(موتوا جوعاً أو بارتفاع الأسعار) لسان حال «غرفة تجارة»!

(موتوا جوعاً أو بارتفاع الأسعار) لسان حال «غرفة تجارة»!

(علاقة اتحاد غرف التجارة مع الحكومة كانت وما زالت موضع ثقة لدى جميع الحكومات التي مرت على سورية، تأخذ الحكومات المتعاقبة برأي غرفة تجارة دمشق واتحاد غرف التجارة ويتم إشراكها عند وضع القوانين والتشاور معها عند مواجهة التحديات) هذا ما نقلته إحدى الصحف المحلية عن رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، والذي سنعالجه بناء على ما نُقل.

تضيف الصحيفة أن رئيس الغرفة رأى في الحكومة الحالية أنها (الأفضل في هذا المجال فقد أعطت اتحاد غرف التجارة دوره الحقيقي والفعلي والضروري في هذه المرحلة للمساهمة في تجاوز الأزمة)، طبعاً لا يمكن لعاقل أن يختلف معه على هذه الحقيقة التي يلمسها كل مواطن بأسعار السوق المرتفعة باستمرار، والتي لم تزد لارتفاع التكلفة فقط كما تدعي «غرف التجارة» بل أيضاً لارتفاع هوامش أرباح التجار!.

رد ناعم على غرف الصناعة!

ليس صعباً أن نقول إن مصالح هؤلاء تقف على النقيض من مصالح فقراء الشعب المكتوين بأسعارهم النارية في ظل تعامي الحكومة عن أرباحهم، وتقديم كل التسهيلات لهم مقابل تطنيش مآسي المواطنين. زد على ذلك أن غيظ المواطن البسيط اليوم يتوازى مع امتعاض اتحاد غرف الصناعة، الذي عبر عن تضرره من تزايد دور التجارة الخارجية على حساب الصناعة الوطنية، قبل الأزمة وخلالها، وكانت العلاقات التجارية مع تركيا أهم ساحات التعبير عن هذا الامتعاض التي انتقدها اتحاد الصناعة بشدة وطالب بتغييرها، ما اضطر غرف التجارة لرد ما.

تنقل الصحيفة في الخبر ذاته عن رئيس غرف التجارة أن (الغرفة كانت وما زالت تؤكد ضرورة فصل العمل الاقتصادي عن العمل السياسي، فالعلاقات الاقتصادية هي منارة وسط بحر هائج تهتدي بها الشعوب ومهما كان الوضع السياسي متأزماً مع النظام التركي ولكن نجد دائماً تعاطفاً من الشعب التركي مع قضايا سورية العادلة)، وكأننا نحن من بدأ العقوبات واستخدام الاقتصاد كساحة حرب على الشعب السوري ودولته، كما وكأننا لم نصل إلى تقييم علمي لطبيعة العلاقة التجارية سواء مع تركيا أو مع الغرب عموماً، لتوضيح أن المشكلة ترتبط بـ(التبادل اللامتكافئ) وتباين بنى الإنتاج، الذي يستدعي حماية في العديد من الأماكن بدل التحرير الشامل.

هل يريد التجار

قطع العلاقات مع تركيا؟!

طبعاً حتى من تلك الجمل تبدو غرفة التجارة من المعارضين لقطع العلاقات التجارية مع تركيا، إلا أن رئيسها استدرك وقال بأن التجار: (يرون في الوقت الحالي ضرورة وقف العمل الاقتصادي مع تركيا لأن ما يجري ليس عملاً تجارياً وإنما هو تهريب بين البلدين واستنزافاً للموارد السورية من دون دراسة، وهذا ما ندعو إلى إيقافه). 

هنا يبدو الحديث ملتبساً وكونه منقولاً من صحيفة أخرى، فلا مجال إلا لفتح التساؤلات، فهل أراد رئيس الغرفة أن يعطي انطباعاً جيداً عن العلاقات السابقة ما قبل الأزمة مقابل الطابع السلبي للعلاقة في ظل الأزمة؟ أم قصد أن ما يتم من أعمال تجارية (شرعية) في ظل الأزمة هو أمر جيد، أما ما جرى من سلب ونهب للمنشآت هو أمر سيئ وهو ما ينبغي إيقافه وحسب؟! أم أنه مع وقف كامل العلاقة حالياً بأعمالها الشرعية وغير الشرعية؟! 

لا تبدو الإجابة واضحةً، أو ربما أُريد لها ذلك، رغم أن تقييم رئيس الغرفة للعلاقة مع تركيا قبل الأزمة بدا إيجابياً في باقي التصريح حيث يؤكد أن:

(العلاقات السورية التركية شهدت تطوراً ملحوظاً وعلى جميع المستويات .. ما أدى إلى تطور إيجابي للعلاقات الاقتصادية وتحسين المبادلات التجارية بتسهيل حركة السلع والخدمات وخاصة بعد تحرير التجارة السلعية بين البلدين مع توقيع اتفاقية الشراكة بين البلدين)، ويضيف أن: (إيجابيات هذه العلاقة تمثلت بالعديد من المزايا أبرزها خلق التجارة أي استيراد منتجات أقل تكلفة من أحد البلدين محل المنتجات التي كانت تنتج بتكلفة أعلى، أي تحويل الإنتاج من الدولة ذات تكلفة الإنتاج العالية إلى ذات التكلفة المنخفضة، ومن ثم تحقيق رفاه اقتصادي لكلا البلدين). 

حريٌّ هنا أن يُسأل الرجل عن أي رفاه يتحدث، رفاه التجار؟ أم مآسي إغلاق ورش صناعة الأثاث في الريف الدمشقي وغيره؟ وعن أي انخفاض للتكلفة في الإنتاج يتحدث؟ هل من مذكر له بأن وسطي الأجر لم يكن يتجاوز 11 ألف ل.س مقابل ارتفاع وسطي تكلفة المعيشة إلى 30 ألف! 

طلع العيب فينا!

رئيس غرف التجارة كان واضحاً بالإشارة لسلبيات ما لهذه العلاقة لكن التجارة ليست مسؤولة عن ذلك بل: (ضعف البنية الصناعية في سورية بالمقارنة مع تركيا لم تستطع الورشات والمنشآت الصغيرة العاملة في السوق السورية منافسة المنتج التركي لا من حيث الجودة ولا من حيث السعر، وأيضاً هناك عامل نفسي في تركيب المستهلك السوري بأن البضائع الأجنبية). 

هنا مرة أخرى يذكرنا رئيس الغرفة بأن مصالح التجار التي حققتها تلك الاتفاقيات كانت على حساب مصالح الصناعيين، لكن المسؤولية في ذلك تقع على عاتق «عوامل ضعف الصناعة السورية»، التي لم يشأ توضيحها، و»ثقافة المواطن» التي تفضل الأجود، وهنا يبدو وكأن التجار يتملصون من المسؤولية أوليس هم من دفعوا شعار «تحرير التجارة قاطرة للنمو» ولا زالوا يطالبون بالمزيد من التحرير؟! ألم تتبن الحكومة مطالبهم، ما أعاق تطور الصناعة؟!  

اختاروا!

رئيس غرف تجارة دمشق يؤكد لنا كما الحكومة، أن: (الأسواق السورية تحوي جميع البضائع، وعلى الرغم من أن ارتفاع الأسعار لكنه أفضل من فقدان المواد من السوق، حيث سيكون الوضع أسوأ). وكأن المواطن أمام خيارين، فإما الموت جوعاً من فقدان السلع أو الموت جوعاً وقهراً من ارتفاع الأسعار، وكأن اقتصادات العالم لم تعرف حلولاً أخرى تقول بتدخل الدولة لتأمين السلع بأسعار مخفضة أو تحديد مستويات ربح التجار بالتسعير الإداري في ظل الحرب!

أن تكون سياسات الحكومة بخدمة التجار هو أمر يستدعي مديح التجار بكل حق، ولو كانت سياسات الحكومة بخدمة المواطن لسمعنا منه المديح تلو الآخر، لكن أنين الشارع أصدق من الجميع، أفلا تعقلون!