القطاع العام الصناعي : شركات متوقفة عن الإنتاج وأخرى مُخَسّرة!!
يستعرض التقرير الاقتصادي لاتحاد عمال محافظة حماة واقع الشركات العامة ذات الطابع الصناعي بعجالة ودون تبيان الأسباب الحقيقة للتوقف عن الإنتاج أو التغير. يقول التقرير: "شركة الإطارات متوقفة عن العمل من 18/4/2011 بسبب عدم توفر المواد الأولية والذي أدى إلى تراكم الخسائر لما يزيد عن 1.5 مليار ل.س بالإضافة لنفاذ المخزون في المستودع. وتحتاج الشركة إلى 1 مليار ل.س لكي تعود للإنتاج ولمدة محدودة، إضافة إلى فقدان الشركة للعديد من عمالها الفنيين بسبب تقاعد ووفاة واستقالة. وإن هناك مساعي تبذل لإعادة الإنتاج إلى هذه الشركة"!.
المساعي تبذل منذ أكثر من 25 عاماً لتطوير الشركة وحل مشكلاتها وما زالت تبذل لسنوات أخرى أيضاً. منذ أكثر من 25 عاماً والشركة في انحدار، تتفاقم مشكلاتها سنة بعد أخرى..
الأسباب الحقيقية
توقفت مؤسسة التجارة "افتوماشين" وهي قطاع عام عن استجرار إنتاج شركة الإطارات، كما توقفت الشركات الإنشائية وهي قطاع عام عن دفع ديونها للشركة وعن استجرار الإنتاج، وتقف استجرار إنتاج الشركة من جميع شركات ومؤسسات القطاع العام ومن دوائر الدولة الإدارية أيضاً، ويسألون عن سبب الخسائر!.
إغراق السوق بالاستيراد
أدت السياسة الليبرالية التي ألغت الحماية عن الإنتاج الوطني إلى إغراق السوق السورية بكل إنتاج دول العالم من الإطارات وبنوعية رديئة ورخيصة ودون أن تفرض الحكومة رسوماً لحماية الإنتاج الوطني كما هو معمول في كافة دول العالم أيضاً. لقد صبت هذه السياسة بمصحلة فئة من السماسرة والتجار الذين اغتنوا على حساب القطاع العام من خلال الاستيراد، وقد ترافق ذلك مع مشكلات وصعوبات في شركة الإطارات دون حلول. ولو أجرينا إحصاءات لتبين لنا بأن الشركة رفعت إلى الجهات الوصائية مئات المذكرات تشرح وتطالب وتستنجد ولكن ما من مجيب.
ألا يوجد حل
لتوقف استيراد المواد الأولية!
تحتاج الشركة إلى 120 مادة أولية وجميعها مستوردة، ومع رفض الجهات المعنية استيراد هذه المواد تثبت أن هناك من يعطل استمرار الشركة في الإنتاج خاصة في ظل إحجام أكثر الشركات العالمية عن تقديم العروض أو حتى الرد على الشركة. أضف إلى ذلك الأعطال الفنية واستيراد مواد مخالفة. ومع كل تلك المعيقات عانت الشركة لسنوات طويلة من مشكلة تسويق إنتاجها، حيث وصل المخزون عام 2006 إلى حوالي 350 مليون ل.س الذي تراكم بسبب عزوف مؤسسة التجارة الخارجية عن استجرار الإنتاج.
مليار ليرة تنعش الشركة فهل من مجيب؟!
جرت منذ عام 1990 عدة محاولات لاستدراج عروض عالمية لتحديث وتطوير إنتاج الشركة وبموافقة اللجنة الاقتصادية وتم إعداد دفتر شروط فنية ومالية وحقوقية والإعلان لـثلاث مرات ولم يأت أي عرض. وقامت الشركة باستدراج عروض مالية عن طريق المراسلة فتقدمت الشركة الحكومية الصينية "بلوستار" بعرض فني وتم التوصل إلى مذكرة تفاهم بين الجانبين الصيني والسوري متضمنه: "قيام شركة بلوستار بتطوير وتحديث خطوط إنتاج الشركة وزيادة طاقتها الإنتاجية وإدخال قياسات جديدة ذات مواصفات جيدة مع تقديم معونة فنية. وتعهدت شركة بلوستار بتمويل هذا المشروع بقرض ائتماني يغطي 80% من تكاليف المشروع منذ عام 1990 والمفاوضات مستمرة مع الجانب الصيني لتطوير الشركة ومنذ ذلك التاريخ والشركة تطالب بمنحها قرضاً من المصارف السورية ولكن دون نتيجة. الشركة الآن بحاجة إلى 1 مليار ل.س فقط لتعود للإنتاج وقبل عشر سنوات كانت تطالب بـ 100 مليون ل.س، لكن الحكومة ظلت ترى أن الاستيراد أفضل من الإنتاج الوطني!
حول شركة (البورسلان والصحية)
يقول التقرير الاقتصادي: "شركة البورسلان والأدوات الصحية لم تتمكن من تنفيذ الخطط الإنتاجية بسبب عدم إمكانية استجرار المواد الأولية اللازمة بسبب الظروف الأمنية والحصار الاقتصادي ويوجد في مستودعات الشركة بعض المخزون تقوم الشركة ببيعه وتحتاج كل من شركتي البورسلان والأدوات الصحية لتطوير لكي تواكب العصر وذوق المستهلك".
قانون الاستثمار رقم 10 قتلها في المهد!
ليست الظروف الأمنية هي السبب الأساسي، فقبل أكثر من 20 عاماً عندما لم يكن القطاع الخاص موجوداً في هذه الصناعة كانت الشركة رابحة وكان إنتاجها متميزاً. وعلى أبواب الشركة تزاحم عشرات التجار والسماسرة لشراء استثناءات كان يحصل عليها البعض من الوزير أو المدير وكانت هذه الاستثناءات تباع بمبالغ كبيرة ومن يحصل عليها ذو خط عظيم. مع الانفتاح الاقتصادي وقانون الاستثمار رقم 10 حيث أقيمت مئات المعامل للقطاع الخاص وفتح باب الاستيراد من كافة دول العالم بقيت شركة البورسلان في حماة تراوح مكانها دون تطوير أو تحديث وقتلت في مهدها.
شركة الحديد في ذمة اللجنة الاقتصادية
الشركة وحيدة في سورية في إنتاجها وهي متوقفة عن العمل منذ عام 2011 بسبب الوضع الراهن الذي أدى إلى تعثر تنفيذ مشروع تطوير معمل الخردة الذي كانت تقوم به الشركة الهندية بسبب الظروف، ومؤخراً تم توقيع ملحق عقد بين شركة الحديد والشركة الهندية لاستكمال مشروع التطوير والملحق حالياً عند اللجنة الاقتصادية. تتعثر الشركة منذ إنشائها، وذلك بسبب عدم القدرة على استيراد «ببليت» بالإضافة إلى تهريب الخردة من سورية إلى لبنان حيث توقف معمل الصهر وهو القسم الأبرز في الشركة كونه إما استيراد «ببليت» أو على وجود الخردة واستمر المهربون بتهريب الخردة إلى لبنان كونها تباع بمبلغ أكبر مما تدفعه الشركة في سورية. ورغم أن الشركة طالبت بوقف هذا التهريب إلا أنها لم تفلح، فمئات الشاحنات المحملة بخردة الحديد إلى لبنان كانت تمر أمام أعين الجهات الوصائية من الجمارك وغيرها دون حسيب!
(الصوف والسجاد) فائض في الإنتاج مع عدم التصريف!!
العمل متوقف في الشركة العامة لصناعة الصوف والسجاد منذ عام وذلك بسبب وجود مخزون من الغزول الصوفية تزيد عن حاجة المعامل التابعة للشركة، كما أن عمليات إعادة الإنتاج متوقفة بسبب عدم وجود جدوى اقتصادية وذلك لارتفاع أسعار المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج علماً أن المعمل جاهز للإنتاج بأي وقت.
كما تعاني الشركة من قلة السيولة المالية بسبب ديونها على مؤسسة سندس التي تزيد عن 660 مليون ل.س. كما أن دمج شركة الصوف مع السجاد قبل سنوات أدى إلى تدهور الحال حيث كانت معامل السجاد خاسرة بينما كانت شركة الصوف رابحة ومع الدمج انتقلت الخسارة إلى الصوف. لا يوجد أي مبررات حقيقية لخسارة معمل الصوف أو معامل السجاد، إلا أن استيراد السجاد من كافة دول العالم واستيراد الأصواف هي ما أضر بالإنتاج المحلي، وهنا نسأل: أين هي مؤسسة الصناعات النسيجية والجهات الوصائية الأخرى في وزارة الصناعة حيث تضم المؤسسة جيشاً من الإداريين لا عمل لهم؟. لا جواب!!.
الفساد ينهش شركة تجفيف البصل والخضار!
تقوم الشركة بإنتاج البصل المجفف حسب توفر مادة البصل من المزارعين، كما تقوم بإنتاج البرغل والفلافل، ونسبة تنفيذ الخطة الإنتاجية من البرغل 64% ولم يذكر التقرير نسبة إنتاج البصل المجفف. لم تطور الشركة منذ تأسيسها عام 1970 وعملت على إنتاج البصل المجفف دون تجفيف الخضار. ورغم إقلاع فلاحي السلمية عن زراعة البصل لعدم وجود مياه إلا أن الشركة تعاقدت مع فلاحين في الغاب وفي المناطق الشرقية وتقدم الشركة للفلاح بذاراً وقروضاً من أجل استلام محصوله وبشكل عام الشركة خاسرة رغم أن إنتاجها متميز والسبب الأساسي للخسارة عدم اهتمام مؤسسة الصناعات الغذائية بالشركة من كافة النواحي وخصوصاً فساد الشركة في التصدير.
الشركات الإنشائية: القطاع الخاص يدفع والمدراء يبيعون!
إن واقع الشركات الإنشائية وفروعها في كافة المدن السورية مأساوي ليس من الآن وإنما منذ إنشاء هذه الشركات، حيث تقاتل الشركات الإنشائية وترفع المذكرات للحصول على مشاريع حكومية وبعد أن تحصل على هذه المشاريع تقوم الإدارات ببيعها إلى القطاع الخاص بنسب يتم الاتفاق عليها بين القطاع الخاص وبعض المديرين الفاسدين وذلك في وضح النهار ولم يحاسب أحد على ذلك، رغم أن هذه الشركات لعبت دوراً هاماً في السنوات الماضية في البناء والتعمير ويعول عليها أن تلعب دوراً أكبر في السنوات القادمة..
يتساءل العقل بديهة بعد هذا التقرير عما تسوقه الحكومة من أحاديث عن تراجع الإنتاج وفائض العمالة وصعوبة تأمين الموارد، إلا أنه عندما يرى التسهيلات للقطاع الخاص التي تصل إلى حد بيع القطاع العام له بأبخس الأثمان وعندما يرى تخفيض الرسوم الجمركية على المستوردين ليغرقوا بها السوق على حساب الإنتاج المحلي يعرف تماماً لماذا وصل واقع الحال في القطاع العام إلى هذا المستوى.