الحكومة ترفع الدعم تدريجياً وتقر بتصرفها بالأرباح التعويض غير مقترح و«العقلنة» منظورها حكومي
تراجعت مؤخراً وتيرة التصريحات الحكومية المتعلقة بالأفكار المطروحة حول تغيير آلية الدعم الحكومي أو رفعه عن المحروقات وبعض المواد التموينية الغذائية الأخرى، واقتصرت على الكشف عن أرقام وحجم الإنفاق الحكومي على الدعم، وخاصة بالنسبة للمحروقات..
تعود قضية رفع الدعم الحكومي عن مختلف المواد المدعومة، لحقبة حكومة العطري، حيث أثارت تصريحاته حول إعادة توزيع الدعم، استياء وردود أفعال على عدة مستويات شعبية وأكاديمية.
ورغم ضعف الأخبار المتعلقة بالموضوع، إلا أن سلسلة القرارات الحكومية المتخذة خلال السنوات الأخيرة وتحديداً القرارات المتعاقبة هذا العام، تشير بشكل واضح إلى تطبيق استراتيجية رفع الدعم، دون أن يرافق ذلك أي تعويض للمتضررين في حال وقع القرار فعلاً، حيث كانت هناك عدة اقتراحات سابقة للتعويض، منها رفع الرواتب والأجور، أو توزيع بدل نقدي لكل مواطن.
رفع الدعم تدريجياً دون تعويض..
وجاءت القرارات التي أنذرت ببداية رفع الدعم الحكومي بشكل متدرج وليست دفعة واحدة، وذلك للتنصل من صفة «رفع الدعم» بشكل مباشر، ما يخفف حدة ردود أفعال الشارع تجاهها، فكان لكل قرار نقص.
وشهد عام 2014 وصول أسعار البنزين والمازوت إلى مستويات عالية جداً، حيث تم تسعير ليتر البنزين بـ135 ليرة، وليتر المازوت بـ80 ليرة، كما تم خلال العام ذاته رفع أسعار السكر والرز التموينيين إلى 50 ليرة/ كيلو، كذلك تم رفع سعر الخبز لتصبح 25 ليرة للربطة الواحدة، إضافة لرفع أسعار شرائح الكهرباء والمياه.
وتزيد الأرقام التي وصلت إليها أسعار المواد التموينية والمحروقات مؤخراً، عن الدراسة التي قدمتها هيئة تخطيط الدولة منذ حوالي العامين، حيث اقترحت زيادة أسعار اسطوانة الغاز المنزلي إلى 1200 ليرة، وليتر المازوت 75 ليرة، وليتر البنزين 100 ليرة، وطن الفيول أويل 60 ألف ليرة، و الكيلو واط الساعي كهرباء 16 ليرة، كما وضعت سيناريوهين لزيادة سعر مادتي السكر والأرز التمويني، الأول رفعه إلى 25 ليرة، والثاني إلى 50 ليرة كل على حدة.
ورغم أن الدراسة قدمت مقترحات للتعويض، إلا أن السياسات الحالية، اتبعت بنداً واحداً من تلك الدراسة، مكتفية بزيادة الأسعار، دون تقديم أي تعويض، أو زيادة في الرواتب والأجور.
عقلنة الدعم من وجهة نظر حكومية
وتأتي تصريحات وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، حول "عقلنة الدعم"، لتشرح وجهة النظر الحكومية بالقرارات التي رفعت أسعار المحروقات والمواد التموينية، حيث اعتبرها بمثابة الانتقال من الدعم الشامل لكافة فئات المجتمع والفعاليات إلى الفئات التي هي أكثر حاجة لهذا الدعم، مؤكدأ أن الدولة لا تسير بسياسة رفع الأسعار، لكن المادة التي تتحمل تكلفة أعلى سيرفع سعرها.
وبخصوص رفع سعر الخبز تحديداً، بين وزير الاقتصاد أنه حد من الهدر، فضلاً عن إعادة تحويل الدعم، حيث استفادت الحكومة من الأموال المحصلة جراء رفع السعر لتأهيل المراكز الصحية والمرافق العامة والبنى التحتية، على حد تعبيره، وهنا يلقي الوزير ضوءاً على نقطة هامة، قد لاتكون واضحة للجميع، ومرت مرور الكرام ضمن تصريحاته.
الحكومة تقر: رفع الدعم يعود إلينا بالأرباح
وبالاستناد إلى عبارة «استفادت الحكومة من الأموال المحصلة جراء رفع السعر لتأهيل المراكز الصحية والمرافق العامة»، مقارنة مع عبارة أن «الدولة لا تسير بسياسة رفع الأسعار، لكن المادة التي تتحمل تكلفة أعلى سيرفع سعرها» بذات التصريح، يتبين بان رفع أسعار المواد المدعومة قد لايكون بالضرورة نتيجة زيادة تكاليف، وقد يكون ذلك لتحقيق أرباح للدولة تستخدمها كما تشاء.
وبررت الحكومة رغبتها بالتوجه نحو تحرير أسعار المشتقات النفطية والمازوت بشكل خاص، بمكافحة تهريب المادة الذي كان يصل إلى 1.5 مليار ليتر سنوياً، حيث يشكل الفارق بين سعر المازوت في سورية والدول المجاورة عاملاً مغرياً لتهريبه وبيعه في دول الجوار، وذلك حين كان سعر ليتر المازوت في سورية 7 ليرات سورية وفي بعض دول الجوار يصل إلى 100 ليرة.
بالمقابل، حذر الخبير الاقتصادي عمار يوسف، من خطر السياسات الاقتصادية للحكومة الحالية، التي تشبه إلى حد كبير ما كان متبعاً أيام النائب الاقتصادي عبد الله الدردري، وأشار يوسف إلى أن مصطلح «عقلنة الدعم» قد يكون في مضمونه يعني إلغاء الدعم كلياً، خاصة بعد رفع سعر مادة الخبز التي كانت تعتبر خطاً أحمر، وتم تجاوزه، وبالتالي يجب على المواطن السوري التهيؤ لتلقي الصدمات القادمة، وفقاً لتصريحاته.
اقتراحات لإعادة توزيع الدعم
وتم، في السنوات السابقة، تقديم العديد من الاقتراحات حول موضوع الدعم وإعادة توزيعه، حيث تحدثت بعض تلك الاقتراحات، عن احتساب الفارق بين سعر التكلفة للمواد المدعومة وبين السعر الذي يشتري به المواطن من الدولة، وتقديم هذا الفارق شهرياً بشكل بدل نقدي لكل أسرة أو فرد، ومن ثم تطرح كافة المواد المدعومة في السوق بسعر التكلفة.
وبخصوص المحروقات، تضمن أحد الأفكار، اعتماد بطاقة ذكية، تتيح للمواطن الحصول على كميات من المادة سواء كانت مازوتاً أو بنزيناً بسعر مدعوم، بينما يشتري المواطن أي كمية تزيد عما هو محدد له في تلك البطاقة من تلك المواد بسعر أغلى، وبالتالي يحدد استهلاك الفرد والأسرة ووضعهم المعيشي مستوى الاستهلاك والمبلغ المترتب جراء ذلك الاستهلاك.
مجموعة المقترحات تلك كانت محاولة استباقية لتكون تأثيرات رفع الدعم على أصحاب الأرباح بدل أن تقتصر على أصحاب الأجور، إلا ان الحكومة العتيدة نفذت كعادتها فقط ذلك الجانب الذي يتوافق مع سياساتها المخدمة لمصالح قوى المال، دون ان تتبع أية إجراءات حمائية لمصلحة الفقراء والمنتجين..؟!
موازنة غير مدروسة!
ووفقاً للتقارير، تدور حول الأرقام التي قدمتها الحكومة عن حجم الدعم في موازنة العام 2015 العديد من التساؤلات، خاصة إذا علمنا أنه تم رصد مبلغ 983 مليار ليرة للدعم الاجتماعي، من أصل 1144 مليار ليرة كاعتمادات إنفاقات جارية، أي نسبة 85.9%، ويكون الفارق بين الموازنة بشكل عام ومبلغ الدعم المرصود حوالي 161 مليار ليرة، في حين تقدر كتلة الرواتب والأجور بأكثر من 300 مليار ليرة سورية!!.
كما تتناقض الأرقام المقدمة للدعم الاجتماعي والتي تزيد بنحو 368 مليار عما تم رصده في 2014، والذي بلغ حوالي 600 مليار ليرة، مع مقولة الحكومة وتوجهها نحو عقلنة الدعم الذي يهدف إلى الحد من الهدر والفساد..
وكان موضوع رفع الدعم وما زال يلقى رفضاً شعبياً، ونقابياً منذ أن بدأ الشروع به، لما يتركه من آثار على مستوى معيشة ذوي الدخل المحدود، ناهيك عن أن قضية رفع الدعم ليست مسألة اقتصادية مجردة، بل هي مسألة سياسية بامتياز تتعلق بدور الدولة وقدرتها على تأمين التوازن الاجتماعي من عدمه، فرفع الدعم عدا عن أنه يلحق ضرراً مباشراً بالشرائح الشعبية الأكثر فقراً هو في الوقت ذاته، يوفر البيئة المناسبة لزيادة منسوب التوتر الاجتماعي.