من 39 مليار وصولاً إلى 185 مليار.. تقديرات أرباح محروقات 2015!
يبرز رقم الدعم الاجتماعي في موازنة عام 2015، رقماً ضخماً بالقياس إلى جملة أرقام الإنفاق على التعليم والصحة ومنشآت القطاع العام الاقتصادية، وعلى الزراعة وغيرها من مجالات الإنفاق التي أخذت السمة التقشفية، كتعبير عن سياسة الحكومة في تخفيض النفقات.
يبلغ رقم الدعم الاجتماعي في 2015 مقدار 983.5 مليار ل.س، ليشكل أكثر من 63% من مجمل الإنفاق الحكومي. وبحسب الحكومة فإن دعم المشتقات النفطية في عام 2015 سيكلفها 338 مليار ل.س. ليعبر الرقم المذكور عن رقم الخسائر الحكومية الناجمة عن المبالغ التي ستنفقها الحكومة على اعتبار أنها تبيع السوريين بأسعار أقل مما تتكلفه لشراء المشتقات النفطية في الظروف الحالية.
تم رفع سعر المازوت والبنزين إلى أسعار أعلى من السعر العالمي حالياً، وارتفع سعر أسطوانة الغاز، وكذلك الفيول الذي رُفع بأعلى نسبة بلغت 70%. وبناء عليه تغيرت كل معطيات عملية دعم قطاع المشتقات النفطية في سورية، والذي يتبين أنه في عام 2015 سينتقل إلى مصدر ربح لكل من سيقوم بتوزيع المحروقات أي الحكومة وكبار قوى السوق التي ستشاركها التوزيع والاستيراد اعتباراً من عام 2015 بعد السماح للقطاع الخاص بالاستيراد والتوزيع. هذه العملية التي كانت محصورة بجهاز الدولة السورية خلال عقود طويلة، وكانت تشاركه السوق السوداء بنسب وصلت في عام 2005 إلى ربع قيمة المستوردات الإجمالية من المحروقات، وما يعادل نسبة 2,1% من الناتج بحسب دراسة (سورية 2025).
تقدير أرباح العام القادم
كم ستبلغ أرباح عمليات توزيع المحروقات في العام القادم، إذا ما استندنا إلى أرقام مبيعات ومشتريات المحروقات في عام 2014 التي صرح عنها وزير النفط سلمان العباس بتاريخ 27-1-2015 في جلسة لتتبع الخطط الإنتاجية لمؤسسات وزارة النفط؟.
صرّح الوزير بأن مشتريات شركة (محروقات) من المشتقات النفطية في عام 2014 - وهي الموزع الشرعي الوحيد سابقاً- بلغت: 470,8 مليار ل.س، أما مبيعاتها فقد بلغت: 379.5 مليار ل.س.
562 مليار ل.س مبيعات 2015
بفرض أن الكميات الموزعة من محروقات في عام 2015 ستتساوى مع الكميات الموزعة في عام 2014، فإن قيمة المبيعات ستزداد بمقدار 182 مليار ل.س، محسوبة على أساس وسطي ارتفاع أسعار المحروقات الأخير، الذي بلغ 48% ناتج عن (ارتفاع المازوت بنسبة 56%، الفيول 70%، الغاز 36%، البنزين 30%) لتقدر قيمة إيرادات مبيعات المحروقات في العام القادم وفق التالي: 379.5 مليار ل.س قيمة مبيعات 2014 + الزيادة البالغة 182 مليار ل.س= 562 مليار ل.س تقريباً.
وبالطبع فإن هذا القياس يفترض أن مستويات الأسعار الحالية ستبقى على ما هي عليه خلال العام القادم، بينما هي ستتغير منطقياً وفق تغيرات التكلفة العالمية، وتحديداً المبيعات التي سيحصلها القطاع الخاص، الذي لن يلتزم بالتسعيرة الحكومية إلا في حال استمرت أسعار النفط بالانخفاض!.
المشتريات واحتمالاتها..
إن المشتريات ترتبط بتغيرات سعر النفط العالمي، التي تشهد هبوطاً منذ أكثر من ثلاثة أشهر، إلا أن هذا الهبوط قد لا يستمر طوال عام 2015، وقد ترتفع أسعار النفط في مراحل لاحقة.
لذلك فإننا سنضع فرضيات لتكاليف المشتريات انطلاقاً من تكاليف مشتريات شركة محروقات في عام 2014 والتي بلغت بحسب تصريح وزير النفط 470.8 مليار ل.س.
• الافتراض الأول بأن قيمة المشتريات خلال عام 2015 لن تتغير بافتراض ثبات نسبي في سعر الصرف، وارتفاعات لاحقة في أسعار النفط، تعود بالسعر إلى المستويات المتوسطة لعام 2014.
91 مليار ل.س هو ماسيبغله ربح المحروقات كفارق بين مبيعات 2015 المتوقعة البالغة 562 مليار ل.س، وبين قيمة المشتريات التي نفترض أنها لن تتغير 470,8 مليار ل.س.
• الافتراض الثاني قائم على انخفاض قيمة المشتريات في 2015 بمقدار 20% وهي نسبة انخفاض سعر النفط العالمي معدلاً بسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، خلال ثلاثة أشهر ونصف سابقة، لتنخفض قيمة مشتريات 2015 بمقدار 94 مليار ل.س، وتبلغ 377 مليار ل.س تقريباً عوضاً عن 470,8 مليار في 2014.
185 مليار ل.س سيبلغ ربح المحروقات كفارق بين مبيعات 2015 المتوقعة 562 مليارل.س، وبين قيمة المشتريات بافتراض انخفاضها بنسبة 20% بناء على انخفاض أسعار النفط.
• الافتراض الثالث قائم على اعتبار أن أسعار النفط عادت إلى مستويات عام 2013، وقيمة المشتريات الحكومية من المشتقات النفطية ارتفعت إلى مستويات 2013 المعلن عنها من قبل وزير النفط أيضاً والبالغة 523.3 مليار ل.س.
39 مليار ل.س الربح كفارق بين مبيعات 2015 المتوقعة 562 مليار ل.س، وبين قيمة المشتريات بافتراض أنها مرتفعة بمقدار مستويات 2013 والتي بلغت 523 مليار ل.س.
أرباح قطاع توزيع المشتقات النفطية ستبلغ في عام 2015 عشرات مليارات الليرات السورية، بعد تحرير ورفع الأسعار، وقد تصل إلى ما يفوق مئة مليار ل.س إذا ما استمرت أسعار النفط العالمية بالانخفاض.
حكومة الأزمة بذريعة تخفيض النفقات، وزيادة الإيرادات العامة المتراجعة، ترمي وراءها تاريخاً طويلاً من سياسة دعم المشتقات النفطية في سورية، السياسة التي ساهمت في بقاء مستويات الأسعار في سورية الأخفض، وبالتالي مستويات المعيشة في حدود مقبولة بالقياس إلى الأجور المثبتة عند مستويات منخفضة جداً. والمفارقة أن الحكومة لن تكون الطرف الوحيد المستفيد من أرباح قطاع توزيع المشتقات النفطية المتوقعة، بل سيشاركها القطاع الخاص بشكل مشروع، وهو الذي كان يشاركها سابقاً بشكل غير مشروع عن طريق السوق السوداء!.
تغيير سياسة قطاع المشتقات النفطية.. أسئلة مشروعة
• ما هي المبررات التي تدفع الحكومة في ظروف الأزمة، لتغيير السياسة الاقتصادية إلى المستوى الذي ينقل قطاع المحروقات من قطاع مدعوم إلى قطاع ربح، لا تعود أرباحه على المال العام الحكومي فقط، بل تنال السوق حصة منه، بعد السماح لها باستيراد المحروقات؟
• إذا ما كانت سياسة تخفيض الإنفاق، وتعبئة الموارد هي الهدف من رفع الدعم عن قطاع المحروقات، ألا يجب التساؤل ما هو الهدف من تعبئة الموارد؟ أي على ماذا ستنفق هذه الموارد؟ وتحديداً إذا ما كانت السياسات التي تمارسها الحكومة تتناقض مع الأهداف الرئيسية التي يجب أن تضعها الحكومة في ظروف الحرب، وفي مقدمتها مواجهة ظاهرة الفقر التي أصبحت سمة أصحاب الأجور السوريين، يليها حماية قيمة الليرة السورية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقيمة الليرة السورية التي يفقدها ارتفاع مستويات الأسعار الكثير من قيمتها الفعلية؟
• أين سيتم صرف المبالغ المرصودة في موازنة 2015 لدعم المحروقات وهي البالغة 338 مليار ل.س؟ ألا يجب أن تعود هذه المبالغ التي كانت تدعم الأجور عن طريقها تخفيضها لمستويات الأسعار، لدعم الأجور؟!
• ألا يستطيع أصحاب القرار السياسي في الاقتصاد السوري، أن يجدوا طريقهم إلى الأموال المتراكمة لدى كبار السوق السوداء في قطاع المحروقات، والذين كانوا يحصلون في عام 2005 قبل الحرب وفي ظروف الاستقرار على ربع المستوردات من المحروقات، بحسب دراسة (التقرير الوطني الاستشرافي سورية 2025)، والذين تبلغ حصتهم في عام 2014 مقدار 95 مليار ل.س من إيرادات المبيعات، إذا ما افترضنا بقاءهم عند نسبة الربح ذاتها، مع أن الافتراض يجب أن يكون ارتفاع كبير في حصة السوق السوداء في ظروف الفوضى ونقص المواد خلال الأزمة؟
• الحكومة التي تتذرع بأن إجراءات رفع أسعار المحروقات إلى المستوى العالمي سوف تؤدي إلى إلغاء السوق السوداء لتهريب المحروقات خارجياً أو داخلياً، ألا تستطيع أن تستنتج بأن السوق السوداء التي كانت تجني عشرات المليارات بطريقة غير مشروعة، تستطيع أن تنقل نشاطها اليوم إلى الاستيراد النظامي للمحروقات الذي يحقق عشرات المليارات أيضاً، بالحد الأدنى، والتحكم بالأسعار ورفعها بشكل مشروع؟!