(حقنة) ضخ القطع الأجنبي.. صلاحيتها أقل من شهر!

(حقنة) ضخ القطع الأجنبي.. صلاحيتها أقل من شهر!

تبدو سوق الصرف الشرعية وغير الشرعية، في حالة استراحة بعد التخمة المفرطة، التي أصابتها من غنائم موجة المضاربة الأخيرة على قيمة الليرة السورية، والتي شهدها شهر نيسان، وانحسرت في بدايات شهر أيار، بعد أن تدفقت من المركزي إلى مكاتب الصرافة، كميات كبيرة من الدولار لتباع للمواطنين، مع توسيع التمويل لمستوردات التجار..

أي، هدأت موجة المضاربة في السوق، بعد أن ضُخّ الدولار إليها بشكل يومي، إضافة إلى شريحة 100 مليون دولار لتمويل التجار. حصلت مكاتب الصرافة على الدولار في تلك المرحلة أكثر مما باعت، مع تعقيد شروط البيع للمواطنين، حيث بدأ البيع بسعر 296 ل.س /$، ثم تدرج وصولاً إلى 250 ل.س/$، بينما باع المركزي المكاتب بسعر 220 ل.س/$ في المرحلة الأخيرة من التدفق الواسع.

حدود للمصادر الرسمية!..

لم يعلم أحد، ما هو مصدر هذه الأموال الكبيرة المتدفقة، بينما كثرت الأقاويل، حول تقديمها من دول صديقة لسورية، مثل فنزويلا أو روسيا، ما تبين أنه لا يتعدى الإشاعات، ليبقى مصدر القطع غير واضح، إلا أنه يمكن الجزم بأنه ليس من واردات الحكومة التقليدية من القطع الأجنبي، حيث استهلك الجزء الأكبر من الاحتياطي السوري الموجود في المصرف المركزي، خلال مراحل الأزمة، سواء في عمليات استيراد المستلزمات الضرورية حكومياً، أو في عملية تمويل مستوردات التجار والسوق، وضخ القطع لوسطاء الصرافة. وبالمقابل فإن مصادر تعويض القطع حكومياً محدودة، فهي تقتصر اليوم على عائدات قطع التصدير، الذي وضحت الحكومة أنه لا يشكل إلا نسبة ضئيلة 40% من مبالغ تمويل المستوردات في عام 2014، وسيتقلص أكثر في عام 2015، مع إغلاق المعابر البرية في نصيب الأردني، والتنف العراقي. أما المصدر الآخر، فهو تحويلات السوريين من الخارج إلى الداخل، والذي تتضارب الأرقام حوله أيضاَ، فالتصريحات الحكومية أشارت إلى انخفاض الحوالات اليومية إلى 3,5 مليون دولار يومياً، كانت في صيف 2014 قد صرحت عن وصولها إلى 7-8 مليون دولار يومياً، وبكل الأحوال فإن 40% منها تحتفظ به مكاتب وشركات الصرافة منذ شهر نهاية 2014 أي يعود للسوق مباشرة، ولتمويل المستوردات أيضاً.


مفعول الضخ.. أقل من شهر!

استجابت الحكومة  لضغط المضاربة في السوق، الذي بدأ من أواخر شهر آذار، مروراً بنيسان وانحسر في أيار، عندما أمن المركزي كميات كبيرة من القطع لتصل السوق، وتقلص موجة المضاربة، ويستمر ضخ العملات الأجنبية من المركزي إلى السوق حتى اليوم، وإن بمستوى أقل، حيث  تشير معلومات من السوق، إلى أن البيع اليومي من المركزي مستمر لأحد مكاتب دمشق الكبرى، ممن ضُبطوا سابقاً بتهمة تخزين القطع والاتجار به، وخرجوا بعد أسابيع بكفالات!. كما أعلنت الحكومة عن زيادة تمويل المستوردات، عن الحد الحالي (5-7 مليون يورو يومياً)، وذلك  في الاجتماع الذي دعت إليه مؤسسات الصرافة يوم الخميس 18-6-2015. وعلى الرغم من استمرار وصول الدولار من المركزي للسوق، فإن سعر السوق استمر بالارتفاع بشكل بطيء وهادئ، ولكن بثبات، رافعاً معه الأسعار الرسمية.
فالضخ الذي أثبت أنه ليس إلا (إبرة مهدئ)، خفض سعر السوق من 310 إلى 260، لتظهر المضاعفات لاحقاً، ويرتفع السعر إلى 296 خلال أقل من شهر، بارتفاع بطيء ولكن مستمر. والأهم من هذا أن سعر الصرف الرسمي، ارتفع كذلك خلال فترة الاستقرار دون مبرر واضح، وبالهدوء والاستمرارية ذاتها، حيث سجل سعر الصرف الرسمي ارتفاعاً من 211- بتاريخ 15-3-2015- إلى 236 ل.س/$ بتاريخ 25-6-2015، وبنسبة ارتفاع: 11%
أما السعر الذي يرتفع بأعلى مستوى، فهو سعر التدخل لمؤسسات الصرافة، الذي انتقل من 222 ل.س/$ في منتصف آذار، إلى 276 ل.س/$ بتاريخ 25-6-2015، وبنسبة ارتفاع 24% وهي نسبة الارتفاع الأعلى!. وينبغي التنويه بأن هذا السعر يعتبر محدداً للحد الأدنى للسوق، حيث أن وضع سعر رسمي لمؤسسات الصرافة عند هذا المستوى، يشير إلى عدم وجود نيّة لتقليص السعر عن هذا الحد.
إن موجة الارتفاع الأخيرة، تشير إلى أن مفعول حُقَن القطع الأجنبي، المتدفقة من المركزي للسوق، لمعالجة الارتفاع المضاربي للسعر، أصبح أقل. حيث تطلب الأمر من السوق، أقل من شهر لتعود إلى سعر مرتفع وأقل من الذروة السابقة (310) بـ 15 ل.س فقط!
ما ينذر بارتفاعات مضاربية جديدة وتدفقات جديدة، في أي وقت يزداد فيه الطلب عن العرض، وهو أمر مستمر طالما أن تقليص الطلب عن طريق دعم الإنتاج، وتقليص حقيقي للاستيراد، ليس في جدول الحكومة التي اعتمدت الاستيراد طريقة لمواجهة متطلبات الحرب، على العكس من الثمانينات حين أعلنت تعزيز الاقتصاد الوطني، طريقة مجدية لمواجهة ظروف الأزمات.

(وحدة) سوق  تداول القطع!

عدا عن مصادر القطع الأجنبي الرسمية، فإن وجهات وطرق تدفق القطع إلى سورية متعددة، وإن لم تكن واصلة للحكومة مباشرة، وتحديداً في المناطق الخارجة عن السيطرة..
حيث يتضح أن سوق القطع شبه موحدة عبر البلاد، فعلى الرغم من التباينات في السعر، إلا أن التغيرات والتذبذبات الكبرى تنتقل من دمشق، إلى كافة المناطق الأخرى. حيث أدت موجة ارتفاع سعر الصرف في دمشق في ربيع العام الحالي، إلى موجة ارتفاع إجمالية، أي في مناطق غوطة دمشق، ومناطق حلب وريفها الخارجة عن السيطرة، وحتى في الرقة ودير الزور تحت حكم داعش، وفي منطقة عفرين على سبيل المثال، ما يعطي الدلالة الواضحة على أن سوق تداول وبيع القطع الأجنبي، مقابل الليرة، تجد طريقها لاختراق الحدود والمتاريس، في أكثر المناطق سخونة وعنفاً، ويمكن أن نستنتج بأن جزءاً من القطع المتداول في السوق الرسمية، قد يكون مصدره الدولار الفائض نسبياً في المناطق الخارجة عن السيطرة، عن طريق وسطاء، وتحديداً مع نقص مصادر الليرة هناك، واستمرار الحاجة إليها، حيث لا تزال أداة التداول الرئيسية في مجمل المناطق، وإن كان بنسب متفاوتة بطبيعة الحال.
الأهم أن توفر القطع الأجنبي، أو حدوث اختناقات مفتعلة أو موضوعية في توفره، عبر مناطق البلاد المختلفة يحمل تأثيراً هاماً على سعر الصرف في دمشق، وعلى سوق دمشق، التي تتبعها  الحكومة لتُخضع تغيرات سعر الصرف الرسمي لتغيراتها..

آخر تعديل على السبت, 27 حزيران/يونيو 2015 23:20