استراتيجية ضمان المستوردين.. وتدهور السوريين
قول تقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية العالمية لعام 2013، بأنه في ظل الكساد العالمي الذي يبدو غير قابل للتعافي في الأفق القريب، فإن انعطافاً في استراتيجيات النمو نحو زيادة الأجور والاستهلاك وتوزيع الثروة من فوق لتحت لتوسيع السوق المحلية، أصبح ضرورة لاستمرار النمو في الدول النامية. ويصوب التقرير سهامه على ضرورة إيقاف سياسة دعم الصادرات كمحرك للنمو
الاقتصادي، مع تراجع كبير في التجارة الدولية وصل حد التوقف، بعد أن كانت سياسة دعم الصادرات عنوان النمو في دول جنوب، وجنوب شرق آسيا معتمدة على تخفيض تكاليف العمل.
أما في سورية التي تعيش الحرب لعامها الرابع، فإن الحكومة تعلن تبنيها سياسة تحفيز قطاع التصدير!! معتمدة كما يبدو في ظل ارتفاع كل التكاليف على تراجع الأجور كأداة للتحفيز، حيث أن أجر العامل السوري 4,4 دولار باليوم من أخفض الأجور العالمية، والمحسوب على أساس وسطي الأجور أي 20 ألف ل.س في الشهر، وهو ليس الدخل المخصص لفرد، بل لأكثر من 6 أشخاص مع ارتفاع معدل الإعالة الاقتصادية في سورية بعد الحرب، وإذا ما قيست قوته الشرائية فإن الـ 20 ألف لا تؤمن للأسرة نصف غذائها الشهري الضروري.
الحكومة تعلن تبنيها استراتيجية نمو اتبعت في دول نامية كبرى كالهند والصين، بدؤوها في التسعينيات، ويعلنون الانعطاف عنها اليوم. بينما يطبقها (مفكرو) الاقتصاد السوري في ظل الحرب، وفي ظل فقر يشمل أكثر من 80% من السوريين، وفي ظرف أزمة اقتصادية عالمية.
الحكومة كذلك تطبق استراتيجيتها الخاطئة، بطريقة خاطئة، فتعلن أنها تنطلق من دعم الإنتاج، مركزة بصورة أساسية على قطاع الصناعة التصديرية، ولكنها تبدأ إجراءاتها برفع كلف الصناعة بتحريرها لأسعار المحروقات، وتسليم القطاع الخاص عملية تأمين هذه المستلزمات للصناعة، وفق القرار رقم 477 بتاريخ 2/10/2014، في تناقض واضح بين دعم الإنتاج، وتحميله تكاليف إضافية، ورهنه بأسعار السوق والمستوردين.
يطول النقاش حول استراتيجية الحكومة الجديدة في النمو، إلا أن الواضح حتى الآن أن قطاع التجارة والمستوردين قد حصلوا على انتعاشة جديدة من ارتفاع المستوى العام للأسعار الناتج عن رفع أسعار المحروقات، وحصلوا على حصة هامة من سوق المحروقات، التي تخلت الحكومة عنها بسهولة، وتخلت حتى عن الرسوم والضرائب التي من الممكن ان تنالها منها وفق القرار المذكور سابقاً. أما الإنتاج والصناعيين فما زالوا بلا ضمانات جدية، إلا إذا وجدوا (واحة) في عالم متأزم اقتصادياً لتصريف منتجاتهم ذات التكاليف المرتفعة!، أما احتمال تصريف إنتاجهم في سورية، فهذا أصبح أشبه بالوهم مع تراجع قدرة السوريين الشرائية، مقابل ارتفاع أسعار المنتجات الصناعية المحلية بعد تخلي الحكومة عن دعمها بالطاقة. وبكل الاحوال فإن هؤلاء الصناعيين الذين يعلن أن دعمهم هو محرك الاستراتيجية، فإنهم سرعان ما أبدوا اعتراضهم على القرار، واعتبروه تخلياً عنهم، وتدميراً لمعالم إعادة إحياء صناعاتهم في المناطق المتوترة.
المضمون الوحيد من استراتيجية الحكومة هو انتعاش جديد للمستوردين والمحتكرين وقطاع التجارة الشرعي وغير الشرعي، وتدهور جديد للفقراء أي لمجموع أصحاب الأجور، ورواد البطالة والنزوح، وهؤلاء أكثر من 80% من السوريين.