طن يومياً.
أجل اليوم البت في المطاحن الأربع بعد تعثر المفاوضات مع الجانب الروسي.

إلى البداية

نعود هنا إلى البداية وإلى نقطة الصفر «التأخير يعود لعدم تأمين الاعتماد المالي اللازم» وهذه هي الحجة خلال السنوات الماضية.
لا توجد اعتمادات مالية لإصلاح القطاع العام لا توجد اعتمادات مالية لتأمين الأمن الغذائي هكذا كانت تردد حكومة العطري الدردري وتحت هذا الشعار توقفت عشرات الشركات في القطاع العام عن الانتاج.

والوقائع تقول:
إن الاعتمادات موجودة لو أن إرادة البناء والإصلاح كانت موجودة ولو توقف نهب المال العام لأصبح فائضاً في الاعتمادات ولكن...