استعادة السيادة المنتهكة.. باستعادة السوريين
تخترق السيادة الوطنية للبلاد عندما يفقد شعبها قدرته على تأمين الغذاء، فماذا عن السوريين الذين يلجأ أكثر من 3,5 مليون منهم أي 16% في الدول المجاورة ضمنهم أكثر من مليون ونصف طفل، يعيش جزء هام منهم في مخيمات اللجوء ظروفاً دفعت إلى تفشي ظواهر مثل الأمراض المزمنة، إلى حالات موت من البرد، وصولاً إلى زواج الفتيات والنساء مقابل المال.هؤلاء (المتروكين) لعون ومساعدات (المجتمع الدولي)، يضاف إليهم أكثر من 6,5 مليون في داخل
سورية، اضطروا لترك منازلهم، وتضعهم الأمم المتحدة ضمن مسؤولياتها، ليعتمدوا على المساعدات الغذائية الدولية، بالتعاون مع الحكومة التي يظهر أن مهمتها تقتصر على الإشراف والتنسيق، وتأمين مراكز الإيواء، التي لا تأوي جميع المحتاجين! أما أغلبية من تبقى من حوالي 9,5 مليون سوري مستقر نسبياً فهم أيضاً بحاجة العون والدعم في ظل ضغوط المعيشة، التي تجعل أجورهم ودخولهم لا تغطي حاجات غذائهم الضرورية.
يضاف إلى هؤلاء، (المهاجرين طوعاً) كما توصفهم الأمم المتحدة، والبالغ عددهم مليوناً ونصف وفق إحصائيات 2013، والذين أصبحت عمليات إحصائهم لاحقاً مهمة الاتحاد الاوروبي، (الراغب الممتنع) بمزيد من تدفق القوى العاملة من الأعلى كفاءة إلى الأقل. الجهات الحكومية (الحريصة) على السيادة الوطنية، لا ترى أنها مضطرة إلى الاستنفار أمام إفراغ البلاد من قواها البشرية، وتركهم عرضة لمهربي البشر، ومياه البحار، حتى أنها لا تشير إلى الموضوع في إعلانها، بل تترك المغادرين من الموانئ السورية إلى تركيا يبدأون رحلة الخطر والذل دون تعليق، وتتباهى دائرة الهجرة والجوازات بارتفاع مستوى نشاط إصدارات جوازات السفر من 500 يومياً، إلى 2700 في اليوم الواحد في دمشق وريفها فقط، وأكثر من مليون في 2013 وحدها.
يستجد مع نهايات عام 2014، وبدايات العام الحالي، نقلة نوعية سلبية في واقع المساعدات الدولية للاجئي ومهجري سورية، وهم أكثر من نصف تعداد سكانها قبل الأزمة. فالمنظمات الدولية التي كانت تكرر وتعيد لومها على تقصير (المجتمع الدولي) في الإغاثة، وصلت إلى حد تقليص مساعداتها الغذائية والتهديد بإيقافها إذا لم يتأمن الحد الكافي من المساعدات. ثم عادت لتعدل عن التخفيض مؤقتاً مع تأمين 80 مليون دولار طارئة.
وبينما تتجاهل الأمم المتحدة الحكومة السورية من ندائها للتمويل، فإن الدولة السورية تتجاهل دورها أيضاً، وتترك هؤلاء عرضة للاستثمار السياسي، حيث لم يعودوا ورقة رابحة لأمراء الحرب الدوليين مع معالم انطلاق الحل السياسي وفرضه. كل هذا يجعل إغاثة الدولة السورية لمواطنيها وإعادتهم إلى بلادهم، وتخليصهم من الاستثمار السياسي، ضرورة ملحة لإيقاف انتهاك السيادة الوطنية المستمر منذ خروج السوريين من منازلهم وانتشارهم في العالم. وخاصة إذا ما علمنا أن حاجات إغاثة السوريين التي (تتسولها) المنظمات الدولية من الدول الداعمة والممولة، لم تتجاوز في عام 2014، نسبة 4,5% من نفقات الموازنة السورية في 2015!. فلماذا لا تظهر الإغاثة بنداً جديداً بمخصصات مرتفعة، إلى جانب إعادة الإعمار في موازنة الحكومة؟! ربما يكمن الجواب، بأن المحتاجين للإغاثة، يدخلون في منافسة مع قوى الفساد والربح والحرب الموجودة في الداخل السوري، التي تحصل من موارد الدولة على نسبة أعلى من 4,5 % بكثير. إن المهمة الأولى الموضوعة أمام طارحي الحلول السياسية أن يعيدوا الدولة السورية إلى مهماتها الرئيسية في تولي مسؤولية إغاثة وإعانة وإعادة أكثر من نصف السوريين إلى دائرة الحياة الكريمة، لأن في ذلك صوناً كرامة البلاد وسيادتها.