نصف الدخل الوطني الأمريكي على الأقل.. مضخم!

نصف الدخل الوطني الأمريكي على الأقل.. مضخم!

-30% في الخمسينيات / قاس اقتصاديون سوفييت الدخل الوطني للولايات المتحدة الأميركية في عام 1958 بطريقة الحساب الماركسية فتبين أن الدخل بالطريقة الشائعة عالمياً مضخم بمقدار 30%.
والتضخم الرئيسي كان في القطاع الحكومي وهو الذي كان يشكل حينها 12% من الدخل، حيث يحصل القطاع الحكومي على عوائده من إعادة توزيع الثروة المنتجة في القطاعات الإنتاجية، لذلك يعتبر مكرر. وكذلك الأمر وفي قطاع المال والتأمين الذي لا ينتج ثروة جديدة بل يدور رؤوس الأموال ويقرضها، وكان  يشكل حينها 10% من الدخل الاميركي.



 

-54% حد أدنى حالياً

ولتقدير حجم التضخم اليوم ينبغي أن نشير إلى أن القطاع الحكومي يشكل 37% من الناتج، بينما  المصارف والتأمين والتمويل العقاري تشكل 17%، وكل من القطاعين تدخل بالتأكيد في الحسابات المكررة. أي أن حجم الدخل الوطني في الولايات المتحدة اليوم، أقل بمقدار 54% بالحد الأدنى!.
وبشكل عام فإن استخدام القدرات الصناعية في الولايات المتحدة الاميركية يتناقص من  وسطي 82% في المرحلة بين 1981-2004، إلى 78% في 2005، ما يدل على تراجع الإنتاج الحقيقي، مقابل توسع القطاع المالي والخدمي، وأوضح تعبير عنه هو وصول الدين الحكومي الأميركي للقيام بعمليات الإنفاق إلى 96% من الناتج الإجمالي، ما يدل على أن جزءاً كبيراً من الإنفاق والإنتاج الحكومي كان يتم عبر الدين وطباعة النقود، وليس من الربح المتراكم من عمليات الإنتاج الحقيقي..

 

التضليل وإخفاء الحقائق

إن عدم تحديد القطاعات المنتجة فعلياً للثروة، والقطاعات التي تحصل على عوائدها، يؤدي إلى تضخيم أرقام الناتج الوطني، والدخل الوطني، وتضخيم أرقام النمو الاقتصادي، لذلك فإن طرق القياس الرأسمالية، ليست مبنية على منهج خاطئ فقط، باعتبار أن كل نشاط إنتاجي هو خالق للثروة، بل هي تساعد في تضليل الكثير من الحقائق، وتمنع التنبؤ العام بالأزمات ويمكن أن نلخص آثارها:
تخفي حقيقة كون العمل هو مصدر خلق القيمة المنتجة مجدداً، وخلق الثروة الاجتماعية عموماً، عندما تضع كل العوامل الإنتاجية على قدم المساواة.
تخفي طبيعة الاستغلال والتوزيع الرئيسي للقيم المنتجة مجدداً، أو للدخل الوطني، بين الأجور والأرباح، أي بين الطبقة العاملة المنتجة، وبين مالكي وسائل الإنتاج الرأسمالي.
تعتبر أن كل القطاعات مشمولة بالتساوي في عملية الإنتاج الاجتماعي، ما يخفي تشوه العمليات الإنتاجية، والانزياح من مراكمة رأس المال أي الموارد البشرية المتراكمة في توسيع القطاعات الإنتاجية، إلى مراكمة رأس المال في القطاعات المالية المصرفية والمضاربية التي لا تقوم بإنتاج الثروة والقيم الجديدة، بل تدورها وتعيد توزيعها فقط.
تؤدي إلى تضخيم أرقام الناتج، والدخل، لتغطية الأزمات والتراجع في الإنتاج الحقيقي من جهة، والسماح بمزيد من التضخم المالي، سواء عبر طباعة النقود، أو عبر تضخم حجم المشتقات النقدية المستخدمة في البورصات والأسواق العالمية، وفي التجارة الدولية. حيث أن التضخم النقدي مقابل التراجع السلعي، يتيح تقليص قيمة العملات وبالتالي تقليص قيمة الأجور الحقيقية، وزيادة الأرباح إلى حد كبير.
إن تضخيم الأرقام الناجم عن تضخم القطاعات المالية والخدمية، يخفي تراجع الإنتاج الحقيقي كما ذكرنا، ويخفي تراجع إمكانيات الاستهلاك الاجتماعي، ولذلك فإنه يخفي عمق الأزمات الاقتصادية، ويمنع التنبؤ العام بها، إلا في المواقع المعرفية المتقدمة، التي تعي تماماً أن توسيع القطاع المالي والنقدي والخدمي، هو هروب نحو الأمام، وتعبير عن عمق الأزمة!.

 

تضخيم الناتج السوري.. قرابة الربع!

الماركسية تعتمد في تقدير الناتج الإجمالي للمجتمع على الإنتاج الحقيقي، في المواضع التي يتفاعل فيها العمل البشري، مع وسائل الإنتاج بمختلف أنواعها، وينتج عن هذه العمليات سلع وقيم استعمالية، ويضاف إليها الخدمات التي ترتبط بالعمليات الإنتاجية مثل تجارتها، والنقل وغيرها.
أما قطاعات المال والتامين والعقارات، والخدمات الحكومية، وخدمات المجتمع والخدمات الشخصية، والرسوم الجمركية، وهي مكونات من الناتج المحلي الإجمالي وفق التصنيف العالمي، الذي تتبعه سورية، فهي بمجموعها قطاعات غير إنتاجية، بل ما ينتج فيها من خدمات، ناتجة عن إعادة توزيع الدخل إليها من القطاعات الإنتاجية الحقيقية وهي بشكل رئيسي: الزراعة- الصناعة والتعدين- البناء والتشييد- تجارة الجملة والمفرق- النقل والمواصلات والتخزين والتي قد يؤدي التدقيق فيها إلى حذف مكونات غير منتجة منها.
فما هو حجم التضخيم في الناتج الإجمالي المحلي السوري، بعد حذف القطاعات غير المنتجة المكررة الحساب:
عام 1990:
نسبة قطاعات الإنتاج الحقيقي: 84%- حجم التضخيم: 16%
عام 2010:
نسبة قطاعات الإنتاج الحقيقي: 77%- حجم التضخيم:  23%.
ازداد وزن القطاعات غير الإنتاجية من الناتج الإجمالي المحلي بمقدار: 7% خلال عقد من الزمن.
واقترب حجم التضخيم من ربع الناتج الإجمالي.
ويعكس هذا الاتجاه التوسع الليبرالي في سورية، الذي يحفز الاستثمار الخاص، ويؤدي إلى تراجع دور الدولة الاقتصادي، والتي كانت تساهم بنسبة كبيرة، في توسيع القطاع الإنتاجي الحقيقي، بينما سعت رؤوس الأموال الخاصة والخارجية منها، إلى قطاعات الخدمات في السياحة تحديداً وإلى قطاع الاستثمار المالي والمصرفي. وكلا القطاعين لا ينتج قيماً جديدة، بل يستخدم ما ينتج من قيم منتجة مجدداً مولودة حصراً في القطاعات الإنتاجية الحقيقية.

أن لا يمتلك الإحصاء الاقتصادي العالمي المعيار البسيط القائل بان الثروة تخلق من العمل البشري المنتج ومن النشاطات التي تدعمه، لا يدل على القصور المعرفي، بل يدل على وظيفة لمؤسسات تنظيم النشاط الاقتصادي العالمي بتغطية تشوهات الإنتاج والتوزيع.
إلا أن الأرقام المشوهة والمضخمة للنمو والنواتج والدخول، لا تستطيع ان تحجب الحقائق التي تتدافع اليوم في وجه قوى رأس المال العالمي، ومؤسساتها. وتدفع الأكاديميين الموضوعيين لمحاولة تفسير، أسباب انفجار الأزمات، وأسباب وجود هذه الثروات الرقمية المالية كلها، يقابلها تراجع الإنتاج الحقيقي وزيادة الفقر والبطالة والدين!.