اليوان  إصلاح النظام الدولي .. استيعاب.. أم تغيير!.. قراءة أولية (1/2)

اليوان إصلاح النظام الدولي .. استيعاب.. أم تغيير!.. قراءة أولية (1/2)

في 30 نوفمبر تشرين الثاني 2015، قرر المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي (IMF) الذي يمثل 188 بلداً منضوية في الصندوق، أن العملة الصينية “اليوان” (الرينمبي وفق التسمية المحلية الصينية) أصبحت عملة (قابلة للاستخدام بحرية*)، ما خولها أن تصبح، ووفق القرار أيضاً، إحدى العملات المدرجة في حقوق السحب الخاصة لصندق النقد (SDR)، أي أن اليوان أصبح منذ ذلك الوقت عملة احتياط دولية إلى جانب العملات الدولية الأخرى وهي: الدولار، اليورو، الجنيه الاسترليني، الين الياباني. 

ستسعى قاسيون في هذه المقالة إلى تقديم قراءة أولية للسياق الذي تأتي ضمنه هذه الخطوة الملفتة في النظام النقدي والمالي الدولي، والذي أرسيت أركانه في سبعينيات القرن الماضي بعد انقلاب الرئيس الأمريكي نيكسون على اتفاق بريتون وودز الشهير، وذلك قضى بفك ارتباط الدولار عن الذهب، وهيمنة الدولار على النظام النقدي الدولي.


أوزان الكبار في تغير

بداية ينبغي توضيح أن خطوة صندوق النقد الدولي غيرت تركيبة أوزان العملات الدولية في حقوق السحب الخاصة (SDR)، التي تعادل بمجموعها 318 مليار دولار، وهي عبارة عن احتياطيات تستخدمها المصارف المركزية، وتوضع على شكل حصص لمختلف الدول ليتم استخدامها في الأزمات أو في حالات تسوية مدفوعاتها الدولية. وإن كان حجم هذه الاحتياطيات لا يعبر تماماً عن مدى أهمية هذه الخطوة إلا أنه إجراء ذو أبعاد اقتصادية وسياسية دولية كبيرة وهامة. ومن الملاحظ في هذا السياق أن التركيبة الأوزان السابقة للعملات الدولية ثبتت دور الدولار المهيمن وأضعفت دور اليورو والجنيه بشكل كبير نسبياً، حيث كانت كما هو مبين في الجدول المرفق.
وبمعزل عن النقاش التفصيلي في هذه الجزئيات النقدية الطابع لابد من رؤية هذه الخطوة في إطار عدة محددات أبرزها: اضطرار المراكز الرأسمالية لإصلاح النظام النقدي والمالي الدولي وإنقاذه- محاولة استيعاب الصين لمنعها من خيارات أكثر جذرية- والتأثير على دور الصين الاقتصادي بناءً على التغييرات الاقتصادية التي يقتضيها هذا التطور، والتي سنعالج في هذه المقالة أول محددين منها، ونترك ما تبقى للحلقة القادمة. 


إصلاح النظام النقدي الدولي

تأتي هذه الخطوة إقراراً بعدة أفكار أبرزها أن الأزمة الرأسمالية التي انفجرت في عام 2008 وضعت هيمنة القوى الاقتصادية الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً) مطرح بحث، حيث تعالت الأصوات لإصلاح النظام النقدي الدولي، ففي عام 2009 قال تشو شياو شوان محافظ بنك الشعب الصيني (بنك الصين المركزي) إن: (النظام العالمي المعتمد بشدة على هيمنة عملة واحدة– أي الدولار الأمريكي- كان عرضة بطبيعته للصدمات). وعليه يرى العديد من المراقبين في هذه الخطوة نصراً صينياً، كما أنها إصلاحٌ للنظام الدولي، حيث رأى تيموثي آدامز، رئيس معهد التمويل الدولي، ووكيل وزارة الخزانة الأمريكية السابق، أن ما جرى يعتبر (فوزاً كبيراً لبكين).
بكل الأحوال وبمعزل عن التقييمات السريعة حول «الفائز والخاسر»، ينبغي الإنتباه إلى أن النظام النقدي والمالي الدولي بات بحاجة إلى أكثر من إصلاح، ولامجال لتعداد عيوبه هنا، ولكن يمكن القول أن هذه الخطوة أمنت عملياً إصلاحاً ما له وفق المبادئ النيوليبرالية، فوجود اليوان في احتياطيات صندوق النقد يعني خلق قدرات إضافية لتأمين السيولة الدولية، التي تعاني من الإحجام في ظروف الأزمات، وإن تأمين السيولة، والتي تعد محرك النمو العالمي المتراجع، وجوهر النظام المالي والنقدي وفق المنطق النيوليبرالي، وتعزيز تأمينها عبر صندوق النقد الدولي تحديداً، وهو أحد أهم أدوات النيوليبرالية الدولية، يعني تأمين خطوط إسعافية لكامل النظام القائم، وإسناداً له تحديداً في ظل تدهور اليورو وبدء الحديث عن احتمالية تفكك منطقة اليورو، ومع انخفاض مستوى الثقة بالعملات الدولية التي توسع ضخها بفعل سياسات التيسير الكمي، وتحديداً الدولار.
لذلك من الممكن القول أنه ورغم الصراع الاقتصادي بين المراكز الرأسمالية إلا أن خيار إنعاش النظام النقدي الحالي هو الذي تقدّم بهذه الخطوة، رغم أن هذا الإنعاش ليس حاسماً، فلا أحد يستطيع تحديد اتجاهات سير القوى الاقتصادية الدولية في المستقبل القريب بعد هذه الخطوة، وتحديداً الصين.  


منع الصين من الخطوات الأكثر جذرية

بناء على هذه الخطوة فإن حصة اليوان في احتياطيات المصارف الدولية، سترتفع من1,1، إلى 5,5%، خلال السنوات الخمس القادمة، علماً أن حصة اليوان من التجارة الدولية تبلغ 13% حالياً وذلك وفق ما أوردته وكالة بلومبيرغ. كما يتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاعاً في حجم الطلب على السندات الصينية، والذي بلغ في عام 2014، حوالي 94 مليار دولار، ويدعم جينغ أولريش، نائب رئيس مجلس إدارة بنك جي بي مورغان في آسيا والمحيط الهادئ هذه الفكرة، حيث يتوقع تدفقات مالية خارجية تجاه السندات الصينية بقيمة 350 مليار دولار خلال فترة السنوات الخمس القادمة، كما توقع بنك مورغان ستانلي الأمريكي تدفقات مالية بقيمة 2 ترليون دولار خلال 10 سنوات.
إن هذه المبالغ تعني زيادة قدرة الحكومة الصينية على التوسع بنفقاتها كما تعني رفع معدلات النمو الصينية التي بدأت بالتباطؤ في عام 2015، فكيف يقدم صندوق النقد، الذي تهيمن عليه الإرادة الأمريكية، كل هذه الإمكانات للصين وتحديداً في ظل الصراع الاقتصادي المفتوح مع الصين؟!

 


الصين بحثاً عن الانقلاب

حتى نستطيع الإجابة على التساؤل السابق، علينا أن نعرف أن نشاط الصين الاقتصادي المتصاعد خلال العقد الماضي بات يهدد الوضع الاقتصادي وحتى السياسي للولايات المتحدة، ليس في المدى الاستراتيجي وحسب بل في المدى المنظور.
حيث تعد الصين ثاني قوة اقتصادية بعد الولايات المتحدة الأمريكية بـ (10,3) تريلون دولار، وهي القوة الأولى اقتصادياً في حال أخذنا مقياس (الناتج المحلي الإجمالي وفق تعادل القوة الشرائية)، كما أن 40 مصرفاً مركزياً في مختلف أنحاء العالم باتت تستخدم (اليوان) كعملة احتياطيات خلال الفترة الممتدة بين (2010-2014). الصين، ووفقاً للمحللين الاقتصاديين في محطة (CNBC) الأمريكية، مارك فاهي، ونيكولاس ويلز، فإنه و(بفعل أسباب سياسية فمن الممكن أن يطيح اليوان بهيمنة الدولار على حقوق السحب الخاصة خلال السنوات الخمسة القادمة)، وذلك بناء على تزايد دور اليوان في التجارة الدولية. 
في سياق موازٍ أطلقت الصين مبادرة اقتصادية استراتيجة وهي مشروع «طريق الحرير» كما كان لها اليد الطولى في إنشاء بنكين دوليين، بنك البريكس للتنمية، وبنك آسيا للاستثمار في البنية التحتية، وإنشاء صندوق للتحوط النقدي. كما شرعت الصين في 8 تشرين الأول 2015، بإطلاق نظام صيني لتسوية المدفوعات بالعملة الصينية على غرار منظومة سويفت الدولية (SWIFT)، حيث ستؤمن هذه المنظومة خدمات المؤسسات المالية، والتجارة والاستثمار والتمويل، والتحويلات المالية.

 

مناورة أمريكية!

طبعاً أمام هذا التقدم الصيني في اتجاه إنشاء منظومة مالية ونقدية موازية للمؤسسات الدولية المهيمن عليها أمريكياً (صندوق النقد والبنك الدوليين بشكل رئيسي) ومع وجود حظوظ كبرى لدعم هذه الخطوات من حلفائها المناهضين للولايات المتحدة، كان لا بد من تغيير الموقف الأمريكي الذي رفض خطوة دخول اليوان لاحتياطات صندوق النقد في عام 2010، فالأمر بات ملحاً، وعليه جاء هذا التنازل مشفوعاً بما أبدته الصين من «مرونة» في تعديلات في نظامها النقدي، وإجراءات تحريرية محفوفة بالتساؤلات، والتي تراها ضرورة لانطلاقة أكبر تأخذ فيها حجمها الطبيعي المتزايد على الساحة الدولية، والتي ستكون محط نقاش الحلقة القادمة.

هوامش:
*يبنغي الإشارة إلى أن هناك فرق بين العملة القابلة للتحويل بشكل كامل، والعملة القابلة للاستخدام بحرية، فالأولى تستدعي مستويات تحرير أعلى في حساب رأس المال في ميزان المدفوعات، وهي مرحلة لم يصلها اليوان بعد.