الفساد يقلب مفاهيم الحكومة.. لتبدو الحقوق العامة (مَكرُمة)!

خرج رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الشعب، في جلسة بتاريخ 1-2-2015 لتبرير سلسلة التصعيد الحكومي، في رفع الأسعار، والإلغاء التدريجي للدعم المقدم للخدمات الاجتماعية المختلفة.
كان منطق الرد الحكومي، تبريري بطريقة تشبه الهجوم، كما حمل الكثير من المفارقات التي تدل على فهم حكومي عكسي، لأفكار أولية وبديهية، مثل: ما هو دور الحكومة، وما معنى المال العام، وما هو مصدره..

فرئيس مجلس الوزراء يبرر سياسة الحكومة، بـ (عقلنة الدعم)، التي يعلن أنها ليست رفعاً للدعم، بل هي مجرد تغيير في وجهات الإنفاق، فهو يقول بأن عقلنة الدعم (هي إعادة توزيع كل ما يمكن أن توفره الحكومة من مخرجات، على المواطنين وعلى تعزيز الخدمات الاجتماعية).
ويبرهن د. الحلقي على ذلك من خلال إعلانه لرقم الوفر الحكومي من رفع أسعار المازوت والغاز والخبز الأخيرة، والتي ستوفر مبلغاً يقدر بـ 121,5 مليار ل.س بحسب رئيس الوزراء السوري، والتي يعلن أن الحكومة أعادت توزيعها من خلال التعويض البالغ (4000 ل.س) لتعطي موظفيها مبلغاً يصل إلى 115 مليار ل.س، والباقي وزع للمجندين في رفع لرواتبهم.
وبغض النظر عن أن رقم 121,5 مليار ل.س غير دقيق، وأن رئيس الحكومة، يتناسى المبالغ التي حصّلتها الحكومة من جملة رفع الأسعار السابق للمازوت، وللغاز، وللبنزين، وللفيول، وللخبز، وللسكر والأرز، وللمياه، وبغض النظر عن أن التعويض البالغ 4000 ل.س، لن يكون مضموناً سوى للموظفين الحكوميين، وهو ليس كاف لتعويض أثر ارتفاع أسعار المازوت التي تتطلب بالحد الأدنى 5900 ل.س  شهرياً.. بغض النظر عن كل هذه التفاصيل التي لا ترتقي الى مستوى تصاريح هدفها تبرير سياسة اقتصادية تدفع الملايين إلى الفاقة والفقر في الظروف الحالية، فإن أسوأ ما في الخطاب الحكومي هو منطق الرد الذي يعكس (فهماً مقلوباً): فرئيس مجلس الوزراء يعدد مبالغ جوانب الإنفاق الحكومي المختلفة من تعليم وصحة وإنفاق بالحد الضروري على المياه والكهرباء، وبالحد الأدنى على الزراعة والري، لتظهر هذه الأرقام في التصريحات كأنها (مكرُمة ومنّة) من الحكومة  على السوريين، وفي هذا تجاهل للحقائق الثابتة التي تقول، بأن أعضاء الحكومة وأصحاب القرار، هم ليسو أكثر من موظفين لإدارة المال العام الذي ينتجه السوريون من أعمالهم ونشاطهم الاقتصادي المستمر في الظروف الحالية، وما يُؤخذ منهم  اليوم، يُفقرهم، ويعتبر استلاب لحقوقهم، وما يُقدّم لهم هو واجب حكومي تؤديه الحكومة الحالية بحدوده الدنيا..
الفساد الذي كان يستلب، وفق التقديرات الاقتصادية لما قبل الأزمة، أكثر من 30% من الدخل السنوي للسوريين، الذي يعتبر مصدر المال العام، يحصل اليوم في ظروف الفوضى على نسب أعلى بكثير، وهذا ما يقلب المفاهيم لدى أصحاب القرار، وممثليهم، ليبدو المال العام، (ملكاً لهم)، ويبدو أن ما ينفقونه اجتماعياً (مكرمة) بل أشبه (بالتبرعات)!
لكن انقلاب المفاهيم لدى الفساد الذي تعتبر مصلحته محدد السياسات الاقتصادية اليوم، لا يغير شيئاً من الحقائق التي تقول بأن هذا تعب السوريين وحقهم المستلب الذي سيستعاد.