أكثر من 3,5 مليون في الخارج و6,5 في الداخل.. إغاثة نصف السوريين مسؤولية الأمم المتحدة!

أكثر من 3,5 مليون في الخارج و6,5 في الداخل.. إغاثة نصف السوريين مسؤولية الأمم المتحدة!

تنشر مفوضية الأمم المتحدة تقاريرها السنوية حول نشاطاتها الرئيسية عن عام سابق في بداية العام الجديد، وبينما تحول اللاجئون السوريون إلى أكثر قضايا اللجوء احتداماً، وأسرعها نمواً، فإن الأمم المتحدة تعلن في ندائها لعام 2015 عن الحاجة إلى استنفار دولي لتدارك المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتراكمة على الدول المجاورة المهتزة، وغير المستقرة بالحال الطبيعي، كلبنان، الأردن، مصر وتركيا.

أكثر من 100 جهة، وشريك للأمم المتحدة، شاركوا في نداء وجهته الامم المتحدة والشركاء، من أجل التمويل في إطار خطة الاستجابة الإقليمية للأزمة السورية  وكان ذلك في الوقت الذي وجهت فيه المفوضية النداء الإنساني الأكبر لمواجهة عملية إغاثة اللاجئين ودعم الدول التي يستقرون فيها، والتي تتطلب: (2,9 مليار دولار، لتقديم المساعدة الأساسية المنقذة للحياة وتوفير الحماية للاجئين السوريين والفلسطينيين الفارين من سورية ونحو 1,8 مليون شخص من المجتمعات المضيفة.)
تشير آخر أرقام الأمم المتحدة إلى أن تعداد اللاجئين السوريين في الخارج 3,5 مليون سوري موزعين بين لبنان، الأردن، تركيا، ومصر، أما التوقعات و(الخطط الدولية) ترسم لمساعدة 4 مليون لاجئ في الخارج متوقعين في نهاية 2015.
مقابل هذه النداءات ومحاولات رصد التمويل، فإن أرقام الامم المتحدة تثبت فشل عمليات التعبئة الدولية الكافية لمهمة الإغاثة الإنسانية للسوريين، حيث  أن تقرير الأمم المتحدة في نهاية عام 2013، حول خطة الاستجابة الاقليمية للأزمة السورية أعلن أن عدد المهجرين خارجاً المستهدفين من مفوضية اللاجئين يبلغ: 3,5 مليون، حصل 1,76 مليون منهم فقط على المساعدات الغذائية المستمرة بأشكالها: (قسائم، أو مساعدات نقدية، طرود للأغذية وحصص تموينية، دعم الماشية) وفق تصنيفات الأمم المتحدة. وهؤلاء نسبتهم 50% تقريباً من المستهدفين. أي أن نصف المهجرين  في الخارج حصلوا على المساعدات الغذائية، وبقي النصف الآخر بلا مساعدات.
كما تؤكد على فشل عمليات الإغاثة  تقارير الأوضاع المتدهورة للاجئين السوريين في الخارج، وفي المخيمات تحديداً، التي تملأ الوسائل الإعلامية المتعددة والتقارير الدولية، راصدة أوضاعاً معيشية متدهورة، ونقصاً في الغذاء، وتفشي الأمراض، وبطالة، وعمالة أطفال بنسب مرتفعة، وحالات موت من البرد، نتيجة ظروف السكن في خيم اللجوء في المخيمات، وأوضاع غير إنسانية للعائلات، تدفع إلى توسع ظواهر مثل زواج الفتيات في عمر صغير، مقابل مبالغ مالية، بينما يعلن عن غرق سوريين في مياه البحر المتوسط في رحلات الهروب من الحرب إلى أوروبا.
الإنفاق المالي (دولي)!
تتعاون الامم المتحدة ومفوضية اللاجئين، مع جهات محلية للنازحين في الداخل، وأبرزها منظمة الهلال الأحمر السوري، التي تؤمن المعونات الغذائية وبعض التجهيزات بالتعاون مع جهات أممية دولية، ومع جهات حكومية مثل وزارة الإدارة المحلية، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بالإضافة إلى جمعيات ومنظمات محلية خيرية وغير حكومية.
الحكومة السورية أعلنت عن تشكيل لجنة عليا للإغاثة، إلا أنها لا تورد أي  مخصصات مستقلة لعملية الإغاثة في بياناتها المالية، وكما يتضح فإن اللجنة من أهم مهماتها تسهيل إيصال مساعدات برنامج الأغذية العالمي، وعموم المساعدات المقدمة، وتأمين مراكز الإيواء وعمليات الإشراف عليها، أما الإنفاق المالي الرئيسي فهو مهمة الجهات الدولية.
تخفيض القسائم الغذائية
بينما يتم الاعتماد في تأمين الغذاء على الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، أعلنت الامم المتحدة عن نيتها تخفيض مخصصات الغذاء التي توزع للسوريين في الخارج وفق قسائم غذائية، وفي الداخل وفق حصص وسلات غذائية، وقد أوقف برنامج الغذاء العالمي تقديم المساعدات الغذائية لأكثر من مليون و700 ألف لاجئ سوري يعيشون في دول مجاورة لسورية، حيث دعت المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي إرثارين كازين الدول المانحة لزيادة التمويل المخصص لللاجئين السوريين، معلنة بأن  برنامج الغذاء العالمي سيخفض معونات الغذاء اعتباراً من تشرين الأول 2014، وسيوقفها في كانون الأول، بينما قد يضطر إلى إيقاف كافة أشكال المساعدات في كانون الثاني. أما الجوع فسيكون الخطر المهدد للاجئي الخارج في شتاء 2015 إذا لم يتأمن التمويل المطلوب.
وقد أعلن برنامج الأمن الغذائي التابع للأمم المتحدة تخفيض قيمة القسائم الغذائية التي يحصل عليها اللاجئ السوري بين 19% إلى 53% وذلك انطلاقاً من تشرين الأول 2014، نتيجة تراجع الدعم المادي المقدم لها من الدول المانحة والمنظمات غير الحكومية. بالإضافة إلى تقليص أعداد اللاجئين المستفيدين من الدعم الغذائي في كل من لبنان والأردن ومصر والعراق وتركيا، حيث تبلغ القيمة السابقة للقسيمة الغذائية بين 30-34 $ موزعة على أربع قسائم شهرية، أي بوسطي مساعدات غذائية للأسرة من خمسة أشخاص 136 $: 27200 ل.س (بسعر صرف 200 ل.س/$)
في الأردن ستخفض قيمة القسائم الغذائية من 34 دولار شهرياً، إلى 16 دولار، بنسبة: 53%، أما في  لبنان: من 30 إلى 20 دولار بنسبة 33,3%، في مصر: من 30 إلى 15 دولار، وسيتم حرمان ما يقارب 56000 لاجئ سورية من الاستفادة من مساعدات الأمم المتحدة من أصل 100 ألف موجودين في مصر. في العراق  من 31 دولار إلى 25 دولار، بنسبة تخفيض 19,3%.
أما في الداخل السوري فستخفض المساعدات الغذائية  بنسبة 40%. كما أن برنامج الأمن الغذائي أعلن عن توقع عجزه عن تقديم أي إعانات غذائية وغيرها للنازحين داخل سورية خلال شهر كانون الأول الحالي، وربما الشهر الأول من عام 2015.
انتهى هذا الصخب الدولي حول وقف التمويل، بإعلان  الامم المتحدة بتاريخ 9-12-2014 أنها نجحت في تعبئة حوالي مليون دولار، تكفي لإعادة تمويل القسائم بمبلغ 30 دولار للقسيمة الغذائية، إلا أن نقص التمويل قد يطرأ مجدداً.
المساعدات في الداخل
حول النفقات السابقة، فقد أعلنت الامم المتحدة في تقرير مفوضية اللاجئين للنداء العالمي 2014-2015، بأن ميزانية النازحين داخلياً ارتفعت من 41.8  مليون دولار عام 2012 إلى 193 مليون دولار عام 2014 ، أي ما يقارب: 38,6 مليار ل.س (بسعر صرف 200 ل.س/$)
إلا أن نفقات عام 2013 كانت الأعلى حيث ارتفعت ميزانية المفوضية للنازحين داخلياً في سورية إلى 232 مليون دولار، منها 11,2 مليون دولار للصحة، 23 مليون للمأوى والبنية التحتية، 115 مليون للوازم الأساسية والمنزلية، 12,9 مليون لخدمات ذوي الاحتياجات الخاصة، و2,4 مليون دولار للتعليم.
عدد المآوي الطارئة وفق مفوضية اللاجئين 730، بينما أشارات الحكومة السورية إلى وصول عدد مراكز الإيواء إلى 827 مركزاً في نهاية 2013، وكل هذه المبالغ والترتيبات توضع في الخطة، التي لم ينشر مستوى تنفيذها والتي تعتمد على التمويل الدولي، الذي إذا تناقص فإن التقرير يضع توقعات لفجوات كبيرة في الخدمات والتمويل.
وعلى الرغم من هذا الإنفاق فإن تقييمات ودراسات الامم المتحدة  ذاتها تشير إلى أن نحو ثمانين في المائة من الأسر النازحة تعتمد على مزيج من المواد الغذائية التي يتم شراؤها أو المساعدات الغذائية. وفق تقييم لليونسيف في سورية في شهر 12-2014، حول وضع (الأسر النازحة، والاطفال دون الخامسة المقيمين في مراكز الإيواء والمجتمعات المضيفة)، حيث يشير إلى  أن 29 في المائة من الأسر لم يكن لديها ما يكفي من الطعام لجميع أفرادها خلال الأسبوع الذي سبق إجراء التقييم، فيما اضطرت 70 في المائة من الأسر إلى تقليل عدد الوجبات التي تتناولها خلال اليوم. كم أشار التقرير إلى أن 10% من الأطفال في محافظات حماة وحلب ودير الزور يعانون من سوء التغذية الحاد.

(الدولة).. دولة وليست طرفاً!

الأمم المتحدة لا تضع الدولة السورية، كطرف داعم او مسؤول في أزمة اللاجئين السوريين وضرورات إغاثتهم، ولا تشملها ضمن ندائها العالمي الذي كان يهدد ملايين السوريين بالجوع، وتوقف مساعدات الغذاء. فإذا ما كان هذا غير مستغرب من جهة دولية تعتبر الدولة السورية طرفاً في الصراع، ولا تطالبها إلا بالتزاماتها بعدم إعاقة المساعدات وجهود الإغاثة، ومهمات من نوع التسهيل والإشراف فقط، فإن المستغرب أن يتعامل المسؤولون عن سياسة الدولة السورية تجاه مواطنيها بالمنطق ذاته. فعلى الرغم من وجود جهود إغاثية هامة في الداخل السوري، إلا أن المؤشرات الرقمية الحكومية تقول إن نفقات الإغاثة لا تشكل جزءاً من نفقات موارد الدولة السورية في الحرب. لتترك مسؤولية غذاء أكثر من نصف السوريين رهناً لظروف التمويل الدولي، التي يحركها الاستثمار السياسي في قضية اللاجئين السوريين..!