وسقطت مقولة (اللي مالو بالة مالو عيد)! اللباس فقط نصف الراتب شهرياً
وفقاً لمؤشر أسعار المستهلك الذي يُعدِّه المكتب المركزي للإحصاء، فقد ارتفعت أسعار الملابس في البلاد منذ بداية الأزمة وحتى أيار 2015 بمعدل تراكمي 453,6% عن عام 2010، أي أربع مرات ونصف المرة، حيث يشكل الإنفاق على مكون الألبسة (يشمل الألبسة والأحذية) رابع أكبر مكونات سلة الاستهلاك، بعد الغذاء والسكن والنقل، ويبلغ وزن هذا المكون (55,86 نقطة من أصل 1000 نقطة موزعة على معظم حاجات الاستهلاك، أي 5,5%).
قاسيون تحاول في هذه التغطية توضيح ما تعنيه هذه الأرقام الصمّاء لنا كمواطنين بسطاء، نحن الذين دأبنا طويلاً، وحتى قبل الأزمة، على ضغط نفقات هذا الجانب، بعدم شراء الملابس إلا في المناسبات، وغالباً من أسواق الملابس المستعملة (البالة)، فغدا شعارنا (اللي مالو بالة مالو عيد) جزءاً من طقوسنا المبهجة، ودخل بشكل سلس في ثقافتنا الاستهلاكية الاعتيادية قبل الأزمة، أما اليوم فقد قلبت أسعار الملابس عادات استهلاكنا كلياً، بما فيها أسعار (البالة) التي صارت مكاناً للفرجة فقط لدى الغالبية العظمى.
يتوزع إنفاق الأسرة على مكون الملبس من ضمن مكونات سلة الاستهلاك بشكل رئيسي على شراء مختلف الألبسة، الصيفية والشتوية وغيرها، بالإضافة إلى فترات الأعياد والمدارس، حيث نضطر لشراء الألبسة وخصوصاً ألبسة الأطفال، ولتقدير الإنفاق الضروري الذي تتحمله الأسرة شهرياً سنعتمد على مؤشر أن الأسرة مكونة من خمسة أشخاص (وسطي عدد أفراد الأسرة السورية).
بـ 6 آلاف وما بتدفّي!
سعر السترة الشتوية (الجاكيت) المنتجة محلياً يتراوح بين 6-20 ألف ل.س، أما المستوردة، فهي بين 15-25 ألف ل.س، والبالة عند 7 آلاف ليرة وسطياً، وفيما لو أخذنا متوسط هذه الأسعار سنجد أن سعر السترة الشتوية هو 14 ألف ل.س، أي أكثر من نصف وسطي الأجور الشهري البالغ 26500 ل.س.
وفي الحالة هذه سنغفل لتسهيل الحساب، التباين في الجودة أو التباين في أسعار ملابس النساء والرجال والأطفال، وأخذاً لظروف الأزمة بعين الاعتبار، سنعتمد على أسعار الحد الأدنى الموجودة في السوق وأسعار سوق (البالة)، حيث يبلغ وسطي سعر السترة في مثل هذه الأماكن لـ 6 آلاف ل.س (ملاحظة: الجاكيت تبع الـ6 آلا متل قلتها ما بتدفي وفقاً للتجربة)، وعلى افتراض أن كل فرد يحتاج لسترة واحدة كل سنتين فقط في ظروف الأزمة، فإن التكلفة الشهرية على الأسرة ستكون (1250) ل.س بالشهر أي ما يعادل 5% من وسطي الأجر الشهر.
فردة حذاء بـ 10 آلاف!
بالنسبة للأحذية، فإن وسطي سعر المنتج محلياً منها وبجودة متوسطة يبلغ 4500 ل.س، أما سعر الأحذية الأوربية المستعملة، فهي للمفارقة تتراوح بين 5-20 ألف حسب الجودة، وكأن فردة الحذاء الواحد باتت تكلف 10 آلاف ليرة في بعض الحالات! وفي ما لو اعتمدنا وسطي سعر الحذاء المنتج محلياً، وعلى اعتبار حاجة كل فرد من أفراد الأسرة لحذاء واحد في السنة، فإن التكلفة الشهرية على الأسرة ستبلغ (1875) ل.س، أي ما يعادل 7% من وسطي الأجور!.
بناطيل وكنزات بخمس الراتب!
يحتاج الفرد لشراء بنطالين في العام أي بتكلفة 5 آلاف ل.س بالحد الأدنى للمنتج المحلي، بالإضافة إلى كنزة شتوية واحدة، لكل فرد من الأسرة، حيث يبلغ السعر الوسطي للكنزة 4 آلاف ل.س، وبالتالي تتكلف الأسرة 3750 ل.س شهرياً بفعل كسوة الشتاء، وفيما لو أضفنا ثلاث كنزات لفصول السنة الأخرى بوسطي 1000 ل.س للكنزة، ستصل التكلفة الشهرية 5 آلاف ليرة شهرياً، أي ما يعادل 19% من وسطي الأجور، ما يقارب خمسه.
طبعاً لم تنته الفاتورة عند كل ذلك، ففيما لو أضفنا باقي حاجات الفرد كـ (الملابس الداخلية والجرابات والقبعات الصوفية الشتوية، شحاطة... إلخ) والتي تصل إلى 2500 ل.س للفرد في السنة تقديرياً، أي لو تم شراء قطعة واحدة من هذه الأشياء سنوياً، فإن التكلفة الشهرية للمتفرقات تصل 1000 ل.س عن كل شهر.
أما بالنسبة للباس المنزلي أي (البيجامات)، فإن سعرها لا يقل عن 5 آلاف ليرة وسطياً للفرد الواحد، وعلى افتراض حاجة (بيجاما) واحدة للفرد في السنة، فإنها ستكلف الأسرة 2000 ل.س شهرياً.
عيد ومدرسة تكلف 30 ألف ل.س!
ملابس العيد والمدرسة والمناسبات الأخرى، هي تكاليف تضاف على الأسرة أيضاً، ورغم أن العائلة باتت تقوم مؤخراً بتطنيشها أو تقليلها للحد الأدنى، إلا أنها تدخل بشكل أو بآخر في تكاليف الملبس، ولعدم الخوض في التفاصيل سنكتفي للإشارة أن تكاليف لباس عيد واحد فقط و(لأولاد ثلاثة) بلغت حوالي 17 ألف ل.س وفق حسابات قاسيون في تموز 2015 (راجع العدد 714)، أما تكلفة لباس المدرسة المكمّل لباقي الكسوة (أي بدلة وحقيبة) للأولاد الثلاثة، فقد بلغت حوالي 12 ألف وفق حسبة أخرى لقاسيون في أيلول 2015( راجع العدد 723)، وعليه فإن تكلفة هذه المناسبات تبلغ 2400 ل.س تقريباً عن كل شهر تتكبدها الأسرة الواحدة عن أولاد ثلاثة فقط وفقاً للحدود الدنيا طبعاً.
13,5 ألف لبس «شو ضل» من الراتب!
فيما لو جمعنا التكاليف المختلفة لما شمله مكون اللباس في حساباتنا أعلاه سنجد أن الكلفة الكلية التي تتكبدها الأسرة السورية حوالي: 13,5 ألف ل.س شهرياً وفق الحدود الدنيا، وبمقارنة هذه التكلفة مع وسطي الدخل، فإنها تعادل 51% منه أي أكثر من نصفه، أي أنها تعادل تقريباً 10 أضعاف ما تحدثت عنه سلة استهلاك المكتب المركزي للإحصاء عن أن حصة مكون اللباس والأحذية لا يزيد عن 5,5% (55,86 من 1000 نقطة) من نفقات الأسرة السورية!
مع بداية فصل الشتاء وفي ظل ظروف اللجوء والتشرد الذي تعيشه الآلاف من الأسر السورية، لا بد من التكهن بأن الأسرة السورية التي لن تستطيع غالباً تأمين وقود التدفئة، ربما ستزيد كسوة الشتاء من ألبسة وأحذية، على مبدأ (سمكو) محاولة لدرء البرد.
أما بالنسبة لسد هذه الحاجة فإنه لن يخف على أحد تكيف الأسر السورية التي تختزن إرثاً طويلاً للفقر من السهل استعادته كونه لم يفارقها غالباً، وسنلجأ كما العادة لإصلاح الألبسة القديمة، وتوريث ألبسة (أيام الزمن الجميل) للجيل الجديد، ناهيك عن شراء الألبسة المستعملة من أسواق البالة ولكن هذه المرة من «بالة» الفقراء وليس من «بالة» (الهاي كلاس)، بعد أن أصابت الأزمة سوقها بانقسام طبقي حاد، وسيبقى آخرون كثر خارج هذه الحسابات اليومية والشهرية، ليكسوهم البرد جلداً سميكاً لن تداعبه سياسات الحكومة، هؤلاء سيتخدرون إلى حين موعد مع أمل جديد يطرق أبوابهم المحطّمة!
أرقام مبهمة تحتاج لتفسير رسمي!
المفارقة أن الأسرة السورية كانت تنفق 8,4% شهرياً من دخلها في عام 2010 على الألبسة والأحذية أي ما يعادل 2400 ل.س على أساس أن وسطي إنفاق الأسرة بلغ 30 ألف ل.س شهرياً قبل الأزمة، وفقاً لتقدير الحكومة لوسطي استهلاك الأسر لعام 2009، أما اليوم فينخفض وزن مكون اللباس من ضمن مكونات إنفاق الأسر إلى 5,5% في عام 2015، فهل حقاً تقلص إنفاق الأسر على اللباس بمعدل 3% فقط خلال الأزمة؟! سؤال موجه للمكتب المركزي للإحصاء وللحكومة لتوضيح هذه الأرقام المنشورة على مواقعها الرسمية.