الصناعات الكيميائية.. 20% فقط معدل تنفيذ الربع الأول..تاميكو والأسمدة في المقدمة فهل تنقذان الخطة؟!..

الصناعات الكيميائية.. 20% فقط معدل تنفيذ الربع الأول..تاميكو والأسمدة في المقدمة فهل تنقذان الخطة؟!..

أصدرت مديرية التخطيط في المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية تقرير تتبع تنفيذ الخطط الإنتاجية، والتسويقية، والاستثمارية، للشركات التابعة للمؤسسة، وذلك عن الربع الأول من هذا العام، أي حتى نهاية شهر آذار 2015. وتستكمل قاسيون في إطار تغطيتها لواقع منشآت القطاع العام الصناعي مناقشة هذا التقرير بعد أن سلّطت الضوء على شركات مؤسسة الصناعات النسيجية، وشركات المؤسسة العامة للصناعات الهندسية في أعداد سابقة. 

خاص قاسيون

يشير التقرير إلى أن 7 شركات من أصل 13، ما تزال تنتج، فيما كانت قيمة إنتاج الستة المتبقية صفر، كما أن إجمالي إنتاج المؤسسة يبلغ حوالي 875 مليون ل.س بالأسعار الثابتة، و2,7 مليار ليرة بالأسعار الجارية، وبمعدل تنفيذ 20% لكافة الشركات المتوقفة والعاملة حتى الربع الأول من هذا العام.

مرة أخرى أسعار دون كميّات..لماذا؟!

من الضروري هنا توضيح فكرة هامة وهي أن مؤشرات الإنتاج الواردة في التقرير هي عبارة عن قيمة الإنتاج المقدرة بالليرة السورية، وهذه ثغرة رئيسية في التقرير كونها تقيم الإنتاج بقيمته بدلاً عن كمياته، وهذا تقييم غير دقيق لتغيرات الإنتاج، فمع انخفاض قيمة الليرة تزداد قيمة هذا الإنتاج لكن دون زيادة كميته فعلاً، ما يؤدي لعدم الدقة في قياس تطورات الإنتاج، ما يعني أن الكميات قد لا تزيد، لكن قيمتها بالليرة قد تزداد، لا بل قد تنقص. 

لكن هذا التقرير حاول تفادي هذه المشكلة بعض الشيء، فقيّم الإنتاج بالأسعار الثابتة أيضاً، وهو ما يسمح بقياس لقيمة المنتجات بالليرة السورية بافتراض سنة أساس محددة يُقاس الإنتاج على أساسها، ما يعطي تقديراً أكثر دقة للإنتاج في السنوات اللاحقة، أما مؤشر الأسعار الجارية للإنتاج والمستخدم أيضاً بالتقرير، فهو مؤشر مضلل طالما يعطي قيمة الإنتاج بسعر الليرة الحالي دون توضيح تراجع قيمتها عن سنة الأساس.

هل نتقدم؟!

بكل الأحوال سنعود إلى توضيح الفارق بين قيمة الإنتاج بالأسعار الثابتة وقيمته بالأسعار الجارية، لنشير إلى هذا الخلل بشكل واضح في فقرة لاحقة. وسنستعرض الآن تغيرات الإنتاج بين العام الماضي، والعام الحالي، للربع الأول، لنتبين بشكل أولي تطورات الإنتاج، وفي الجدول رقم (١) قيمة الإنتاج المنفذ في الربع الأول بآلاف الليرات السورية عن العامين 2014-2015: 

 

تظهر الأرقام في الجدول رقم (١) بشكل واضح أن معدلات تطور الإنتاج آخذة بالتقدم عموماً، فباستثناء الشركة الأهلية للمنتجات المطاطية التي تراجع إنتاجها لأقل من النصف بشكل واضح، نما الإنتاج في باقي الشركات وكان أقله 1% لـ(العامة للأحذية)، وبلغ مستويات عالية جداً عند الباقي، كالشركة العامة للأسمدة بنمو 488%. 

لا تعكس هذه النسب حقيقة تطورات الإنتاج بشكل دقيق، فالمقارنة مع العام الفائت واعتباره عام معياري، لتوضيح مدى التعافي أو التقدم أو التراجع هو أمر غير دقيق، وكان الأفضل أن تتم المقارنة على أساس سلسلة زمنية تشير إلى تطورات الإنتاج منذ ما قبل الأزمة مروراً بها، لذلك قد تغدو نسب النمو في العام الحالي مرتفعة جداً، لكن ذلك يعود إلى أن عدداً من الشركات كان متوقفاً عن الإنتاج أية أن إنتاجه صفر ومعدوم* كحال شركة زجاج دمشق، وإن أي زيادة وإن كانت طفيفة فإنها ستوحي بنسبة نمو عالية وهذا غير منطقي. كما أن بعض الشركات حققت قفزات عالية بنموها في هذا العام نتيجة تراجع إنتاجها بشكل كبير في أعوام سابقة كحال الشركة العامة للأسمدة.

خطط من ورق!

سنتناول الآن تحليل أرقام الإنتاج المخطط للربع الأول من عام 2015 مع ما نُفذ منها، وفي الجدول رقم (٢) تبيان للإنتاج الفعلي والمخطط للربع الأول من هذا العام مقيّماً بآلاف الليرات وبالأسعار الثابتة:  

 

ومن الجدول رقم (٢) نجد أن الوضع العام لشركات هذا القطاع غير مطمئن، فباستثناء الشركة الطبية العربية (تاميكو) والتي قاربت نسبة تنفيذ خطتها 85%، ومعمل الأحذية بـ 55% يغدو وضع باقي الشركات صعباً جداً، حيث لم تتعدى نسب التنفيذ الباقية ربع الخطة، وهذا يحتاج إلى تفسير جدي لم يورده التقرير. 

قد يتذرع البعض بأن المشكلة الأبرز في هذا القطاع، هي نقص المواد الأولية نظراً لاعتمادها على مواد أولية مستوردة، لكن هذا التبرير غير منطقي، فمن يضع خطة طموحة ينبغي أن يدرس فعلياً إمكانية تأمين مستلزمات الإنتاج، وإلا ما جدوى تضخيم أرقام الخطط الإنتاجية على الورق وعدم تنفيذها على أرض الواقع؟! 

بالعودة إلى توضيح مدى التباين في دقة التقرير بين الأسعار الجارية والأسعار الثابتة، سنجد أن  مقارنة قيمة الإنتاج بالأسعار الجارية مع قيمته بالأسعار الثابتة، تشير إلى فروقات كبيرة، ما يعني أن معظم الأرقام التي تستند إلى الأسعار الجارية بما فيها نسب التنفيذ، لا يمكن على أساسها تقييم تطورات الإنتاج، ويكفي لنوضح مدى التباين أن نشير إلى أن الإنتاج الفعلي بالأسعار الثابتة البالغ (875) مليون ليرة تقريباً، أقل بـ 67% عن الإنتاج بالأسعار الجارية وهو المقدر بـ (2652) مليون ليرة.

التقييم العام للخطة!

لقد أرادت المؤسسة العامة بخطتها لعام 2015 للإنتاج أن يبلغ قيمة 9,5 مليار ليرة تقريباً شملت 13 شركة كانت مساهمة كل منها في الخطة العامة في الشكل رقم (١) : 

نلاحظ من خلال الشكل رقم (١) أن حصة الشركات المتوقفة من الخطة التي وضعتها المؤسسة تبلغ 14% تقريباً، وقد يكون ذلك من حسن حظ الخطة، حيث لم تركز على تلك الشركات التي توقفت ولكن السؤال، لماذا توقفت هذه المنشآت، هل لظروف أمنية طارئة أم ماذا؟ وهل وضعت بالخطة كونه كان من المقدر أن تستعيد عافيتها. أم أن أمراً طارئاً أوقفها عن الإنتاج؟ أم أنها لم تجد الإنفاق الكافي والعناية الكافية لتستعيد إنتاجها؟

كل هذه التساؤلات مبهمة عملياً في التقرير خاصة، وأن الشركة العامة للإطارات على سبيل المثال، والتي تعد أبرز الشركات المتوقفة يبلغ نصيبها من الخطة 9% وهي نسبة هامة بالمقارنة مع باقي الشركات، وضعتها في ثاني مرتبة بعد شركة الأسمدة التي حازت 64% من الخطة. 

الأسمدة في المقدمة

رغم تدني التنفيذ

إن وضع خطة استثمارية تكون للشركة العامة للأسمدة حصة الأسد فيها بحوالي ثلثي الخطة (64%) هو أمر ملفت للغاية، فمن الممكن أن تكون هذه الشركة رافعة جدية،  ليس للصناعات الكيميائية وحسب، بل لمجالات أخرى في الإنتاج الوطني كالزراعة وغيرها، وهو ما قد يفسر تركيز الخطة الاستثمارية عليها، وهذا أمر هام، خاصة وأن هذه الشركة من بين الشركات التي ما تزال قيد الإنتاج، وحققت نمواً كبيراً بالنسبة للسنوات السابقة، لكن نسبة تنفيذها لخطة الربع الأول ما تزال متدنية عند 21% فقط، وبتكامل هذه المعطيات حول شركة الأسمدة سنجد أنها حظيت برعاية مركزة وعالية في الخطة إلا أنها لم تنجز ما عليها، بينما لم تحظَ الشركة العربية الطبية (تاميكو) بهذا القدر من التركيز، فحصتها لم تتجاوز 4% من الخطة إلا أنها نفذت 85% منها. 

 

طبعاً لا ينبغي أن يُفهم من ذلك أن يُصار لتقليل التركيز على شركة الأسمدة، فالاستثمار ينبغي أن يوجه بناءً على الحاجات ذات الأولوية، لكن ذلك ينبغي أخذه بعين الاعبتار للتخطيط اللاحق بشكل متوازن، والبحث عن الشركات القادرة على رفع الإنتاج إلى حدوده القصوى، كما أن التركيز على شركة معينة بشكل كبير، مقارنة مع باقي الشركات، يبنغي أن يكون مفسراً بشكل واضح. 

تاميكو رافعة الإنتاج الأبرز

ولتوضيح الفكرة السابقة حول الانتباه لترتيب أولوية الخطط بناءً على الأداء، دون إسقاط الحاجات كمحدد، ودون إهمال ضرورة حل مشاكل باقي الشركات ذات الأداء الضعيف، ولكن لتوضيح فاعلية الشركات ودورها كروافع إنتاجية هامة في اللحظات التي يتذبذب فيها الإنتاج، نعطي مثالاً أن الشركة العام للأسمدة حازت على 64% من الخطة، وأسهمت بنسبة قريبة منها في الإنتاج الفعلي المنفذ بحدود 69%، وهذا مؤشر جيد على دورها العام كرافعة في الإنتاج في ظل توقف وتراجع باقي الشركات. دون أن ننسى احتمال رفع أسعار الأسمدة الأخير وتأثيره على قيمة الانتاج.

بالمقابل تبين أن (الطبية العربية-تاميكو) هي ذات أداء مميز، حيث حصلت على 9% فقط من الخطة الاستثمارية بينما ساهمت بـ 17% من الإنتاج الفعلي، وهذا مؤشر واضح على فاعليتها، وفي الشكل رقم (2) تبيان لحصة كل شركة من قيمة الإنتاج الفعلي للشركات المستمرة في الإنتاج والتي نفذت مستويات متباينة من الخطة.

خلاصة عامة:

ليس جديداً أن نقول أن للصناعات الكيمائية دور هام في الاقتصاد الوطني، فهي من جهة تؤمن بدائل للمستوردات التي تكلّفنا احتياطي العملات الصعبة، كما أنها تتشابك مع قطاعات هامة كالصناعات الاستخراجية والزراعة في بعض منها، ناهيك عن كونها تسهم بعملية التشغيل بشكل كبير، ولا شك يبقى العامل الأبرز هو أنها جزء من القطاع العام الإنتاجي الذي يعد العمود الفقري لدور الدولة.

ولذلك فإن الخطة الاستثمارية الموضوعة لهذا القطاع وفق التقرير عن الربع الأول ينبغي أن تكون أكثر دقة من الناحية الإحصائية والرقمية، فينبغي أن يشمل التقرير كميات الإنتاج لا قيمه الرقمية هذا أولاً. وينبغي سريعاً مراجعة هذه الخطة، وذلك لحل عدة مشكلات أبرزها التقرير، قد يكون أولها توضيح أسباب توقف بعض الشركات المدرجة ضمن الخطة، وضرروة بحث تدني نسب التنفيذ فيما تبقى من الشركات، والاستمرار بحلحلة مشاكل بعض الشركات المتقدمة لتنفيذ خطتها حتى استكمالها للاستفادة منها للحد الأقصى. 

كما أنه من الضروري أخذ وضع الشركات التي نفذت وأسهمت بدور كبير في إنتاج المؤسسة العامة بعين الاعتبار في خطط العام المقبل ناهيك عن بحث مشاكل تلك الشركات التي لم تنفذ الخطة بشكل كبير.

إن كل ما تقدم ينبغي نقله إلى ساحة الفعل، وذلك عبر زيادة الاستثمار الفعلي على هذه الشركات لاستعادة طاقتها الإنتاجية وتأمين ظرف أفضل لاستمرارية نشاطها الإنتاجي باعتبارها إحدى أطواق النجاة لاقتصادنا الوطني وصناعته التي هي أساس دور الدولة في كافة نواحيها.