استيراد المازوت باعتراف رسمي: نهب 5 مليار ليرة من عرق السوريين خلال شهري الشتاء!
في لحظات الفوضى والاضطراب تجد بعض الحقائق المخبأة طريقها إلى العلن، كانعكاس للتضارب بين قوى الفساد وحيتان المال، واشتداد (وقع أفعالهم)، فعلى الرغم من أن كل أقطاب الفساد والليبرالية على اتفاق تام حول هدف تحرير القطاعات الاقتصادية السيادية وذات العائد الكبير من يد جهاز الدولة، وتسليمها للقطاع الخاص، إلا أن هذا لا يمنع ظهور تناقضات تساعد في إجلاء صورة حجم النهب.
تحرير أسعار المازوت على سبيل المثال، ونتائجه، دفع إلى إظهار حقائق حول أرقام الربح الاحتكارية الكبرى وآثارها، والكلام هنا حول ما بينه كتاب حاكم مصرف سورية المركزي، الموجه بتاريخ 10-4-2015، والمنشور في جريدة تشرين بتاريخ 23-4-2015، والذي كان مضمونه: اتهام الأرباح الاحتكارية لمستوردي المازوت بأنها أهم أسباب الضغط على قيمة الليرة.. من التصريح نستطيع استنتاج الكثير من المفارقات وحتى توجيه الاتهامات وتحميل المسؤوليات..
بعد (وقوع الفأس بالرأس)!
نستطيع أن نلخص من الكتاب المنشور الأفكار والأرقام الرئيسية المعلنة، فأولاً: المصرف المركزي منح مستوردي المازوت في أشهر الشتاء كانون الأول 2014، وكانون الثاني 2015، إجازات لاستيراد المازوت بقيمة 20 مليون دولار، وبسعر صرف 215 ل.س/$، أما الغاية فهي استيرادهم 40 ألف طن مازوت.
وثانياً: كانت التكلفة التقديرية الإجمالية 4,3 مليار ل.س، بحسب الحاكم، بمقدار 110 ليرات لليتر الواحد، أما السعر النظامي الذي حددته الحكومة لهؤلاء هو 125 ل.س لليتر المازوت. ثالثاً: وأخيراً حجم أرباح المستوردين الذين باعوا المازوت بحوالي 10 مليار ل.س، أي بربح حوالي 5,7 مليار ل.س، وهذه المبالغ طرحت في السوق لتستبدل بالدولار من قبل المستوردين، وشكلت طلباً عليه بمقدار 22 مليون دولار، دفعت إلى ارتفاع السعر في السوق كما ورد في كتاب المركزي.
تكبير التكلفة.. إخفاء الربح
في شهر 10-2014 خرج وزيرا النفط والاقتصاد، ليبررا قرارات رفع أسعار المحروقات، والسماح للقطاع الخاص بتأمينها، وكان من بين ما صرح به وزير النفط: بأن المازوت لا يزال مدعوماً، لأن التكلفة بلغت 160 ل.س!.
تصريح الحاكم يوضح أن التكلفة لا تتعدى 110 ل.س لليتر، والوزير يضيف 50 ل.س تكلفة؟! ليبرهن وجود دعم بمستوى ما!.. أما المازوت فلم يكن مدعوماً، بل أصبح رابحاً عندما حُرّر السعر الحكومي إلى 125 ل.س، ليناسب السوق المستوردة. إذاً الحكومة رفعت سعر المازوت إلى الحد الذي يحقق ربحاً لها وللمستوردين، وأخفت ذلك، بتضخيم التكلفة إلى 160 ل.س.
عشرات مليارات أرباح شرعية
الحكومة سمحت للتجار المستوردين بتحصيل ربح 15 ل.س في الليتر، فالبيع النظامي يجب أن يكون 125 ل.س، والتكلفة 110 ل.س. أي أن كتلة الربح الشرعية الإجمالية التي تتيحها الحكومة لمستوردي 40 ألف طن من المازوت فقط، تبلغ 600 مليون ل.س.
وهذا الربح تم تحصيله خلال شهرين فقط، لمستوردي 40 ألف طن والتي تعتبر حوالي 1,6% من مجمل حاجات البلاد من المازوت والبالغة 1,7 مليون طن في عام 2014 بعد تراجع الاستهلاك خلال الأزمة.
فماذا لو أمّن هؤلاء كل الحاجات المذكورة؟! حينها الربح الشرعي المبرر حكومياً سيبلغ: 25,5 مليار ل.س، وسيقابله طلب على الدولار بمقدار: 98 مليون دولار خلال عام يسعى هؤلاء لتحصيلها من السوق النظامية أو غير النظامية.
لا ترى الحكومة أي مشكلة في هذه الأرباح النظامية، بل تعتبرها حقاً مشروعاً، وتحدد سعر المازوت الموزع حكومياً ليتوافق معها، ولكن السوق (لا تستحي من كرم السياسات) بل تتغوّل!..
مئات المليارات أرباح احتكارية
بالنتيجة لم تبع مستوردات المازوت بالسعر النظامي، بل بيعت بأسعار احتكارية، وبمجمل 10 مليار ل.س، أي حوالي 5,7 مليار ل.س ربحاً احتكارياً، أي أنها بيعت بسعر 250 ل.س/ لليتر، وذلك وفق كتاب المركزي. وبنسبة ربح 127% في الليتر، أي ربح 140 ل.س فوق التكلفة.
أي أن السماح للقطاع الخاص باستيراد المازوت أدى إلى قدرته على فرض سعر احتكاري للمادة في الظروف الحالية، وتحقيق ربح 5,7 مليار ل.س خلال شهرين، ومن استيراد 40 ألف طن فقط. أما إذا قاموا باستيراد كل الحاجات من المازوت (1,7 مليون طن) وهي حاجات النقل والصناعة والتدفئة، فإن الربح الاحتكاري القابل للتحقيق يبلغ: 238 مليار ل.س، بنسبة ربح 127%.
إن هذه الأرباح تعادل 75% أي ثلاثة أرباع كتلة الأجور والرواتب السورية المسجلة في موازنة 2015، يحصلّها مستوردو المازوت فقط إن تم الاعتماد عليهم في استيراد كل حاجات البلاد وفرضوا أسعارهم الاحتكارية.
247 مليار ليرة ربح محتمل!
إن معرفة حجم الأرباح المحتملة من توزيع قطاع المحروقات، يفسر السعي الحثيث لقوى الفساد والسوق للتخلص من دعم الدولة، والانتقال إلى تحرير السعر.
فإذا ما قام القطاع الخاص بتأمين المازوت والبنزين وفق الحاجات المعلنة في الأزمة، أي حوالي 1,7 مليون طن مازوت، و1,2 مليون طن بنزين، وفرضوا ربحاً احتكارياً بنسبة 80% فقط، أي تم البيع بسعر بين 195-200 ل.س لليتر، وربح قرابة 85 ل.س في الليتر بالحد الأدنى، فإن هذا سيؤدي إلى تحقيق أرباح سنوية تبلغ: 102 مليار ل.س من البنزين، و145 مليار ل.س تقريباً من المازوت، أي إجمالياً: 247 مليار ل.س.
أما الربح النظامي فليس بالقليل أيضاً، حيث أن ربح 15 ل.س في ليتر المازوت، و30 ل.س في ليتر البنزين (سعر 140 ل.س) سيحقق أرباحاً مجملها: 25,5 مليار ليرة من المازوت، و 36 مليار ليرة من البنزين، أي حوالي 62 مليار ل.س تقريباً، ربح مشروع لتجار يستوردون حاجات البلاد من مادتي المحروقات الرئيسيتين!.
(من يملك يحكم)!
ليس هناك أي وهم لدى كل من يمتلك أية موضوعية علمية أو تجربة واقعية، بأن مستوردي مادة رئيسية كالمازوت سيلتزمون (بالتسعيرة الحكومية)!، على الرغم من أنها تتيح لهم مئات ملايين من الأرباح خلال فترات وجيزة، بل حتماً سيكون هؤلاء قادرين على فرض أسعار احتكارية عالية، مع تحكمهم بالوقود، عصب الإنتاج!
الجميع يعلم بأن: (من يملك يحكم)!. ولن يكون أي جهاز دولة، مهما بلغ مستوى حجمه وسطوته الظاهرية قادراً على أن يتحكم بالأرباح والأسعار، إذا ما سلّم لملوك المال، مفاتيح تأمين الحاجات والمدخلات الرئيسية في الإنتاج، وتحديد مستويات الأسعار، وهذا ما حصل في سورية خلال مرحلة الليبرالية الاقتصادية السابقة، وتصاعد كثيراً خلال الحرب.
تحرير قطاع المحروقات وإلغاء الدعم، هو أحد المفارق الرئيسية في ممارسات السياسة الاقتصادية الليبرالية التي سيسجل السوريون أن من متخذي هذا القرار الليبرالي، كانوا من أهم مسببي تراجع قيمة العملة الوطنية بدعم أصحاب الربح الكبير الساعين وراء الدولار، ومن أهم مسببي تراجع دور الدولة في الدعم والإنتاج، وبالتالي القدرة على ضبط الأسعار، وكل من الجانبين يعتبر محدد نشوء (الدولة الهشة).
600 مليون ل.س
الربح النظامي المتاح حكومياً لتجار القطاع الخاص الذين استوردوا 40 ألف طن مازوت خلال شهرين فقط!، إذا ما باعها المستوردون بالسعر المحدد حكومياً 125 ل.س لليتر، بينما التكلفة 110 ل.س.
5,8 مليار ل.س
الربح الاحتكاري الفعلي لتجار القطاع الخاص الذين استوردوا 40 ألف طن مازوت خلال شهرين فقط، بعد أن باعوها خلال الشتاء بسعر احتكاري 250 ل.س لليتر.
62 مليار ل.س
تقدير الأرباح المتاحة حكومياً لمستوردي القطاع الخاص إذا ما قاموا باستيراد حاجات البلاد من المازوت والبنزين وباعوها بالسعر النظامي.
247 مليار ل.س
تقدير الأرباح التي قد يحققها مستوردو القطاع الخاص إذا ما قاموا باستيراد حاجات البلاد من المازوت والبنزين، وباعوها بنسبة ربح احتكارية 80% فوق التكلفة.
79,5 مليار ل.س
قدرت قاسيون سابقاً الأرباح المتوقعة من البيع الحكومي لكل من المازوت والبنزين والغاز في 2015 وذلك بعد رفع الدعم عنها، مع العلم أن الرقم يزداد بعد رفع الدعم عن الفيول في شهر 4-2015.