الناس لـ(قاسيون):الأجر (سيرلانكي) والمصروف (سويسري)؟!
أجرت قاسيون استطلاعاً موسعاً حول وضع الأسر السورية في ظروف الأزمة، المهجرة والمقيقة في دمشق، وقد أوضحت معظم الأسر المستطلعة آراءها عن حجم كامل دخولها الفعلية وحجم مصاريفها وكيفية تغطية الفارق بين المصاريف المتزايدة والدخول المتهاوية، هذا وقد شمل الاستطلاع شرائح مختلفة من متقاعدين وأرامل وموظفين وأصحاب بقاليات وعمال عاديين.
خاص قاسيون
من ساحة شمدين في حي ركن الدين الذي بات يعج بالنازحين بدأنا سيرنا على الأقدام ساعين لأي مصارحة يغنينا بها أبناء ذلك الحي الشهير عن أوضاع معيشتهم. ليس سهلاً أن يبوح المرء بأوجاعه بسهولة لصحفي عابر هذه الأيام. لكن أبو بكر وهو ستيني العمر أجاب بوضوح، فهو صاحب بقالية قديم في الحي وقال: (لي بقالية أعيش منها مع أسرتي، استهلكت رأسمالي البالغ 200 تنكة زيت قبل الأزمة ولا يمكن لدخلي الحالي تغطية مصاريفي، كما تحملت ديوناً كثير ولولا راتب ولدي الذي يسكن معي لما بقينا على قيد الحياة).
هل من عودة!
في السوق قرب بقالية أبو بكر، التقينا أبو محمد وهو مدرس مهجر ولديه ستة أولاد بالإضافة لزوجته الموظفة، فأوضح: (راتبي وراتب زوجتي 55 ألف ليرة، وأجار بيتنا ارتفع إلى 32 ألف بعد أن كان 18 ألف أي أكثر من النصف، ونغطي الفارق من مساعدات إحدى الجمعيات الخيرية، كما أننا قمنا ببيع كثير من أغراض منزلنا التي حملانها معنا عند التهجير) ويختم أبو محمد: (نتمنى أن تنتهي مأساة السوريين وأن نعود لبيوتنا ولو كانت مدمرة)!
مضينا صعوداً باتجاه ساحة جودي في الحي، فاستضافتنا أم علي بصدر رحب. هي أرملة في الخامسة والثمانين. لم تميز كثيراً أننا صحفيون ظناً منها أننا موظفون حكوميون. بالنسبة لها لم يبق من العمر الشيء الكثير لتتهيب أي أحد، فروت بسلاسة: (راتب زوجي التقاعدي حالياً هو 3800 ليرة وأعطوني 2000 ليرة بعد الزيادة الأخيرة بدلاً من 4000 ليرة.. يكذبون علينا، فهذا لا يكفي ثمن الدواء) وتردف أم علي: (تهجرت من دير الزور وبيتي تدمر، وأعيش الآن مع ابني وأولاده وهو أيضاً ضعيف الحال).
مصائب قوم!
يتنهد أبو علاء وهو من سكان الحي منذ زمن، ومن فلسطينيي نكبة عام الـ 48 بين الفينة والأخرى أثناء الحديث ثم يبتسم ليقول: (راتبي 35 ألف ليرة وأعمل عملاً إضافيا لمدة 10 ساعات لأحصل حوالي 30 ألف أخرى على أكثر تقدير، ومع ذلك لا استطيع تغطية مصاريفي، فلدي 4 أولاد اثنين منهما في الجامعة يحتاجان 140 ألف ليرة سنوياً.. ولولا المساعدات العينية والمالية التي نحصل عليها من الأونوروا لما استطعنا من الاستمرار). ويؤكد الرجل: ( لا نريد أن نهاجر من هذا البلد.. أساساً لا أملك مالاً أدفعه للمهربين.. لكن مصائب قوم عند قوم فوائد، فأختاي اللتان هاجرتا إلى أوروبا، تحولان لي مبالغ مالية من حين لآخر)!
لا يحبذ أبو وحيد الحديث مع الصحافة كثيراً، فهو مساعد متقاعد من الجيش لكنه أجاب بشكل مقتضب: (راتبي التقاعدي 24 ألف ليرة وأجار بيتي 35 ألف.. ولو عمل ابني، وهو طالب في كلية الإعلام، في أحد المطاعم ومساعدات الأقارب، وإحدى الجمعيات الخيرية لما استطعنا الاستمرار). وأردف أبو وحيد وهو المهجر من منطقة الحجر الأسود: (نقتّر على أنفسنا قدر المستطاع .. لم نشتر لباساً منذ سنوات.. ابني اعتقل وهو طالب في كلية الحقوق دون أي سبب وابنتي الآخرى استشهدت برصاص قناص.. لكنني آمل بوقف الحرب وإيجاد حل سياسي وأن يتسامح كل السوريون).
التغيير أو أجور على أساس الدولار
أنهينا جولتنا في حي ركن الدين وتوجهنا إلى جنوب العاصمة، إلى الزاهرة، الحي المكتظ قبل الأزمة والذي يكاد ينفجر من كثافة السكان اليوم. من السهل جداً أن تلحظ أسراً بحالها تفترش الحدائق هناك. لم نستطع الحديث لهم بشكل مباشر فالحديقة تعج بـ(الأجهزة المختصة) ذات الحساسية العالية من أي وسيلة إعلام.
يقول مراد وهو رب أسرة مكونة من 4 أشخاص (كنت أعمل حداداً ودخلي من هذا العمل حوالي 40 إلى 50 ألف شهرياً لكن مصروفي كان بحدود 70 ألف شهرياً، وكنت أغطي الفارق عبر المساعدات من الأهل والأقارب وحوالات بعض أصدقائي في الخارج) ويعقب مراد: (لكنني فقدت عملي منذ 6 أشهر ولا أرى حلاً غير السفر وحتى لو انتهت الأزمة فلن تعود الأمور كما كانت عليه).
بالنسبة لكمال وهو رب لأسرة مكونة من 6 أشخاص فالأمور واضحة لا لبس فيها على حد تعبيره، فلا حل من وجهة نظره إلا (بتغيير النظام أو أن يعطوننا راتبنا على أساس سعر الدولار) حيث صارحنا كمال وقال: (أعمل سائق تكسي ودخلي من 20 إلى 30 ألف وراتب زوجتي 20 الف، ونحتاج لـ 80 ألف ليرة للمصروف بالحد الأدنى فكيف سنستمر؟!). يتقاطع حديث كمال مع صديقه سمير وهو ممرض وموظف منذ 5 سنوات براتب لا يزيد عن 22 ألف!
تقول سناء وهي طالبة جامعية في كلية الاقتصاد وتقطن في الحي، غادرت مدينة السلمية مع أهلها مؤخراً: (عائلتي مكونة من 5 أشخاص ووالدي موظف بسيط راتبه لا يتجاوز 30 ألف ليرة وأنتم أدرى بمصاريف الأسرة.. يعني باختصار الراتب سيرلنكي والمصروف سويسري) وتختم سناء: (لم نعد نشعر بالأمان وأصبحنا نفكر لأول مرة بمغادرة البلد).
الله يفرج!
عائلة وليد هي من عائلات ريف دمشق، من الغوطة الشرقية، تهجرت من مدينة سقبا ولها في حي الزاهرة 3 سنوات، يقول وليد وهو من عائلة مؤلفة من 10 أشخاص: (نعمل أنا واثنان من إخوتي عمالاً مياومين بغسيل السيارات بأجر 500 ليرة يومياً) وعند سؤاله حول ما يراه من حل لهذا الواقع أجاب كما كل السوريين (الله يفرج أحسن شي).
قد يكون حال أم مجد وعائلتها من أكثر الحالات حظاً، فهي تعمل مدرسة وزوحها معلم أيضاً هجروا من دير الزور وقطنوا في حي من أحياء دمشق الشعبية يملكون فيه منزلاً منذ زمن، ولكن ما نفع هذا المنزل بعد أن خسروا راتبهم! توضح أم مجد: (منذ أربعة أشهر لم نقبض رواتبنا بسبب الحصار كانت رواتبنا تبلغ حوالي 55 ألف ورغم أنها لم تكن تغطي كامل المعيشة إلا أنها كانت تسد جزءاً هاماً حيث لم نكن مضطرون لدفع آجار بيت.. حالياً أعمل بالسنارة لكنني لا أستطيع أن أنتج أكثر من قبعتين سعر كل واحد 50 ليرة وهذا لا يغطي ثمن الخبز في هذه الأيام)!
قد لا تضيف قاسيون شيئاً هاماً برصدها لواقع معيشة السوريين، فمن كان لنا حظ لقائهم كانو دائماً (نحن مستورون) فتشوا عمن لم يجد مأوىً يقابلكم به، ولا يسعنا إلا الاعتذار لمن لم نستطع أن نصل إلهم فقد قمعتنا الأزمة كما فعلت بهم فضللنا إليهم السبيل!