من جديد: استراتيجية «العقلنة» والصادرات.. وعقبة الأسواق المجاورة!
في أوائل شهر تشرين الأول خرجت علينا الحكومة بمقولة «عقلنة الدعم» واضعة هذه السياسة ضرورة لابد منها لإنجاز العديد من الأهداف كان على رأسها إعادة النمو والنشاط الاقتصاي للقطاع الصناعي ولصادراته، وهو مايقتضي تأمين المازوت كأولوية مهما كان الثمن، فالاستراتيجة الحكومية الجديدة تقوم على أساس زيادة الإنتاج والصادرات وكل ذلك يتطلب بالضرورة تأمين الطاقة/المازوت بأي ثمن ومهما كانت سلبية هذا القرار وتأثيره على باقي النشاط الاقتصادي، وحتى لو كان هذا القرار يتناقض مع الأهداف الاقتصادية للحكومة ذاتها!.
وفقاً لهذه السياسية افترضت الحكومة أن السماح للقطاع الخاص باستيراد المازوت وبيعه للصناعيين بالسعر العالمي سيدور عجلة الإنتاج مايسمح بتغذية السوق المحلية بمنتجات وطنية تغني عن الاستيراد، ويسمح أيضاً بتصدير منتجنا الوطني للأسواق المجاورة مما يعود علينا بالعملة الأجنبية وهو مارأت فيه الحكومة أحد أهدافها الرئيسية لتبرير مسها للخطوط الحمر وتحرير سعر المازوت، رغم أن ذلك سيرفع من سعر أهم مدخلات العملية الإنتاجية تاركاً إياها أمام مخاطر جمة لم ترها الحكومة.
إجراء الحكومة تبريري وغير مقنع!
ناقشت قاسيون في حينه وفي عددها (675) مقالة “عقلنة الدعم... الخطوة الأولى في النفق المظلم” هذه السياسة ورأت فيها شطحات حكومية لاتأخذ بعين الاعبتار كل المعطيات المتعلقة بنمو الصادارات كي تعول الحكومة كل هذا التعويل على هذا الإجراء، فتقايض المواطن والصناعي باستمرار الإنتاج مقابل رفع سعر المازوت. حيث رأت قاسيون حينها:
(طبعاً لا شك أن صاحب الفكرة لمّح لضرورة تعديل طبيعة الإنتاج ليكون مناسباً لعمليات التصدير، ولكن إذا كان مدخل الطاقة غير مدعومٍ، فما هي إمكانية منافسة هذه السلع المصدرة للدول وهي صناعات مشابهة للكثير مما هو موجود في الدول المجاورة هل يكفي الاعتماد على الأجور المنخفضة وإنخفاض سعر الصرف للمنافسة، فطالما أن إنتاجنا غير قادر على إغراق السوق المجاورة بكميات تسمح له بالسيطرة على الأسعار هناك وذلك بسبب قدراتنا الإنتاجية المتواضعة والمتقلبة في ظروف الأزمة وطالما أن كفاءتنا الإنتاجية ستصعب عليها لمنافسة السلع الغربية أو الصينية فتغيير نمط صادراتنا لن يكون كافياً لجعلها تستهلك بشكل كبير في الأسواق المجاورة).
لقد جاء إجراء الحكومة القاضي برفع سعر مازوت الصناعيين تحت ذريعة تأمين المازوت كشرط لزيادة الصادرات والاعتماد عليها لانتشال اقتصادنا، بينما تغاضت الحكومة عن احتمال عدم قدرة هذه الصادرات على منافسة سلع دول الجوار طالما أنها تعتمد على أسعار طاقة عالمية، وطالما أنها غير قادرة على تغطية أجزاء كبيرة من الطلب في تلك الأسواق مما يعني أنها ستخضع للسلع المنافسة، وطالما أن الحكومة غير قادرة على تأمين شروط العملية الإنتاجية بشكل مناسب وأهمها الاستقرار الأمني والسياسي وضمان تدفق المواد الأولية والتصريف.
تحدٍ جديد لـ»الاستراتيجية»..
هل يستمر التصدير؟!
توضع استراتيجية الحكومة «العقلنة مقابل زيادة الصادرات» على المحك وتحت الضوء وذلك بعد أقل من شهرين عن الحديث عنها، حيث تلوح معطيات جديدة معيقة لها ولم ترها الحكومة حينها، أو أنها لم ترد رؤيتها وأخذها بالحسبان للاستمرار بقرارها دون منغصات.
فآخر ماحرر اليوم هو وجود خطر داهم على «الاستراتيجية العتيدة» تحدث عنه اتحاد غرف الصناعة السورية، حيث تواجه صارداتنا قوانين جائرة من أسواق الدول المجاورة كلبنان والأردن وتقضي بفرض ضرائب عالية عليها في تلك الأسواق، مما يضعف من تنافسيتها واستمرار تصديرها، ماحدا باتحاد غرف الصناعة وبحسب إحدى الصحف المحلية للتحفظ على هذه القوانين، وأوردت مواقع الكترونية مطلعة أن: (غرفة الصناعة تحفظت، على أساس مجموعة شكاوى تقدم بها صناعيون يصدرون منتجاتهم الوطنية إلى الدولتين المذكورتين، وذلك ضمن كتاب رسمي وضعته بين أيدي الجهات المعنية، ومن بينها «وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية»). كما أضافت غرف الصناعة حسب الصحيفة: (إنه عند تصدير البضائع السورية المنشأ إلى لبنان والأردن يقوم الصناعيون بدفع 14% ضريبة، قيمة مضافة (TVA) و11% ضريبة دخل، وبنسب متفاوتة، مما انعكس سلباً على الصادرات السورية إلى الأسواق الأردنية واللبنانية)!
لم تأخذ الحكومة في الحسبان احتمال إصدار قانون جائر بحق صادارتنا قد يؤثر على كامل الاستراتيجية ولا سيما أن أسواق الأردن ولبنان تمثل أهم منافذنا التصديرية في ظل الحصار الغربي الخانق، كما أنها لم تأخذ بالحسبان العديد من الشروط الأخرى في صياغة هذه الاستراتيجية خاصة في ظل ظروف الحرب التي لايمكن خلالها التحكم بالأسواق الداخلية بسهولة فمابالنا بالأسواق الخارجية!؟ إن كل ذلك يعني أن مسوغات تلك الاستراتيجية لم تكن سوى مبالغة تبريرية لتغطية انحياز الحكومة لمصلحة التاجر على حساب الصناعي والمواطن والتي قد تصل بالنهاية إلى التحرير الكامل لأسعار الطاقة ولن تعود بالكثير على صناعاتنا ولا على صادراتنا ولا على استراتيجية الحكومة بالخير «الافتراضي».