شركات قابضة حكومية.. والهدف (التشاركية)!
صدر المرسوم التشريعي رقم 19 لعام 2015 بتاريخ 30-4-2015 القاضي بجواز إحداث شركات سورية قابضة مساهمة مغفلة خاصة، بناء على دراسات اجتماعية واقتصادية وتنظيمية، بهدف إدارة واستثمار أملاك الوحدات الإدارية أو جزء منها.
المرسوم الصادر أثار العديد من التساؤلات المشروعة، المبنية على التخوف من التطرف الحكومي في إحداث تغييرات هيكلية في البنية التشريعية، في مرحلة الفوضى والاضطراب، والتجهيز لإعادة الإعمار، والنظر بعين التوجس الدائم حولها.
فما الذي يعنيه إنشاء شركة قابضة؟ هل ستتحول الوحدات الإدارية ( محافظة أو مركز مدينة أو بلدة) إلى قطاع ربحي؟ هل سينتقل النشاط الخدمي الحكومي من تعبيد الطرق، وإعطاء الرخص، وغيرها إلى نشاط شركة تهدف إلى تحقيق إيرادات لقاء خدماتها كافة ؟ هل التشارك مع القطاع الخاص سيحول أصحاب الأموال إلى أصحاب القرار في إدارة وحدات الإدارة المحلية؟
قاسيون استفسرت عن حجم التغيرات التي يحملها المرسوم بشكله الحالي، في لقاء لها مع معاون وزير الإدارة المحلية لؤي خريطة، ومختصين قانونيين من وزارة الإدارة المحلية من المطلعين على تفاصيل إصدار هذا التشريع، ليقدم المذكورون سابقاً، شروحهم وتفسيراتهم لمضامين المرسوم وموجباته، أي الهدف منه. سنستعرضها بتلخيص لأهم الأفكار، يليها تعليق قاسيون على جوهر إتاحة التحول إلى (شركات قابضة)!
الشكل الجديد.. والشركة القابضة
بداية حول الشكل الجديد المتاح لعملية إدارة واستثمار أملاك الوحدات الإدارية، يوضح المعنيون بأن ما سيتم هو إنشاء اختياري للوحدات الإدارية لشركات قابضة حكومية، هيئتها هي مجلس إدارة الوحدة الإدارية، انطلاقاً من كون الشركة القابضة قادرة على المساهمة والدخول في أنواع مختلفة من النشاطات. وبالتالي ستستطيع الوحدة الإدارية عبر شركتها القابضة مشاركة القطاع الخاص في إنشاء مجموعة من الشركات الفرعية، التي ستعمل في مجالات إدارة واستثمار أملاك الدولة.
ومساهمة الحكومة ممثلة بالشركة القابضة في الشركات الفرعية المستثمرة، ستكون بنسب مختلفة تحدد على أساسها العوائد التي تعود للمال العام، والعوائد التي تعود للقطاع الخاص المساهم. وستكون ملكية أسهم الشركة القابضة عائدة بأكملها للحكومة بينما ستكون ملكية شركاتها الفرعية عائدة للقطاع الخاص أو العام حسب مساهمة كل منهما به.
التنمية والتشاركية: (هدف معلن)..
يهدف إنشاء الوحدات الإدارية الاختياري غير الملزم لشركات قابضة، بحسب المختصين العاملين في وزارة الإدارة المحلية، إلى إيجاد صيغة عملية للتشاركية مع القطاع الخاص، التي أصبحت عنوان النشاط الحكومي في القطاعات كافة ، حيث بحسب تعبيرهم، إن عملية إنشاء شركة تخضع لقانون الشركات، يحفز القطاع الخاص على المساهمة برأس المال أو الخبرات أو غيرها، وهو مبرر إنشاء شركة، وهو يهدف بحسبهم إلى إتاحة القدرات المالية والفنية للوحدات الإدارية لتقوم بمهام تنموية، وليست خدمية فقط، وهذا يتطلب أن تحصل الوحدات على عوائد من أملاكها وأن تمتلك القدرة على إنشاء مشاريعها الرابحة المستقلة.
أملاك الدولة تدخل السوق..
انتقال عملية إدارة واستثمار الأملاك، أي الأراضي والعقارات التابعة للوحدة الإدارية، إلى عملية ربحية من خلال الشكل الجديد، أي الشركة القابضة عوضاً أو إلى جانب المؤسسة، هو إدخال مساحات كبرى من الأراضي في دائرة السوق العقارية، وإخراج الخدمات المقامة عليها من دائرة الخدمات الحكومية ذات التكلفة الأقل، وهو عملياً تحصيل عوائد للحكومة وشركائها الخاصين، من عملية إدخال الأملاك العامة في إطار السوق، وهو تخلي عن طابع الملكية العامة للأراضي والعقارات، والمنشآت التابعة للسلطات المحلية، وبالتالي للخدمات المقدمة فيها.
الإشراف الفعلي لكبار المساهمين!
يعتبر المعنيون أن شكل الشركة القابضة، يتيح المساهمة والإشراف على النشاطات كافة التي ستقوم بها الشركات الفرعية، ولكن ملكية هذه الشركات التي ستقوم بالأعمال الإنشائية أو الخدمية، ستكون بحسب ما يقدمه القطاع الخاص المشارك، وبالتالي فإن آليات وشروط عملها ستكون متوافقة مع مصلحة المساهم الأكبر في كل نشاط، ووفق شروطه، لأن بديهيات القوانين المنطقية للسوق، تقول أن من يملك يحكم، وهو القادر على فرض شروطه، مقابل ماله وشرط ربحه.
حدود للخصخصة أم إطلاق لها؟!..
يؤكد المتخصصون بأن المرسوم مرتبط بإدارة واستثمار أملاك الوحدات الإدارية، فقط، أي لا يشمل حتى الآن الاعمال الخدمية الاعتيادية للسلطات المحلية، أي أننا حتى الآن لن نضطر إلى دفع نفقات ورسوم إضافية مقابل خدمات البنى التحتية، والصرف الصحي، والنظافة العامة أو الدفاع المدني، أو إصدار الأوراق الثبوتية في أحيائنا وبلداتنا ومدننا، ولكن فقط في تلك المناطق التي ما زالت خارج إطار الدمار!
أما المناطق التنظيمية والتي ستشمل المناطق المدمرة والمطلوب إعادة إعمارها، مع مناطق أخرى ستكون كل نشاطات إدارتها واستثمارها وتخديمها مخصخصة..؟؟
إعادة الإعمار..
خصخصة كاملة!
تعتبر المناطق التنظيمية المحدثة، أو المستحدثة، هي أهم الأهداف العملية للمرسوم رقم 19، والمقصود بها مناطق سكنية جديدة تعتبر أراضيها أملاك عامة، أو تستملك من قبل الدولة، كما في منطقة (المزة- بساتين الرازي) في دمشق التي يخطط أن تكون نموذجاً يحتذى، للمناطق التنظيمية القادمة التي ستشمل لاحقاً المناطق المهدمة والتي يجب إعادة إعمارها.
أتاح المرسوم في هذه المناطق وبذريعة حجم المهمات المطلوب تنفيذها فيها ضمن آجال زمنية محددة، أن تقوم الشركة القابضة الحكومية بتكليف الشركات الفرعية المتنوعة التي تُنشئها أو تساهم فيها، بمهام تتعدى إدارة واستثمار الأملاك، إلى مهمات تشمل كافة عمليات الإدارة والتنظيم، وحتى المهمات ذات الطابع القانوني والخدمي والإنشائي، والجبائي، وإدارة الصناديق المرتبطة بالمناطق التنظيمية، والتي قد تكون من مخصصات الموازنة، أو من إيرادات السلطة المحلية وغيرها، وذلك بمشاركة وإشراف الشركة القابضة الحكومية، أي عملياً الوحدة الإدارية والسلطة المحلية.
عملياً ستدخل المهمات الخدمية كافة في المناطق التنظيمية، في مهام الشركة القابضة الحكومية وشركائها الخاصين، وعلينا أن نتوقع بناء عليه، أن الشركاء المساهمين في الشركات الفرعية، التي تشارك فيها الحكومة بشركتها القابضة، سيسعون إلى تحصيل إيرادات من الخدمات كلها التي يقومون بها، وهذه الإيرادات ستكون بالنهاية من مستخدمي الخدمات أي من المواطنين، وستتحول المناطق التنظيمية، إلى مناطق تتخصخص فيها الخدمات بأكملها، وبالتالي ستصبح مأجورة، بأجر يحقق استعادة النفقات المدفوعة في إعادة التأهيل، ويحقق استمرار أرباح للشركات الخاصة المخدمة، وللشركة القابضة الحكومية المشاركة!.
وهنا لا تستثنى خدمات من نوع، إجراءات منح تراخيص البناء ومراقبة تنفيذها، ومنح إجازات السكن، ومطابقة إفراز الأقسام المنفذة، وهي المهام القانونية وليست فقط مهام إدارية، يضاف إليها مهام تحصيل الرسوم والبدلات والغرامات المتعلقة بأعمالها لصالح الوحدة الإدارية، مع المهام الخدمية المركزية مثل إحداث وإدارة مركز خدمة المواطن. وصولاً إلى تنفيذ البنى التحتية وإدارة النظم الالكترونية في المناطق التنظيمية!. وكل هذه المهام مذكورة في المرسوم باعتبارها من الممكن أن تفوض للشركة القابضة والشركات الفرعية الخاصة التابعة لها!..