زيت الزيتون..  يتضاعف كل عشر سنوات.. وأحوال المزارعين إلى تراجع!

زيت الزيتون.. يتضاعف كل عشر سنوات.. وأحوال المزارعين إلى تراجع!

 شكل الزيتون مورداً رئيسياً أو ثانوياً لحوالي ربع سكان سورية وفق دراسات سورية في عام 2006*، بين المزارعين المتوزعين على 125 ألف قطعة أرض (حيازة) مزروعة بالزيتون، والعاملين الزراعيين، وبين أصحاب المعاصر، وتجار الجملة، وبين مصنعي الزيتون، والعاملين في تكراره في المصانع، وتخزينه وغيرها. 

تعيد وتكرر التصريحات الرسمية الموقع الريادي للإنتاج السوري عالمياً، وعربياً، وبالفعل تشير معلومات الإنتاج العالمي إلى أن كميات إنتاج الزيت في سورية، تضعنا في المرتبة الثالثة عالمياً، والأولى عربياً بالشراكة مع تونس بكميات إنتاج بلغت في كلا البلدين: 150 ألف طن زيت في عام 2014 وفق ما تسجله أرقام الإنتاج العالمية الموثقة بأرقام صندوق النقد الدولي، بينما تحتل تركيا المرتبة الثانية عالمياً بـ 170 ألف طن، أما المنطقة الأكثر إنتاجاً عالمياً، فهي مجموع دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة (27 دولة) والتي أنتجت مليون و600 ألف طن زيت في عام 2014*.

2014.. توقف التراجع!

 تعتبر كمية 150 ألف طن رقماً هاماً، رغم تراجعها عن إنتاج  الذروة في عام 2010 والبالغ 196 ألف طن، حيث أن إنتاج 2014 يسجل توقف التراجع، حيث معدل النمو سجل صفراً %، دون زيادة أو نقصان!، ويأتي ذلك بعد ثلاث سنوات من تراجع الإنتاج، حيث تشير الأرقام العالمية إلى انخفاض إنتاج الزيت السوري في أعوام: 2011-2012-2013 بمقدار: -16%، -6%، -3% بالترتيب.

 كما أن هذا الإنتاج يأتي في ظروف الأزمة حيث مناطق سورية الأعلى إنتاجاً هي أكثر المناطق (حرارة) وخطورة، والحديث طبعاً عن حلب وإدلب وهما تسجلان وسطياً 45% من إنتاج الزيت السوري، و 20% من عدد الأشجار المثمرة بإنتاجية عالية، بحسب إحصائيات وزارة الزراعة لعام 2011.

تضاعف الإنتاج كل عقد..

الطابع المعاوم للإنتاج واضح، حيث أن سمة إنتاج الزيتون أنه ينتج في أحد الأعوام، و(يستريح) في العام اللاحق، حيث تتراوح نسب النمو بين السالب، والموجب طوال فترة 50 عام بين (1964-2014) باستثناء أعوام: 2008-2009-2010 التي شهدت نمواً دون تراجع: 28%، 15%، 20% بالتتالي، بالإضافة إلى أعوام الأزمة الثلاثة المذكورة سابقاً التي شهدت تراجعاً مستمراً.

عام الذروة في الإنتاج السوري، هو عام 2010 حين بلغت كميات إنتاج زيت الزيتون: 196 ألف طن، وعموماً فإن نمو الزراعة وتوسعها يسجل أرقاماً هامة، حيث أن 50 عاماً  تقريباً من الإنتاج في سورية، ضاعفت كميات إنتاج الزيت قرابة 5 مرات فبين إنتاج عام 1964 البالغ: 26 ألف طن، وإنتاج  عام 2014 البالغ: 150 ألف طن في الأزمة، نسبة نمو 476% تقريباً، أي نستطيع القول بأن إنتاج زيت الزيتون في سورية يتضاعف كل 10 أعوام تقريباً يستثنى منها المرحلة من 2010-2014.

النمو يستمر في إحصائيات (الزراعة)!

 الأرقام الحكومية تشير إلى أن إنتاج سورية من الزيت يتزايد خلال الأزمة حيث بلغ 208 ألف طن زيت في عام 2011، وتراجع إلى 193 ألف طن في عام 2012!. الحكومة أيضاً تتوقع بأن إنتاج العام الحالي 2015 من الثمار سيبلغ مليون طن، سينتج عنها تقريباً 180 ألف طن زيت زيتون، وفق تصريحات مدير مكتب الزيتون في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي!، أي أن إنتاج الثمار سيساوي كميات إنتاج الثمار في عام 2011، الحكومة لم تقدم تصريحات رسمية أو منشورة حول إنتاج عامي 2013-2014 بينما أتت التقديرات من تصريحات لكبار المصدرين وأصحاب المعامل وتجار الجملة المسؤولين عن (مجلس الزيتون السوري)، حيث أشار رئيس المجلس سامي الخطيب أن إنتاج الزيت السوري سيبلغ 80 ألف طن في عام 2014، بتراجع 50% عن عام 2013.

مديرية زراعة طرطوس تشير إلى أرقام مرتفعة لإنتاج المحافظة التي كانت تنتج 7% من إنتاج سورية من الزيت فقط وفق أرقام الوزارة الأخيرة في عام 2012!، حيث من المتوقع أن تنتج طرطوس120 ألف طن ثمار، أي حوالي 12- 18 ألف طن من الزيت تقريباً، وهي نسبة 10% تقريباً من الإنتاج السوري المتوقع حكومياً، بعد أن أنتجت في العام الماضي: 40 ألف طن ثمار تقريباً، أي أقل من 4000 طن زيت.

22500 ليرة كلفة الدونم و10% للمعصرة

يمكن أخذ المحافظة كمعيار على واقع إنتاج الزيت، وواقع مزارعيه، وعوائدهم، على اعتبارها منطقة معزولة نسبياً عن تأثيرات الأوضاع الامنية عالية الخطورة، إي لقياس تأثيرات العوامل الاقتصادية المباشرة على المزارعين، والمقارنة مع تقديرات الحكومة..

والجدول المرفق يبين عناصر التكلفة على الدونم والمكونة بشكل أساسي من أجور عمل زراعي بمراحله وسماد، فالزيتون لا يحتاج إلى مستلزمات إنتاج زراعية أولية مرتفعة التكلفة، ونضع هنا افتراضات رئيسية:

 وسطياً يحتوي الدونم على 20 شجرة.

 وسطياً تنتج الشجرة 2,5 تنكة (صفيحة) ثمار زيتون: 13 كغ زيتون.

وسطياً تنتج التنكة رطل زيت: 2,5 كغ.

إنتاج الزيت في الدونم: 20×2,5×2,5= 125 كغ زيت.

حصة الاستهلاك المنزلي 15% في المساحات الصغيرة.

 

بعد توزيع هذا الربح على عامين تكرر فيها تكاليف العناية بالأرض وفلاحتها وتسميدها يتبقى للمزارع دخل صافي سنوي من دونم الزيتون:

26 ألف ل.س!

26000 ل.س ربح صافي في عام!

يحقق المزارع من دونم الزيتون، إذا ما باع بسعر 900 ل.س للكغ، وإذا ما طابق المعايير الوسطية عائداً صافياً قرابة 64 ألف ل.س.

إلا أن عامل التأثير الأهم، هو الطبيعة المعاومة لهذا الإنتاج، فالمزارع ينتج موسم، ويبيع، إلا أنه يخزن (مونة عامين) والتي تتراوح بين 10-15% بحسب حجم الإنتاج، مما يقلل من كميات بيعه وبالتالي عوائده، كما أنه يعيد دفع كلف 12 ألف ليرة (تنظيف الأرض والتقليم والحراثة وحتى السماد) خلال عامين، يدفعها في العام التالي، ولا يحصل على موسم، فتكون الـ 64 ألف ليرة الربح المحقق في عام الموسم، ناقصاً منها 12 ألف ليرة كلف عناية بالأرض والأشجار في العام التالي غير المنتج. 

أي يكون العائد الصافي خلال عامين وموسمين أحدهما منتج والآخر غير منتج: 52 ألف ليرة سورية (90- 12 ألف)، أي عائد صافي: 26 ألف ل.س من دونم الزيتون في العام.

 تنقص هذه العوائد الوسطية وتزداد تبعاً لجملة عوامل مؤثرة، فالمزارع يستهلك كمية هامة من ثمار الزيتون، وزيت الزيتون، أي تنقص أرباحه المباشرة، ولكنه يحصل على سلعة الزيت والزيتون بسعر الكلفة، بالمقابل يحقق المزارع وفورات نتيجة قيامه بالعمل بالمشاركة مع العمال أو عوضاً عنهم، وذلك حسب المساحة، وتعداد الأسرة، كما تختلف حصة المعاصر لتصل إلى 12- 15% في بعض المناطق، مؤثرة سلباً على عوائد المزارعين.

مزايا الزيتون ومسالبه!

عملياً يعتبر الزيتون، قياساً بالأشجار المثمرة الأخرى، كالحمضيات، ذا عائد أعلى، نتيجة عدة عوامل، فحاجته إلى ساعات وأيام العمل أقل، بالإضافة إلى عدم حاجته إلى الكثير من المستلزمات، باستثناء أجور العمل، والسماد، كما أنه يؤمن استهلاك المزارع من مادة رئيسية، ويحقق وفورات في تأمين كلف الغذاء، يضاف إلى ذلك أن سوقه المحلية لا تزال بجزء هام منها، تنتقل من المنتج للمستهلك، أي أنها متحررة نسبياً من سطوة تجار الجملة، الذين يصلهم 53% من الإنتاج، وفق دراسات للبحوث الزراعية في عام 2005، جزء هام منه ياتي من حصة معاصر الزيتون من الزيت، ولا بد ان هذه النسبة قد ارتفعت حالياً. 

 يعيق مزارعي الزيتون عامل المعاومة أي كونه ينتج في عام ولا ينتج في الآخر، كما يعيقه الأمراض التي تؤدي إلى خروج مساحات هامة من الإنتاج، فبحسب الإحصائيات الزراعية لمحافظة طرطوس، فإن مساحة 5000 هكتار، مصابة بمرض (عين الطاووس) الذي تتعرض له المناطق الرطبة، والأودية بشكل رئيسي، بينما تقديرات المزارعين بأن المساحات المصابة أكبر من ذلك!.. بكافة الأحوال لا توجد حتى اليوم أدوية كميائية لمعالجة المرض، لأنها بحسب مديرية الزراعة لا تحقق جدوى اقتصادية، وقد تم اعتماد طريقة المكافحة الطبيعية (بتطعيم) الأشجار المصابة بغراس من أنواع زيتون مقاومة: (السكري، والعيروني)، وذلك بحسب المديرية سيأخذ 10 سنوات، لتتم عمليات التطعيم، وتزيل المرض!.

 هوامش:

*دراسة إحصائية لواقع زراعة الزيتون في سورية- د.يمن منصور-جامعة تشرين-2006.

* موقع إحصائي عالمي index-mundi لنشر أرقام منظمات الإحصاء الدولية.

30 ألف طن..  تصدير الزيت يتوسع!

 

تعتبر زراعة الزيتون من أكثر أنواع الزراعات استقلالاً عن السوق العالمية، أي أنها لا تحتاج إلى مستلزمات إنتاج مستوردة مرتبطة بسعر الدولار، إلا أن أسعار زيت الزيتون السوري، شهدت ارتفاعاً سريعاً خلال عامي 2013-2014، لينتقل سعر الكغ من 200 ل.س إلى 900-100 ل.س بنسبة ارتفاع تصل 400% وهي تقارب ارتفاع المستويات العامة للأسعار، وقد يكون هذا الارتفاع منطقياً في سياق انخفاض قيمة الليرة، إلا أنه يحتاج إلى تفسيرات أخرى في حالة زيت الزيتون السوري، الذي لطالما عانى مزارعوه من صعوبات كبيرة في تسويق إنتاجهم، بسبب وجود فائض يتراوح بين 30-60 ألف طن سنوياً بشكل وسطي..

 فأين اختفى الفائض؟ ولماذا لا يخفف وجوده من أسعار الزيت، الذي أصبحت تكلفة (مونته) بمقدار 20 لتر سنوياً لأسرة من خمسة أشخاص تقارب الحد الأدنى للأجر؟! 

تشير أرقام صادرات زيت الزيتون العالمية، إلى أن سورية استمرت بتصدير الزيت خلال الأزمة وبكميات متزايدة نسبياً، حيث صدرت في عام 2011: 22 ألف طن، 2012: 27 ألف طن، 2013: 30 ألف طن، 2014: 30 ألف طن، أي أن نشاط التجار الخارجي كان يتوسع رغم أن الإنتاج المحلي يتراجع، حتى قدره التجار أنفسهم بالنصف في عام 2014!. هذا عدا عن التهريب على الحدود التركية من كل من حلب وإدلب، واللاذقية،  والحدود الأردنية حيث تنتج درعا كميات هامة، وكذلك الحدود اللبنانية في جنوبي طرطوس، وغربي حمص.

 بالمقابل أسعار زيت الزيتون العالمية في ارتفاع مستمر خلال الأعوام المذكورة، مفسرة أسباب التوسع وقد سجلت:

12-2011: 2,96 $/ كغ

12-2012: 3,41$/ كغ

12-2013: 3,61$/ كغ

12-2014: 4,48$/ كغ

11-2015: 5,17$/ كغ

سعر الكغ عالمياً: 1800 ل.س تقريباً (بسعر صرف 350 ل.س/$)، يحصل المزارع من تاجر الجملة على سعر 800-900 ل.س، ويحصل التاجر على عائد تجارة خارجية بالمقدار ذاته تقريباً، أي ربح 100%.

 لذلك لا يتوقع مع انخفاض قدرات السوريين على الاستهلاك، ومع خروج مساحات واسعة من الإنتاج، ومع استمرار وتوسع التصدير، أن تنخفض أسعار زيت الزيتون، بل ستبقى أسعاره ترتفع مع السعر العالمي، لتحقق عوائد بسيطة للمزارعين مرهونة بتكاليف إنتاجهم، وحاجات استهلاكهم الذاتية، والمساحات الصغيرة التي يزرعون فيها! ولتبقى عوائد ارتفاع سعر زيت الزيتون العالمي، لقوى السوق القادرة على تعبئة الزيت من منتجيه، وتصديره للخارج، أو بيعه بأسعار احتكارية مرتفعة للمستهلك السوري، القادر على الدفع فقط!.

أما الدولة وجهازها الاقتصادي فهي خارج هذا القطاع، سواء بالدعم أو التسويق، أو التصدير، متكفلة بالتصريحات والمشاريع والوعود، بينما الفعل متروك لقوى السوق، لتحدد عائد المزارع والثمن الذي يدفعه المستهلك، وحصتها من هذا المنتج السوري الهام.