الصين: تنقل الأزمة الاقتصادية لمرحلة جديدة

الصين: تنقل الأزمة الاقتصادية لمرحلة جديدة

خسرت الصين في انخفاض قيم أسهمها خلال الفترة الماضية مبالغ مالية طائلة، وعلى الرغم من محاولة استدراك الانخفاض، إلا أن الأسواق الصينية انتقلت لتعكس مؤشرات التراجع الحقيقي في الصناعات التحويلية خلال هذا الأسبوع.

حيث تبين أن نمو هذه الصناعات بأدنى مستوياته منذ خمس سنوات، لتعيد هذه البيانات الأسواق المالية للهبوط مجدداً، فتغلق الصين مع خسارة 4% بتاريخ 20-8-2015، وعليه تنخفض مؤشرات الأسواق المالية الأميركية  لأدنى مستوى منذ 6 أشهر، ثم المؤشر الياباني الذي خسر 3% من قيمته، وأخيراً المؤشرات الأوروبية في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا التي خسرت قرابة 36 نقطة في كل منها.


التجارة العالمية وتراجع (حافز التصدير)

يعود تراجع الصناعة التحويلية الصينية إلى تراجع التجارة العالمية السريع، حيث انخفضت التجارة العالمية خلال الأشهر الستة من عام 2015 بمقدار 2%، وهو انخفاضها الأكبر منذ عام 2009، وتحديداً تجارة السلع، ما ينعكس بشكل واسع على حجم التجارة الخارجية للصين بواقع تراجع7.3% ، بما يعادل 2.23 تريليون دولار أمريكي، في الأشهر السبعة الأولى من عام 2015. وانخفض الفائض التجاري في تموز 2015 بنسبة 10 %، وهو ما ينعكس بسرعة على الصناعات المرتبطة بالتصدير، فعلى سبيل المثال شهد قطاع صناعة السيارات تراجعاً في النمو بمقدار 2,6% خلال الأشهر السبعة من العام الحالي، بالمقارنة مع نمو الفترة ذاتها في 2014. 
وتفسر هذه الأرقام الخطوة الصينية لتخفيض قيمة اليوان، مدفوعة بالتخوف من انخفاض سريع للنمو في قطاعها التصديري الكبير، وساعية لزيادة تنافسية الصادرات الصينية  في الأسواق العالمية، إلا أنه من الواضح أن هذا التكتيك الصيني، لا يمكن أن يشكل حلاً لأزمة ستطال القطاعات الاقتصادية الصينية التي عليها أن تبحث عن مصدر طلب بديل.


هل من استراتيجية جديدة؟!

تقود الصين النمو العالمي، وهي اليوم بدأت تعطي المؤشرات الواضحة على أن الأزمة المالية المنفجرة في عام 2008، أدت وستؤدي إلى دخول الاقتصاد العالمي في أزمات اقتصادية تطال قطاعات الإنتاج، وبعد أن ظهر هذا بوضوح في أوروبا، ونسبياً في الولايات المتحدة الأميركية، فإن انتقاله إلى الصين مؤشر على مرحلة جديدة في الأزمة الاقتصادية.
إلا أن السلوك الاقتصادي لدول آسيا الكبرى، وتحديداً الصين ومن ثم روسيا، يشير إلى إدراك للثغرات الكبرى في اقتصاداتها والسعي نحو بدائل ضرورية تفرضها الأزمات، يأتي في مقدمتها تعزيز التعاون الاقتصادي بين هذه الدول- وهو الواضح بشكل كبير بين الصين وروسيا-، ووضع مشاريع قائمة على فكرة توسيع الطلب المحلي في المنطقة الآسيوية، أي استراتيجية بديلة لاستراتيجية النمو القائم على التصدير إلى دول المركز العالمي. ويظهر في مقدمة هذا التركيز على الاستثمار الكبير في البنى التحتية تحديداً والتنمية عموماً، سواء عبر بنك الاستثمار في البنى التحتية في آسيا الذي تقوده الصين، أو في الداخل الصيني، أو في مشروع الطريق والحزام، لتوسيع التعاون والتركيز على بنى النقل التحتية بين دول آسيا وصولاً لأوروبا. يبقى لدى الصين مجال نشاط هام قائم على زيادة الدخل في الصين، وزيادة الأجور، لتعويض سنوات النمو التي قامت بدرجة كبيرة على استغلال (رخص) العمالة الصينية، وعلى الرغم من أن الصين واحدة من الدول القليلة عالمياً التي لا تزال تشهد نمواً حقيقياً في الأجور بعد الأزمة العالمية، إلا أن توقعات نمو الأجور الحقيقية فيها في عام 2015 بنسبة 5,7% لا تزال أقل من توقعات النمو الاقتصادي..

قد تنجح تحولات الاستراتيجية الصينية، وقد لا تنجح في تجنب الاضطرابات الاقتصادية الكبرى التي ستنجم عن الأزمة، إلا أن تعميق اتجاهات التعاون والتنمية الداخلية، وزيادة الأجور، أصبحت ضرورات للصين تحديداً ولروسيا وآسيا عموماً، في مواجهة المعارك القادمة التي تستهدف فيها قوى الإمبريالية العالمية المتراجعة، النمو الذي لا يزال ينبض في آسيا، وتهدده بوحش الحرب.