أسعار الخضروات المنخفضة.. رهن عجلة ربح التصدير!
تسعى الحكومة لحل مشكلة مصدري الخضروات، المتمثلة بتراكم إنتاج الخضار بأسعار منخفضة في السوق المحلية، وضياع فرص تحقيق الربح من التصدير! في هذا الوقت المستقطع يجد السوريون المستهلكون فرصة ذهبية لشراء الخضار بأسعار منخفضة، بعد أن أذاقهم، ارتفاع أسعارها مع الدولار في شهر نيسان الماضي، ألوان التقشف، أما إلى حين حل مشكلة المصدرين، فإن منتجي الخضروات من المزارعين هم من يدفعون ثمن إنتاجهم!.
انخفضت أسعار الخضروات خلال شهر أيار بشكل تدريجي ثم بمستوى متسارع وكبير خلال الأسبوعين الماضيين، حيث تراجعت أسعار البطاطا على سبيل المثال من 150 ل.س للكغ، مروراً بـ 90 ل.س، وصولاً إلى 60-65 ل.س للمستهلك. وكذلك أسعار البندورة من 200 ل.س وصولاً إلى 75 ل.س للكغ.
توقف موسم التصدير.. مع المعابر!
الخضار التي يشهد جزء هام منها قطاف مواسمه الصيفية، لم تنخفض بسبب زيادات الإنتاج في المواسم، حيث أن قطاف العروة الربيعية للبطاطا في الموسم الماضي، خفض أسعارها بمقدار 10 ل.س لا أكثر، بينما انخفضت في هذا الموسم أسعار البطاطا خلال أقل من شهر إلى أكثر من 60% في أسواق الجملة، من قرابة 100 ل.س للكغ، عندما كانت تباع للمستهلك بـ 150 ل.س، إلى 40-45 ل.س في الوقت الحالي الذي تباع فيه للمستهلك بـ 65 ل.س للكغ.
ويعود السبب إلى ترافق المواسم الإنتاجية، مع توقف موسم تصدير الخضروات، حيث توقفت طرق التصدير عبر النقل البري، مع إغلاق المعابر البرية المتبقية خلال الشهر الماضي بسبب الأوضاع الأمنية، حيث توقف معبر نصيب إلى الأردن منذ شهرين، وتوقف معبر العراق منذ أسبوعين، مبقياً لمصدري الخضروات والفواكه والمصدرين عموماً طريق البحر أو الجو، مع اختلاف كبير في تكاليف الشحن، تصل إلى 2 دولار للكغ في الشحن الجوي، بحسب رئيس غرفة زراعة دمشق.
الإنتاج وأولوية التصدير..
بحسب تصريحات صحفية لرئيس غرف الزراعة السورية محمد كشتو، فإن الإنتاج المحلي الذي يبلغ 700 ألف طن في الظروف الحالية، يقابله استهلاك محلي قرابة 300 ألف طن، بينما يتم تصدير الباقي أي حوالي 400 ألف طن، ويبدو رقم الإنتاج المعلن مبالغاً به أو معتمداً على بيانات ما قبل الأزمة، حيث في عام 2011 بلغ مجموع إنتاج البطاطا 713 ألف طن، وهذا يتناقض مع المعلومات المتكررة منذ عام 2012 حول تراجع الإنتاج الزراعي، ومع تراجع في إنتاجية الدونم، التي تعتبر نظرياً 4 طن، بينما لا تصل إلى 3 طن، في أفضل الأحوال، وتحديداً في منطقتي إنتاج البطاطا الرئيسيتين، أي حماة ودرعا. حيث تتراكم الأسباب الأمنية مع الأسباب الاقتصادية كالتراجع الكبير في إمكانيات الري المعتمد على الآبار، التي تحتاج الكهرباء أو المازوت!، ناهيك عن ارتفاعات غير مسبوقة في سعر طن البذار، حيث ارتفع خلال عام واحد في الأزمة من 80 إلى 260 ألف ل.س، وغيرها من العوامل..
أما معلومات حصلت عليها (قاسيون) من سوق الهال في دمشق، وهو مركز رئيسي لتجمع الفوائض الإنتاجية من الخضار والفواكه عبر البلاد، فتشير إلى أنه بالإجمال، يتوزع إنتاج البطاطا مناصفة بين التصدير والاستهلاك المحلي، وهو ما يؤدي إلى إمكانية رفع سعر البطاطا للمستهلك السوري في الأوقات خارج الموسم، إلى أعلى من سعرها العالمي البالغ 50 سنت أمريكي تقريباً للكغ، أي حوالي 145 ل.س (إذا ما اعتبرنا أن الدولار=290 ل.س).
إن وصول الأسعار في سورية ذات الفوائض الإنتاجية، إلى المستوى العالمي، هو تعبير عن أن التصدير هو أولوية الإنتاج، وهو ما يفقد السوق المحلية هامش البيع للمستهلكين بأقل من الأسعار العالمية!..
جهد الموسم: مجاناً!..
المزارعون الذين تتباين تكاليف إنتاجهم للكغ، يبيعون اليوم بأسعار أقل من التكلفة أو على حدّها، وذلك لأسواق الجملة التي تعوض انخفاض الأسعار الناجم عن توقف التصدير، بابتزاز المنتجين وفرض سعر أقل من الكلفة، يضطر المزارع للتجاوب معه تحت ضغط تلف المحصول، وانعدام الخيارات الأخرى!.
كلفة إنتاج الكغ في درعا تصل 60 ل.س، بينما يتم البيع في سوق هال دمشق، بمقدار 30-40 ل.س للكغ بأحسن الأحوال، بخسارة تصل إلى نصف التكلفة. أما مزارعو حماة فإن تكاليفهم أقل نسبياً حيث تبلغ 40 ل.س للكغ واصلاً إلى دمشق، وتباع بسعر التكلفة أي دون عوائد للمزارعين، أي جهد موسم كامل يقدم للسوق مجاناً بتكلفته فقط!.
14000 طن يومية
تصدير سوق هال دمشق!
يشتكي مدير لجنة تسيير سوق الهال، في تصريحات صحفية، من تراجع عدد البرادات التي تخرج من سوق هال دمشق يومياً للتصدير، من 350 براد يومياً في أوقات المواسم أي حوالي 14 ألف طن من الخضار والفواكه، إلى 100 براد في الوقت الحالي أي 4000 طن مجملها من الفواكه، حيث سعة البراد 40 طن تقريباً.
يستمر تصدير الفواكه على اعتبار أسعارها العالمية أعلى، وتستطيع تحمل تكاليف الشحن الجوي ، البالغة 2 دولار للكغ، بينما تصل تكاليف الشحن البحري بالحاويات 2200 يورو، لسعة 20 طن، أي تعود بتكلفة 32 ل.س للكغ، وتعتبر هذه أيضاً مكلفة بالنسبة للخضار وغير مقبولة للمصدرين، ما يدل على أن تكاليف الشحن البري أقل بكثير، وهي التي بقيت غير واضحة، بسبب اختلاف الوجهات والطرق إلا أنها أقل من 30 ل.س للكغ. أما تكاليف التوضيب والتجهيز فتبلغ 35 ل.س للكغ من الخضار أو الفواكه، أي عملياً يتكلف المصدرون فوق سعر الجملة ما يقارب 65 ل.س للكغ بأكثر الحالات تكلفة، بينما يحصلون على أسعار عالمية مرتفعة وأرباح تصل إلى 70% في أنواع من الخضار.
18 مليار ليرة خلال خمسة أشهر!
حصلت قاسيون على نشرة إحصائية صادرة عن (جمعية المصدرين السوريين للمنتجات الزراعية سابيا)، تبين أن مجموع المنتجات الزراعية وما في حكمها المصدرة من دمشق فقط، بلغت أوزانها الإجمالية 176 ألف طن تقريباً خلال الفترة من 1-1-2015، وحتى 31-5-2015، بقيمة ومبالغ إجمالية 18,1 مليار ل.س. من خلال 2500 شهادة تصدير.
الملفت في البيانات الفوارق الكبيرة في سعر تصدير الكغ من الخضروات الرئيسية بالمقارنة مع أسعار السوق المحلية، وأسعار الجملة.
حيث تم تصدير البازلاء بسعر 755 ل.س للكغ، فإذا ما كان سعر الجملة 150 ل.س، وتكاليف التوضيب والنقل 65، فإن التكاليف تقارب 30% من السعر، وبالتالي الأرباح 70%، أي 540 ل.س في الكغ!.
أما الباذنجان الذي تم تصديره بسعر 406 ل.س للكغ، فإذا ما كان سعر الجملة له 100 ل.س، وتكاليف النقل والتوضيب 65، فإن التكاليف 40% من السعر، وبالتالي الأرباح 60%، أي 240 ل.س في الكغ!، وهكذا الأمر في الزهرة (القرنبيط) ذات السعر المتقارب بالجملة، والتي صُدّرت بسعر 447 ل.س للكغ.
تعتبر الخضروات المذكورة نماذج من أرباح وعوائد التصدير، وعملياً إذا ما قدرنا أن الأرباح تشكل نصف الأسعار الإجمالية التي حصل عليها المصدرون، فإن العوائد في تصدير الخضار تبلغ حوالي 9 مليارات ليرة أرباحاً لمصدري الخضار والفواكه من دمشق فقط، ، وهم لا يتعدون العشرات بأفضل الأحوال، حيث يبلغون 10 مصدرين رئيسيين في سوق الهال، وآخرون خارجه.
سياسة مدير أرباح
بيع الغذاء!
تقف برادات المؤسسة العامة للخزن والتسويق في سوق هال دمشق، وتشتري من المزارعين كأي تاجر جملة، وفي حالات استثنائية تسعى لجمع الإنتاج من المزارعين. تقول المؤسسة اليوم بأنها ستسعى إلى شراء البطاطا وتخزينها، لتمنع ارتفاع سعرها لاحقاً في رمضان، ويبقى هذا (أضعف الإيمان)، وقد لا يتم فعلياً!. مقابل هذا تبدو المهمة الضرورية لجهاز الدولة في ظروفنا، هي تجميع الغذاء المنتج، بالشكل والسعر الذي يضمن لمنتجيه عوائد تحقق لهم القدرة على الزراعة مرة أخرى، ولمستهلكيه بأسعار تتيح لهم استهلاك إنتاجهم من الخضار والفواكه!.
عوضاً عن ذلك لدينا سياسة اقتصادية تضع التصدير هدفاً وغاية وطريقة علاج، وتحقق نتائج متمثلة بخروج الغذاء من البلاد، وعودة المليارات إلى قلة من التجار المصدرين، وهذ يعني أن السياسات، عيّنت الحكومة مديراً لشؤون القادرين على الربح في الظرف الحالي، حتى من بيع (فوائض) الغذاء، في بلد تبتلع الحرب قدرة سكانها العاملين على تأمين غذائهم الضروري، وتُبقي الكثير من سكانها رهناً للإغاثات التي (يتسولها) المجتمع الدولي لهم، فعن أي فائض إنتاج يتحدثون؟!
14000 ألف طن يومياً
يصدر من سوق هال دمشق، يومياً خلال فترة المواسم 350 براد شحن خضروات، بسعة 40 طن، أي حوالي 14 ألف طن يومياً، انخفضت مع إغلاق المعابر إلى 4000 طن حالياً أغلبها من الفواكه.
50% خسارة
تبلغ تكلفة زراعة كغ البطاطا في درعا 60 ل.س للكغ، لتصل إلى سوق هال دمشق، وتشترى في الظروف الحالية بسعر 30-40 ل.س، ويسترد المزارع جزءاً من تكلفته فقط، ويبقى دون عوائد، بينما سعر البطاطا عالمياً قرابة 145 ل.س، ستعود للمصدرين إذا ما صدروا!.
9 مليار ل.س أرباح
خرج من دمشق فقط خلال خمسة أشهر الأولى من 2015، أكثر من 176 ألف طن من الخضار والفواكه والمواد الغذائية الزراعية، صدرت بأسعار إجمالية 18 مليار ل.س. ويحقق المصدرون أرباحاً في بعض أنواع الخضار بمعدل 70%، وباعتبار الربح نصف سعر التصدير لإجمالي الصادرات، فإن عوائد 9 مليار ل.س تعود إلى عدد محدود من مصدري المواد الزراعية في دمشق خلال خمسة أشهر، قد لا يتجاوز 10 أشخاص رئيسيين.