(الهدر) أهم الموارد.. الطحين مجدداً!
رفعت الحكومة أسعار الخدمات والمواد الرئيسية ( الخبز- السكر- الأرز- الكهرباء- المياه) تحت عنوان: (ضعف الموارد الحكومية وزيادة التكاليف). وبينما (يتعذر) على الحكومة البحث عن الموارد بعيداً عن أجور السوريين المتآكلة، يستطيع أي مراقب أن يستنتج بعضاً من مواضع الهدر، بالتدقيق فقط في الأرقام المعلنة في بعض القطاعات، وهو ما سيعيدنا إلى عام 2013 لطرح تساؤلات ضرورية حول الهدر في عمليات استيراد الطحين، التي كانت أحد أهم مسببات رفع سعر الخبز..
على الرغم من أن الحكومة رفعت سعر الخبز في عام 2014، وأعلنت عن تكاليف عملية تأمين الخبز بالإجمالي (178 مليار ل.س) وأعلنت أن عمليات استيراد الطحين هي المسبب الرئيسي في ارتفاع التكاليف، إلا أنها لم تشارك السوريين الذين تحملوا عبء الاستيراد بالمعلومات الواضحة والصريحة حول التكاليف.
استيراد 2,4 مليون طن!
تداولت وكالات إخبارية دولية (رويترز) معلومات عن عام 2013، حول استيراد الحكومة السورية لحوالي 2,4 مليون طن من الطحين، عن طريق الأموال السورية المجمدة في المصارف الفرنسية، وقد صرح طارق الطويل مدير عام المؤسسة العامة للتجارة الخارجية لوكالة رويترز بأن: (اتحاد المصارف العربية والفرنسية (يوباف) متعاون للغاية، وقد سمح بالإفراج عن الأموال السورية المجمدة، مقابل تمويل واردات غذاء لسورية)، أشارت مصادر إعلامية أخرى أنها مكونة من الدقيق والسكر والأرز، ومعلومات محلية أشارت أن أعلافاً قد تم استيرادها بهذه الطريقة أيضاً.
تم استيراد 2,4 مليون طن خلال عام 2013، وفق مناقصات أو عقود بالتراضي مع التجار ممولة من أموال الحكومة السورية المجمدة في المصارف الفرنسية نتيجة العقوبات، حيث يسمح المصرف الفرنسي لهم بشروط معقدة، استخدام الأموال لاستيراد الطحين وغيره، ولا يتضح إن كانت المصارف تلزم بجهات محددة للاستيراد، أو أسعار محددة، إلا أن الكميات كافية لإنتاج الخبز لمدة عام كامل باستخدام الطحين المستورد فقط أي بلا عمليات الطحن المحلية نهائياً.
التوفير في الكميات!
الحاجة السنوية من الطحين لإنتاج 7000 طن خبز شهرياً، تبلغ 2,1 مليون طن. واستيراد 2,4 مليون طن طحين في عام 2013، يعني بأن إنتاج الخبز يعتمد على الطحين المستورد فقط، وأن أياً من المطاحن المحلية العامة أو الخاصة لا يعمل، أو يعني بأن الكميات المستوردة في عام 2013 تغطي جزءاً من حاجات الطحين لعام 2014، وتحديداً بعد أن أعلنت الحكومة بتصريح وزير التجارة الداخلية أن المطاحن المحلية تنتج 3900 طن يومياً، وهي نسبة 67% من حاجة الطحين اليومية! أي أن الكميات المستوردة من الأموال المجمدة، تستطيع تغطية جزء هام من حاجات عام 2014، مدفوعة في عام 2013، فلماذا تحمل على تكاليف عام 2014 التي يكرر دائماً أنها بلغت 178 مليار ل.س نتيجة أعباء الاستيراد! أما إذا ما صحت أو ثبتت عمليات إنتاج الطحين المحلية فإنها تغطي أكثر من نصف الحاجات، وبالتالي كان من الممكن توفير نصف الكميات المستوردة على الأقل!
الكلفة (الخيالية)!
أما الكلفة فقد أعلن عنها رئيس مجلس الوزراء في تصريح له بأنها بلغت 580 $/ طن ، حيث صرح رئيس مجلس الوزراء في الشهر الأخير من عام 2013 أمام مجلس الشعب: ( إن سورية اضطرت لاستيراد أغلب احتياجاتها من الدقيق بتكلفة 580 دولارا للطن لتلبية الطلب المحلي اليومي).
الهدر في تضخيم السعر!
كنا قد أشرنا سابقاً أن سعر الاستيراد هذا (580 $/طن) يفوق أعلى سعر لطن الطحين عالمياً بمقدار 252 $/طن، حيث سجل أعلى سعر في عام 2013 مقدار 328$/طن. أما سعر تصدير روسيا على سبيل المثال لطن الطحين فقد بلغ 287 $/طن، وفق بيانات منظمة الفاو.
وهو ما يجعل الفارق بين كلفة استيراد 2,4 مليون طن طحين بطريقة الحكومة عام 2013 من الأموال المجمدة، وبين الاستيراد من دول صديقة أخرى أكثر من 100 مليار ل.س، وهو مقدار الهدر في عمليات استيراد مادة واحدة!.
وهذا يشير إلى حجم الهدر الكبير في التجارة الخارجية الحكومية إذا ما كانت فوارق أسعار الشراء بهذه النسبة، أي أكثر من 100% من الأسعار المتاحة من دول أخرى، لاستيراد السكر والأرز والأعلاف وغيرها..
التدقيق مطلب
عمليات الاستيراد في القطاع الحكومي تشكل جزءاً أساسياً من النفقات الحكومية اليوم، ومسبباً رئيسياً لرفع الأسعار حيث تعتبر زيادة تكاليف استيراد المشتقات النفطية الداخلة في إنتاج الكهرباء، وضخ المياه، وتكاليف استيراد والطحين والسكر والأرز واحدة من أسباب زيادة نفقات الحكومة مقابل تراجع كبير في إيراداتها، ما دفع إلى رفع الأسعار بحسب المبررات الحكومية. وبناء عليه فإن التدقيق في عقود الاستيراد من حيث التكاليف والكمية هو ضرورة لأنه يوفر موارد مهدورة تقدر في مجال واحد بمئة مليار ل.س..! أما وفق منطق محاسبة الفاسدين، فإن هذا الهدر الكبير ليس عبثاً، بل يجعل التساؤلات حول المسؤولين عن العقود وحجم الاستفادة منه مشروعة وضرورية، للتعويض واستعادة جزء من الموارد العامة المهدورة.
100 مليار ليرة.. بين وجهة وأخرى!
استوردت الحكومة في عام 2013 : 2,4 مليون طن طحين، من الأموال السورية المجمدة في المصارف الفرنسية بتكاليف عالية، قياساً بالسعر العالمي، سنقدم مقارنة توضح حجم الوفر المحقق في حال تم الاستيراد من وجهات أخرى ممكنة، روسيا مثالاً
(أسعار تصدير الطحين في عام 2013 وفق بيانات منظمة الفاو)
سعر الاستيراد الحكومي: 580 $/طن.
أعلى سعر عالمي: 328 $/طن.
سعر تصدير روسيا: 287 $/طن
كلفة الاستيراد الحكومية
2,4 مليون طن × 580 $/طن= 1,39مليار دولار= 222 مليار ل.س.
كلفة الاستيراد من روسيا
2,4 مليون طن × 287 $/طن= 688 مليون دولار= 103 مليار ل.س.
بسعر صرف وسطي لعام 2013 (150 ل.س/$).
الهدر 222 مليار ل.س – 103 مليار ل.س= 119 مليار ل.س..!
ونسبة الهدر تفوق 100%، أي كان من الممكن الاستيراد بطرق أخرى بنصف السعر، وتوفير هدر بمقدار 100 مليار ل.س.