لعبة الدولار.. مغارة (علي بابا) الجديدة!

لعبة الدولار.. مغارة (علي بابا) الجديدة!

ارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء مقابل الليرة السورية من 260 ل.س/$ في العُشر الأخير من  شهر آذار 2015 إلى أكثر من 310 ل.س/$  في الأسبوع الأخير من شهر نيسان 2015، أي بمعدل 20% تقريباً  خلال 40 يوم.

بتاريخ 10/4/2015 وجه حاكم مصرف سورية المركزي كتاباً تحدثت عنه صحيفة تشرين مفاده: أن أرباح مستوردي المازوت من القطاع الخاص بلغت 5 مليار ل.س إضافية عن الربح المنطقي وفق السعر المحدد حكومياً للبيع، وهي التي تشكل ضغطاً على الليرة السورية، حيث يقوم هؤلاء باستبدال المليارات التي جنوها من السوريين بالدولار في السوق السوداء.

للمرة الأولى تقترب تصريحات رسمية حول سعر الصرف من الحقيقة، وبغض النظر عن أسباب التصريح، إلا أنه يفتح على ضرورة كشف علني للأسباب الحقيقية لارتفاع سعر الصرف، والتي لا تقتصر على 5 مليارات ربح لمستوردي المازوت، بل ترتبط بوجود الربح الكبير المتمركز لدى قلة قليلة من حيتان المال والربح والمضاربة في السوق السورية.
قاسيون تقدم قراءة حول الآليات التي تحصل خلال فترات الربح الذهبية الناجمة عن مضاربة قوى السوق الكبرى على قيمة الليرة السورية، بجوانب ثلاث: أرباح كبار مالكي الدولار ومحتكريه، أرباح من ضخ المصرف المركزي، وأرباح من رفع مستوى الأسعار.


حبس الدولار أو طلب كبار الرابحين عليه

ما الذي يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ وسريع في سعر الصرف؟ تنحصر الإجابة في أحد سببين، إما أن كبار مالكي الدولار في السوق يحتكرون عرضه ويمتنعون عن البيع بغية رفع السعر، أو أن كبار مراكمي الأرباح بالليرة السورية في السوق شكلوا ضغطاً عالياً من الطلب على الدولار لتحويل أرباحهم من الليرة إلى الدولار، كأن تقوم إحدى الشركات الكبرى الرابحة مبالغ بعشرات المليارات من الليرات السورية، بطرحها في السوق السوداء لاستبدالها بالدولار مشكلة طلباً كبيراً عليه، وقد تكون العمليتان مترافقتين أي طلب عالٍ من كبار الرابحين، وفرض سعر احتكاري من كبار مالكي الدولار في السوق.
وهذه الاختناقات هي حالة طبيعية نتيجة تراكم كبير للدولار لدى قلة، وتراكم كبير للأرباح بالليرة لدى قلة أيضاً، أي نتيجة طبيعية لتحكم كبار قوى السوق بالسيولة سواء بالكتلة الأكبر من الدولار، أو الكتلة الأكبر من الليرة، وسعيهم الدائم والمستمر للتخلص من الليرة والتحويل إلى دولار، وتحديداً أن طابع النشاط الاقتصادي أصبح مرتبطاً بالدولار بشكل كبير نتيجة توسع الاستيراد، وغياب أي دور إنتاجي للدولة ودعمها لعمليات الاستيراد.
تترافق عملية (حبس) الدولار من قبل كبار مالكيه، أو زيادة الطلب الكبير عليه من كبار الرابحين بالليرة، مع إشاعات واضطراب وتدهور سريع في قيمة الليرة تؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار من الرابحين الصغار، ومن المدخرين السوريين الذين يحاولون أيضاً أن يحافظوا على قيمة مدخراتهم بتحويلها إلى دولار ما يؤثر إلى حد ما أقل في ارتفاع سعر الصرف..


بائعو الدولار:مليار ليرة بعملية واحدة!

إذا افترضنا أن محتكرو الدولار قد خصصوا لعملية المضاربة الأخيرة، جزءاً لا يتعدى 20 مليون دولار يبيعونها بشكل متقطع للسوق وبالسعر المرتفع حصراً. فإن هذه الكمية التي كان سعرها السابق قبل الارتفاع 260 ل.س/دولار، تباع في السوق السوداء بسعر صرف 310 ل.س/دولار بعد الارتفاع، ما يحقق ربحاً سريعاً قدره 1 مليار ل.س، ويحقق إيرادات إجمالية 6,2 مليار ل.س، فما بالنا بكمّ الأرباح المتكدسة من باقي عمليات التدخل.


المركزي يعوض السوق عن دولارات المضاربة!

يجد المركزي أن دوره يقتصر على التأثير ضمن قانون العرض والطلب، أي بمعنى آخر يعتبر أن ارتفاع سعر الصرف هو نتيجة لزيادة الطلب على الدولار في السوق، وعدم توفره، ليقوم بضخ القطع الأجنبي في السوق وتزويدها به، متجاهلاً أن نقطة انطلاق ارتفاع سعر الصرف ناجمة عن النشاط غير الشرعي، لقوى السوق سواء التي تحتكر الدولار وترفع سعره، أو التي تبيع الليرة السورية التي حصلتها من أرباحها.
يستجيب المصرف المركزي للنشاط غير الشرعي للسوق، ويسلك السلوك التقليدي بتزويد السوق في هذه الحالات بالدولار، عن طريق تمويل مستوردات التجار وعن طريق عمليات الضخ المباشرة أي البيع لشركات ومكاتب الصرافة.
حيث قدم المركزي تسهيلات استثنائية للسوق، كاستجابة لرفعها لسعر الصرف، بدأت من الإعلان عن رصد مبلغ 100 مليون دولار لتمويل المستوردات خلال أسابيع، وتمويل كافة إجازات الاستيراد التي تفوق 300 ألف دولار، ووصول وسطي تمويل المصارف لمستوردات التجار إلى 6 مليون دولار يومياً، ثم رفع حصة التاجر من تمويل المستوردات عن طريق مؤسسات الصرافة من 100 ألف دولار، إلى 300 ألف دولار، وانتهاءً بالبيع اليومي لمكاتب وشركات الصرافة لتقوم ببيع القطع الأجنبي للمواطنين، بمعدل 200 دولار للمواطن شهرياً.


حيث حصل التجار الممولة مستورداتهم على الدولار بسعر صرف 257 ل.س/$، وارتفع لاحقاً إلى 260 ل.س/$.
تؤمن عملية تمويل المستوردات انتقال جزء هام من القطع الأجنبي من المركزي إلى السوق السوداء، وذلك عن طريق  بيانات الاستيراد المزورة، أو عن طريق زيادة مبلغ التمويل، مقابل انخفاض الكميات المستوردة، وهذا واضح من مخالفات التجار الممولين الكثيرة، التي تكرر ذكرها في تصريحات المركزي حول (المستوردين الوهميين) المضاربين على القطع الأجنبي، كما كانت هذه العملية هي الدافع نحو السير المؤقت في عملية ترشيد الاستيراد في 2013. كذلك الأمر بالنسبة لشركات الصرافة التي تؤمن بساطة الإجراءات  وضعف الرقابة على عملها الكثير من المخالفات التي دفعت إلى حملات الإيقاف المؤقت لمكاتب وشركات الصرافة، والتي انتهت بتسويات ومخالفات بسيطة لهؤلاء!.

بكل الأحوال فإن عملية ضخ الدولار تؤدي إلى تزويد السوق بمزيد من الدولار، يعود الجزء الأكبر منه إلى مالكي الدولار ومحتكريه، عن طريق شركات ومكاتب الصرافة التي تعتبر بوابة لهؤلاء، ويعود الجزء الآخر إلى كبار الرابحين ممن (كبوا) الليرة وطلبوا الدولار. بينما يتبخر جزء هام من مدخرات صغار المدخرين، ويدفعون ثمن المضاربة للسوق السوداء.


من ربح بالليرة إلى تراكم رأس مال بالدولار!

بالعودة إلى افتراضنا السابق أي تحقيق بائعي الدولار لإيرادات إجمالية بمقدار 6,2 مليار ليرة والتي كانت قد كلفتهم حينها 20 مليون دولار فقط، فإنهم بهذا المبلغ يستطيعون شراء مبلغ 24 مليون دولار وفقاً لشريحة الدولار التي يبيعها المركزي وفق سعر التدخل عند 260 ل.س/$، أي أنهم حققو 4 مليون دولار إضافية سيبيعونها بسعر مرتفعٍ لاحقاً ليحققوا مزيداً من الأرباح. أي أن عملية التدخل كفيلة  ليس فقط بتعويض رأس المال لبائعي الدولار بل بتكبير رأس المال هذا عند كل تدخل.


الجولة الأخيرة من الربح

لا تقتصر أرباح قوى السوق الكبرى في مرحلة المضاربة الذهبية، على الربح من بيع الدولار بسعر مرتفع، أو على الربح من شراء الدولار من المركزي بسعر أقل، بل تتعدى ذلك إلى سحب جزء كبير من الأموال من السوق المحلية عن طريق رفع مستويات الأسعار، للسلع والخدمات المرتبطة بالدولار أو غير المرتبطة به. أي السحب مما يدفعه السوريون الذين لا يتعاملون بالدولار مقابل حاجات حياتهم اليومية.
فيستطيع كبار تجار الاستيراد، وتجار الجملة، وأصحاب المستودعات ومحتكري السلع، أن يفرضوا أسعاراً عالية في فترة الفوضى والاضطراب، ويراكموا أرباحاً إضافية جديدة، أي مضاربة على قيمة السلع والمواد وغيرها.
حيث في المرحلة الحالية ارتفعت أسعار الخضراوات المنتجة محلياً بنسبة 100% في ظل ارتفاع سعر الصرف، كما في حالة البندورة القادمة من حوران، أو الموز الصومالي المستورد قبل ارتفاع سعر الصرف، والذي ارتفع من 300 ل.س تقريباً إلى 1000 ل.س. وتظهر هذه الحالة في سوق الالكترونيات والأدوات الكهربائية التي تحرك أسعارها اليومية مع سعر صرف الدولار، لترتفع أسعارها بنسبة 20% خلال شهر.

بالنتيجة المتكررة خلال أعوام الأزمة لهذه الإجراءات ينتقل سعر الصرف الرسمي التدخلي عبر مؤسسات الصرافة إلى مستويات قياسية جديدة أعلى من السابق، فمن 228 في آخر آذار إلى 260 في آخر نيسان، أما سعر صرف السوق السوداء فقد انخفض مؤقتاً من 330 وهو أعلى سعر وصل له إلى 308 ليرة للدولار وهو رقم قياسي جديد.