عبّاد شمس: المرسوم 19 لعام 2015: على عكس الضرورة.. وتوافقاً مع السوق!

أشد ما تحتاج إليه مرحلة إعادة الإعمار، هو وجود جهاز دولة قوي ومرن، ومنطلق من الحاجة إلى تقليل حجم السوق والانتفاع والأرباح في مرحلة إعادة بناء البلاد بمستوياتها كافة، لأن هذا هو الشرط الوحيد كي لا تتحول هذه المرحلة إلى (واحة استثمار وسمسرة) لقوى السوق، على حساب ما تدمر من ممتلكات السوريين ودخولهم ومستوى معيشتهم. 

وعلى العكس من هذه الضرورات، يتم في المرحلة الحالية تجهيز انتقال ما تبقى من جهاز الدولة للعمل وفق منطق السوق تحت شعارات، المرونة، وإعادة الهيكلة المطلوبة للتشاركية مع القطاع الخاص، وهذا متناقض مع المنطلق الوطني الضروري، القائم على توسيع الإنفاق العام فعلياً ونشاط وأملاك الدولة، بهدف تقليص دور السوق كطريقة وحيدة ولتحجيم دورها في المرحلة القادمة.

المرسوم 19 الذي يجيز إنشاء الوحدات الإدارية المحلية لشركات قابضة تعمل وفق منطق الربح، للتشارك مع القطاع الخاص، في إدارة واستثمار الأملاك العامة التابعة للوحدات، يضع حجر الأساس للانتقال نحو خصخصة تتجاوز النشاط الاقتصادي للحكومة، لتصل للخدمات العامة، وتحويل عمليات الإنفاق على الخدمات التقليدية للسلطات المحلية، إلى إنفاق يهدف لتحقيق أرباح في المناطق التنظيمية التي ستشمل المناطق التي سيعاد إعمارها.

ما تقوم به الدولة وفق هذا المرسوم، هو إدخال الأراضي التي تعتبر أملاكاً عامة في دائرة السوق العقارية والاستثمار، وحتى البيع الكامل، لأن قانون الإدارة المحلية يتيح للسلطات المحلية التصرف بيعاً أو إيجاراً أو استثماراً بأملاكها! وبالتالي سيزداد هامش المضاربات على العقارات مما سيلهب أسعارها، وهي التي ارتفعت أسعارها لمستويات كبيرة قبل الأزمة، نتيجة مضاربات الاستثمارات الخليجية حينها، وتضاعفت في الأزمة بفعل الارتفاع العام لمستوى الأسعار واعتماد كبار المدخرين على الإدخار في العقارات.

كما أن استمرار الاستملاك، يتيح عدم الاقتصار على الأراضي المملوكة للدولة، بل من الممكن أن يمتد إلى أي منطقة، طالما أن السلطات المحلية لديها القدرة على فرض استملاك الأراضي، وإخضاعها للاستثمار!.

إن المطلوب في هذه اللحظة هو الوصول إلى تصفير قيمة الأراضي التي تمتلكها الدولة (جعل قيمتها معدومة) ما يتيح إلغاء المتاجرة بها عملياً، لتصبح الحاجة الضرورية المتمثلة بالسكن ممكنة، وغير خاضعة للمضاربة، وتحديداً في بلد فقد قرابة ثلثي سكانها منازلهم، وهم الذين لم يكونوا قادرين قبل الأزمة على تأمين السكن!.