بين 2009-2014: الدعم الاجتماعي يكبر رقماً.. ويتراجع فعلاً!
هل زاد الدعم الحكومي أم انخفض؟ وكيف يقدر ذلك؟
إن الاجابة المباشرة على هذا السؤال، هي نعم، فقد ارتفع من 213 مليار ل.س قبل الأزمة في عام 2009 إلى 615 مليار ل.س في موازنة عام 2014. ليبدو أن الدعم تضاعف أكثر من مرتين.
إلا أن ارتفاع الرقم لا يعطي دلالة كافية، فبداية قيمة ليرات عام 2009 أكثر من قيمة ليرات عام 2014، بعد أن ساهمت الأزمة، والسياسات بتراجع قيمة الليرة بشكل كبير. وإذا أخذنا سعر الدولار كمقياس، فإن دعم عام 2009 هو: 4,2 مليار دولار بسعر صرف 50 ل.س، بينما دعم عام 2014 هو: 5,6 مليار دولار بسعر صرف 160 ل.س. أي أن رقم الدعم الحكومي فعلياً لم يتضاعف، بل ازداد بمقدار 1,4 مليار دولار.
ولكن سواء بالرقم المباشر، أم الرقم الفعلي، هل تكفي أرقام الدعم الحكومي لقياس زيادة أم نقصان فعالية الدعم؟! بالطبع لا.. الكثير من المؤشرات تدل على تراجع فعالية الدعم ذلك، ولتوضيح ذلك ينبغي الفهم الفعلي لهدف الدعم الاجتماعي، وغايته كسياسة اقتصادية.
الدعم أجر حقيقي
لطالما كانت الأجور السورية النقدية، من أخفض الأجور في الإطار الإقليمي المحيط على الأقل، إلا أن ذلك لم يكن يعني أبداً انخفاض حقيقي لقيمة الأجور السورية لأن قيمتها الحقيقية تحدد بقدرتها على تغطية الحاجات، فأجر 5000 ليرة في التسعينييات قيمته الحقيقية أعلى بكثير من 20 ألف اليوم، وراتب 400 في السبعينيات أعلى قيمة من الاثنين السابقين.
تعود القوة الحقيقية (السابقة) للأجور السورية المنخفضة رقماً، إلى انخفاض المستويات العامة للأسعار في سورية، الناجمة بشكل رئيسي عن فعالية الدعم الاجتماعي. حيث كانت الأجور تغطي الحاجات الرئيسية للأسرة، لأن الدعم يخفض تكاليف هذه الحاجات.
فعلى سبيل المثال ليتر المازوت الذي كان بـ 7 ليرات، كان قادراً على جعل وسطي الاجور في سورية قادراً على تغطية تكاليف التدفئة والنقل المنخفضة، وكان مساهماً في تخفيض أسعار المنتجات الزراعية، والصناعية المحلية، وتكاليف الكهرباء وبالتالي فواتيرها، ويضاف إلى ذلك تكاليف كافة الخدمات (أجرة الطبيب، تكاليف التعليم وغيرها) التي تتحرك مع المستوى العام للأسعار الذي يساهم سعر ليتر المازوت في تغييره بنسب هامة.
أي أن مهمة الدعم الأولى هي تخفيض المستوى العام للأسعار لتبقى الأجور المنخفضة رقمياً قادرة على تغطية الحاجات. إذا نستطيع القول إن الأجور السورية المنخفضة رقمياً، كانت غنية نسبياً بمساعدة مبلغ الدعم الاجتماعي، الذي كان يوزع بطرق تضمن وصوله للجميع (حتى للفاسدين والمهربين والمتهربين ضريبياً وأثرى الأثرياء).
توسع الفساد تراجع الفعالية
يعتبر التراجع التدريجي لفعالية الدعم مع توسع البطالة، أهم المساهمين في تراجع الأجور في سورية، وتوسع الفقر. حيث توسع تحكم الفساد بتوزيع الدعم، بداية من تضخيم رقمه وصولاً إلى الاستيلاء على المواد المدعومة من ضمنه وتشكيل أسواق سوداء كبيرة لها.
الشكوك المشروعة حول رقم الدعم الحكومي المضخم في سورية، قبل الأزمة أكثر من خلالها، وأوضح الأمثلة على تضخيم رقم دعم المحروقات هو تسعير النفط السوري الخام المكرر محلياً بالسعر العالمي على الرغم من إنتاجه محلياً قبل الأزمة ما يرفع التكلفة بشكل كبير.
والرفع غير المبرر لتكلفة الدعم، ليس عشوائياً، فالتكاليف الكبيرة رقمياً مدفوعة حكومياً، ولكن ليس للدعم! وعلى الرغم من عدم القدرة على تحديد وجهتها، ولكن يفيد الجزم بأنها أحد أهم منابع الفساد الكبير المتراكمة منذ فورة النفط في سورية الثمانينيات وحتى عام 2010، حيث تتساوى تكاليف المشتقات النفطية المنتجة محلياً في عام 2010، مع كلف المشتقات المنتجة من النفط المستورد خلال الأزمة في عام 2013، ولا يوجد أي فارق إلا بسعر الصرف.
أما بالنسبة لفساد التوزيع، فحصة التهريب كمجال عمل لكبار الفاسدين السوريين، بلغ تقديرها في عام 2005 بمقدار ربع القيمة الإجمالية لمستوردات المحروقات، وبنسبة 1,2% من الناتج المحلي السوري، بمقدار 18 مليار ل.س، المفارقة أن جزءاً منها كان يسجل رسمياً تحت اسم صادرات قطاع خاص في زمرة (وقود وزيوت معدنية). وما دل على كمية 798 ألف طن من المحروقات تقريباً، وهي ربع القيمة الإجمالية للمستوردات، وهي تمثل 3,1% من الواردات الحكومية في عام واحد. وفق تقرير سورية 2025، الفصل (مرحلة انتقالية في بيئة داخلية وخارجية متغيرة) الصفحة 278، 292. حيث يعتبر التقرير بأن هذه النسب، توضح زيادة المستوردات من المشتقات النفطية منذ الألفية الجديدة.
سعي دؤوب (للتحرير)!
تراجع فعالية الدعم نتيجة الفساد الكبير هو أهم مسببات تراجع الأجور الحقيقية في سورية، وما ينجم عنه من تراجع الإنتاج والمنتجين، وسيادة الأرباح والسهلة منها تحديداً، في القطاعات الخدمية المختلفة من التجارة للمال، والمصارف والصرافة وغيرها..
وهذا كان إحدى أسس تبني الليبرالية الاقتصادية في سورية، التي خففت فعالية الدعم الاجتماعي في مواجهة ارتفاع مستوى الأسعار وحماية الأجور، لتزداد الأجور النقدية درجة، ويترفع المستوى العام للأسعار المحررة درجات عديدة مقابلة. أما السعي الدؤوب خلال الأزمة لتحرير أسعار المحروقات، هو انتهاز قوى الفساد والليبرالية لفرصة تاريخية بإزالة عبء الدعم، وتحرير السوق وتركها للفوضى بشكل كامل.
فمبلغ 615 مليار ل.س دعم في عام 2014 ( وقد يكون موضع شك لأن إيرادات المازوت والبنزين في عام 2014 تقدر بـ 276 مليار ل.س بينما دعمهما يبلغ 160 مليار ل.س تقديرياً وفق تصريح الوزير عن الربع الأول.)* على الرغم من ارتفاعه الرقمي، فإنه يخبئ وراءه تراجعاً في فعالية الدعم الفعلية يعكسها التراجع الكبير بين ما قبل الأزمة مباشرة وخلالها.
توسع الحاجات غير المغطاة
نستدل على مستوى تراجع فعالية الدعم في مساندة الأجور النقدية، على تغطية الحاجات الرئيسية للأسرة السورية، من توسع الفجوة بين متوسط الأجور، وبين تكلفة الحاجات الرئيسية لأسرة المحددة بسلة استهلاك رئيسية. وفي الشكل المقارنة بين عامي 2009-2014.
بلغ وسطي الأجور في عام 2009 مقدار: 11 ألف ل.س، يعيل هذا الأجر 5 أشخاص، بينما كانت التقديرات الحكومية لحاجة الأسرة من 5 أشخاص إلى 30 ألف ل.س وسطي الإنفاق الشهري على الحاجات الرئيسية. سنستخدمها لتقدير تكلفة سلة المعيشة في سورية. أي أن الفارق 19 ألف ل.س، ما يعني بأن الأجور النقدية كانت تغطي ما نسبته 37 % من حاجات الأسرة، ويبقى 63% من الحاجات غير مغطاة بالأجور. أي يجب أن تتكيف الأسرة وتقلص من الإنفاق على حاجاتها الرئيسية.
أما في عام 2014 فإن وسطي الأجور السورية: 20 ألف ل.س، ولكنها تعيل أكثر من 6 أشخاص، بينما حاجات الأسرة من 5 أشخاص خلال الشهر بتقديرات وسطية لسلة الاستهلاك تبلغ أكثر من 90 ألف أسرة سورية. والفارق 70 ألف ل.س ما يعني بان الأجور النقدية الحالية تغطي نسبة لا تتجاوز 22% من حاجات الأسرة، ويبقى 78% من الحاجات أن هذه الهوة المتسعة هي ما ساهمت في ازدياد الفقر من 44% إلى أكثر من 80% من السوريين في الفقر المطلق، خلال عام 2014 ، لا يحصلون على ما يسد حاجاتهم وحاجات أسرهم الضرورية، وليس الهامة والأساسية فقط.
خلاصة ونتائج
• إن تزايد أرقام الدعم الحكومي من 213 مليار في عام 2009، إلى 615 في 2014، وصولاً إلى 900 مليار مرتقبة في 2015، لا يعني تزايد الدعم.
• ففعالية الدعم هي المقياس، أي قدرته على تخفيض المستوى العام للأسعار ليساعد الأجور المنخفضة في تغطية الحاجات.
• الفساد هو السبب الأساسي في تراجع فعالية الدعم، ويظهر من تضخيم غير مبرر لتكاليف الدعم من جهة، وبحصة التهريب من المواد المدعومة.
• عاماً بعد عام، كانت أجور السوريين النقدية تنخفض قيمتها الحقيقية، نتيجة تراجع فعالية الدعم، وتقل قدرتها على تغطية حاجات الأسرة، وهو ما نتج عنه توسع الفقر إلى 80% في الأزمة.
• الحكومة تقول بأن دعمها سيصل إلى 900 مليار في عام 2015، مع الشكوك حول كلف الدعم في عام 2014، فإن هذا الرقم يصبح بلا جدوى طالما أن الفقر سيتوسع حتماً مع الارتفاع الجديد في مستوى الأسعار مع تحرير المحروقات كلياً او جزئياً.
تنويه: ورد في عدد قاسيون 676، في مادة (بيانات البنزين والمازوت والكثير من التساؤلات!) تقدير لإيرادات الحكومة من بيع المازوت والبنزين لعام 2014، نقوم بتدقيقه في هذا العدد والتقدير هو: 276 مليار ل.س.