سياسات التجويع وضرب الأمن الغذائي!

سياسات التجويع وضرب الأمن الغذائي!

ارتفعت أسعار اللحوم المحلية، خلال الشهرين الأولين من 2015 بنسب عالية، وبينما نفت وزارة الزراعة أن تهريب الأغنام هو السبب، عادت وزارة الاقتصاد لتقول بأن التحضيرات بدأت لتشكيل اللجان ووضع الشروط، لعمليات تصدير الأغنام، والذريعة: (بأن السوق السوداء تُهرّب، لذلك علينا أن نسمح بالتصدير، ونستفيد من عوائد القطع الأجنبي)!.

مرة أخرى تتكيف السياسات الحكومية مع نشاط السوق السوداء، كأنه أمر واقع، لتُظهر حالة من العجز الكامل أمامه، و(انتهازية) في التعامل مع الظروف التي تحددها السوق، وسعياً لتحصيل إيرادات منها، كأن المال العام الذي تديره الحكومة هو مال خاص، بلا غرض اقتصادي- اجتماعي، وهذا يتكرر في حالة «قطاع» تهريب الأغنام، كما في ضخ الدولار للسوق السوداء والمضارِبة على قيمة الليرة، وكما في حالة رفع أسعار المحروقات لمنع تهريب المدعوم منها.
عدا عن كون هذه السياسات المتكيفة مع النشاط الأسود في الحرب، والتي تنال من هيبة الدولة، وتضعف دورها الاقتصادي، فإنها تعتبر أيضاً سياسات إفشال (بقايا القطاع الزراعي)، ففي الحرب إذا لم تنطلق السياسات الاقتصادية من موقع المحافظة على ما تبقى من النشاط الاقتصادي الزراعي المرتبط بالأمن الغذائي، لتدعم مستلزماته، فإنها لن تؤدي إلى إضعافه فقط، بل تهدد وجوده، فلا أحد يملك اليوم تقديراً دقيقاً لتراجع الثروة الحيوانية في سورية، إلا أن حجم مستوردات الأعلاف تراجع إلى النصف، ما يدل على خسارة بهذا المستوى أو أكثر.
السياسات الحكومية التي (تتعامل مع الأمر الواقع) لتسمح بتصدير الأغنام وتحصل على قطع تصدير منه، تظن أننا في غفلة عن كون سياساتها ذاتها هي التي فرضت هذا الواقع، فكانت السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الحيواني، حيث رفعت رسوم الأعلاف المستوردة، ورفعت أسعار الأعلاف الموزعة، ورفعت المحروقات لترفع الكلف، وهي تتجه نحو إلغاء ما تبقى من دعم للأعلاف، الذي لن يتعدى 4 مليارات ليرة في العام القادم إذا ما استمرت بتوزيع الكميات الضئيلة ذاتها.
اليوم لا يمتلك أغلب المربين، إلا أن يبيعوا قطيعهم لتجار سوق تهريب الأغنام أو تصديرها، لأنهم غير قادرين على تغطية تكاليفها العالية نتيجة رفع أسعار الأعلاف، وتدهور قيمة الليرة، ورفع كلف المحروقات، ولأن الكلف لا تتناسب مع قدرات الاستهلاك المحلية لما تبقى من الأسر السورية، على قيد الاستهلاك.
في حرب كالحرب التي تشهدها البلاد، إذا لم تنطلق السياسات الاقتصادية، من منطلق إتاحة الفرصة لأسرة العامل السوري صاحب الأجر ولذوي الشهداء، لاستهلاك اللحوم الضرورية التي باتت تعادل كلفتها نصف أجرهم الوسطي، فإنها لن تكون سياسات تهدف لضغط الإنفاق، أو عقلنة الدعم، أو مجرد إدارة خاطئة للمال العام، بل تصبح سياسات تجويع، أو كما أسمتها قاسيون سابقاً (إرهاب- اقتصادي-اجتماعي).