رسم الإنفاق الاستهلاكي.. وترسيخ ارتفاع الأسعار
تحت شعار عقلنة الدعم، قامت الحكومة برفع أسعار كافة المواد التي تقوم بتوزيعها حيث شهدنا رفعها لأسعار مجمل المواد المدعومة الخبز، المحروقات بأنواعها، الغاز المنزلي، السكر الرز.
ورفعت كذلك أسعار الإسمنت بنسبة تتراوح بين 20- 30% للأنواع المختلفة، كما رفعت أسعار الأعلاف التي تبيعها لمربي الحيوانات بنسبة 85% للشعير و103% للنخالة، وبقية المواد العلفية غير المدعومة بنسب مختلفة.
محرر الشؤون الاقتصادية
يضاف إلى عملية الرفع المباشر لمستويات أسعار المواد الموزعة حكومياً، فإن السياسات تؤسس أيضاً لرفع المستويات العامة للأسعار بطرق أخرى أهمها أنواع الرسوم والضرائب التي تؤدي إلى أثر مباشر على أسعار السلع في السوق.
فعلى سبيل المثال، سبق الرفع المباشر لأسعار الأعلاف، رفع الرسوم الجمركية على مستورداتها إلى نسبة 5% لتكون الأعلاف معاكسة لاتجاه تخفيض الرسوم الجمركية على المستوردات الأخرى وفق التعرفة الجديدة.
لا يبدي أصحاب القرارات السياسية الاقتصادية في المرحلة الحالية، أي اهتمام بنتائج السياسات التي تؤدي إلى ارتفاع مستوى الأسعار، وهذه اللامبالاة ظهرت بوضوح منذ بداية العام الحالي مع اشتداد مستويات رفع أسعار السلع المدعومة، ومع طريقة الرفع غير المباشر الأبرز، وهي رسم الإنفاق الاستهلاكي الصادر في المرسوم التشريعي رقم 11 لعام 2015، بتاريخ 28-1-2015.
(الإنفاق الاستهلاكي).. تكليف جائر
الرسم هو ضريبة تفرض على كافة حلقات إنتاج وتوزيع أو استيراد السلع، وعلى بعض أنواع الخدمات، وخصت جملة واسعة من المهن والخدمات والمستوردات.
إلا أن هذا النوع من الضريبة، على الرغم من التسويق له على أنه توزيع للتكليف الضريبي، أي يهدف إلى تحقيق عدالة ضريبية، إلا أنه عملياً يُدفع من المستهلكين النهائيين للسلع والخدمات، أي يحمل العبء الضريبي جوراً على المستهلكين فقط، ويؤدي إلى ارتفاع في المستوى العام للأسعار.
الرسم على المستوردين
يفرض رسم الإنفاق الاستهلاكي على المستوردين، ليدفعه هؤلاء مرة واحدة عند استيراد موادهم، وليقوموا بعدها برفع أسعار هذه السلع المستوردة بالنسبة ذاتها، أي أن المستوردين عملياً يعوضون ما دفعوه من رسوم إنفاق استهلاكي على مستورداتهم، من جيوب المستهلكين النهائيين لمستورداتهم، والنسب وضعت بحسب الشرائح الجمركية، لتترواح نسب رسم الإنفاق الاستهلاكي بين: 1%-2%-3%-5% لا أكثر، ويستثنى منها بعض المواد التي فرضت عليها رسوم أعلى.
5% على المنتج المحلي
و1% فقط على المستورَد!
أما بالنسبة لرسم الإنفاق الاستهلاكي على المنتجين المحليين، وأصحاب المهن، فإنه يفرض لمرات متتالية، أي (مع كل فاتورة أو عقد أو عملية بيع أو خدمة مرتبطة بالإنتاج)، بحسب المرسوم. اتحاد غرف الصناعة، الذي اعترض على رسوم الإنفاق الاستهلاكي على الصناعات المحلية، ذكر أن أدنى حد للرسم على المنتجين المحليين هو 5% مروراً بـ 10% ، وصولاً إلى 16% و 24 % رسم إنفاق استهلاكي يدفعه المنتجون المحليون في بعض المهن متراكم خلال مراحل عملية الإنتاج وشراء المستلزمات المختلفة.
وفي ذلك خطوة جديدة نحو دهورة ما تبقى من إنتاج صناعي محلي، بعد أن رفعت أسعار المستلزمات، وفي مقدمتها المازوت.
حيث دعا اتحاد غرف الصناعة إلى إلغاء رسم الإنفاق الاستهلاكي على الإنتاج المحلي، وفرض رسم إنفاق استهلاكي على المستوردات المنافسة للمواد المنتجة محلياً بحد أدنى 10%، كما تفعل الأردن على سبيل المثال، ودعا إلى ملاحظة المفارقة بين فرض رسم على مستوردي الخيوط بنسبة 1%، بينما الخيوط المنتجة محلياً عليها رسم 5%!.
المستهلك النهائي ضحية الرسم الجديد!
إن الصناعيين أو المنتجين المحليين القادرين على الاستمرار في الإنتاج في ظل ارتفاع الكلف ومنافسة المستوردات المدعومة حكومياً بتخفيض الرسوم بأنواعها، سيعوضون ما دفعوه من رسوم في تسعيرهم للمنتجات المحلية برفع أسعارها.
أي أن المستهلكين النهائيين سيدفعون رسم الإنفاق الاستهلاكي من جيوبهم على السلع والخدمات التي ارتفعت أسعارها، ليعوضوا المستوردين عن النسب الضئيلة التي دفعوها، وليعوضوا ما تبقى من منتجين محليين استطاعوا الخروج من دوامة سياسات دهورة الإنتاج الصناعي المحلي.
سيؤدي تطبيق رسم الإنفاق الاستهلاكي مع تفاعل تطبيقه إلى ارتفاع في مستويات الأسعار، فعلى سبيل المثال لا الحصر، الرسوم التي ستفرض على شركتي الخليوي الخاصتين (سيرتيل، وmtn) ستبلغ 3% من كلفة المكالمات مسبقة أو لاحقة الدفع، ستدفعها الشركة برفع سعر الخدمة على أجور المكالمات، وهذا لا يخالف المرسوم، بل هو الطريقة المنصوص عليها.
سيحقق تطبيق رسم الإنفاق الاستهلاكي جملة آثار سلبية، أولها: رفع المستوى العام للأسعار وفق نسب الرسوم أو أعلى، وثانيها: زيادة الكلف والأعباء على المنتجين المحليين، ما سيؤدي إلى تراجع جديد في قدرات الإنتاج المحلي.
أي أنه ضريبة تساهم في زيادة تفاوت توزيع الدخل والثروة، وتزيد من عدم عدالة التكليف الضريبي، فتتجنب كبار الرابحين، وتكلف المستهلكين النهائيين.
ما الذي سيحققه مرسوم الإنفاق الاستهلاكي؟!
ما سيحققه وفق وجهة نظر الحكومة هو زيادة في إيرادات المال العام من الرسوم والضرائب، ولكنها لن تكون زيادة هامة، بحكم أنها تفرض رسوماً خفيفة على النشاط الرئيسي في الظروف الحالية وهو التجارة الخارجية، والاستيراد تحديداً، الذي تستثنى كثير من مستورداته من الرسوم نهائياً، بداعي الالتزام باتفاقيات التجارة الحرة المطبقة في المرحلة السابقة، وفي مقدمتها اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى. حيث استوردت في عام 2014 حوالي مليار كغ من المستوردات، وبعدد مواد وصل إلى 863 مادة مستوردة، وبقيمة 147 مليار ل.س من الدول العربية المختلفة، معفاة من الرسوم بشكل نهائي، على الرغم من وجود مخالفات وتزوير لشهادات المنشأ وفق ما صرح به مدير عام الجمارك مجدي حكيمة بتاريخ 4-3-2015.
إن تحصيل الإيرادات العامة هو هدف ضروري في المرحلة الحالية، إلا أنه يتم على حساب الإنتاج المحلي، ومستويات الأسعار، أي قيمة الليرة السورية والمستهلكين، ويتجنب كبار الرابحين الذين يشكل تجار الاستيراد أهمهم.
إن زيادة التحصيل من المستوردين يتقاطع مع سياسة حماية المنتجات المحلية، وبالتالي يجب رفع الرسوم الجمركية على المستوردين بحسب طبيعة المواد وضرورتها، لا رسم الإنفاق الذي يحمله المستوردين لمستهلكي السلع المستوردة، كما يجب تخفيض رسوم الإنفاق الاستهلاكي على المنتجين المحليين لحد إزالتها. والأهم من هذا وذاك هو ضمان تحصيل ضرائب الأرباح من كبار الرابحين في ظروف الحرب الحالية.