انتهاك جديد للمبادئ الاقتصادية في الدستور!!
تنص المادة الرابعة عشرة من المبادئ الاقتصادية في الدستور الذي جرى إقراره في عام 2012، بأن «الثروات الطبيعية والمنشآت والمؤسسات والمرافق العامة هي ملكية عامة, تتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب, وواجب المواطنين حمايتها»، أي أن السماح للقطاع الخاص باستثمار الثروات الطبيعية والمرافق العامة، أو المساهمة في إدارة المرافق العامة ما هو إلا خرق جديد للدستور..
إنها المرة الأولى التي تظهر فيها فكرة دخول القطاع الخاص للاستثمار في واحدة من أهم الثروات في سورية (الفوسفات) التي تمتلك البلاد منها نحو 1.8 مليار طن، حيث عرضت وزارة النفط السورية رؤيتها العامة على هذا الصعيد، من خلال تشجيعها القطاع الخاص على الاستثمار في استخراج وتصنيع بعض مواد وخامات الثروة المعدنية، فهذا الاستعراض شرع الباب واسعاً أمام الرأسمال الخاص لاستثمار أحد أهم الثروات الطبيعية في سورية ألا وهو الفوسفات..
من التشاركية للخصخصة
تحت شعار «التشاركية» دخلت شركتا الخلوي (سيرياتل، mtn) العمل ضمن عقود «BOT»، إلا أن هذه الصيغة العقدية لم ترضِ الطامحين لأرباح أكبر، وتجسّد هذا السعي بالتوجه نحو تحويل عقود شركتي الخلوي من «BOT» إلى ترخيص، إلا أن سعيها بهذا الاتجاه يعود إلى محاولة في عام 2010 لترخيص هاتين الشركتين مستمرة إلى اليوم.
بقرار الترخيص هذا، لم يعد القطاع الخاص هو المستثمر لهذا القطاع الحيوي فقط، بل هو المالك له، وهذا يعني الخصخصة الكاملة لشركتي الخلوي، بينما من المفترض أن تصل حصة الدولة التي يجب أن تصل إلى 60% عقدياً في عام 2016 لو تم تمديد العقود، فالخصخصة كان النهاية المرة التي وصل إليها أحد أهم القطاعات الاقتصادية، والذي تصل إيراداته إلى أكثر من 100 مليار ل.س سنوياً..
الكهرباء هدف لدخول الخاص
لم يسلم قطاع الكهرباء هو الآخر من دخول القطاع الخاص، والقضية لم تبدأ الآن بفعل الأزمة ومنعكساتها، بل إنها سياسة قديمة سعى أصحاب القرار لتمريرها..
في عام 2009، استعدت شركة الكونسورتيوم للفوز بأول امتياز خاص للكهرباء في سورية، في إشارة إلى مشروع بطاقة 240 ميجاوات في منطقة الناصرية بشمال شرق العاصمة دمشق، والمشروع هو اول اتفاق تبرمه سورية لخصخصة الكهرباء، وتبلغ مدة الاتفاق 25 عاماً، واستكملت الخطوات الحكومية على صعيد الخصخصة بإطلاق وزارة الكهرباء مشروع تلزيم أعمال التأشير والجباية لفواتير الكهرباء المستجرة، بوساطة عدادات المشتركين في عدة مناطق في بعض المحافظات، وفي هذا مخالفة أخرى للدستور..
إذا هي خصخصة صريحة لأهم القطاعات الاقتصادية في البلاد، أو ملغومة بعقود «BOT»، إلا أن النتيجة ذاتها، والدستور لم يعد المرجعية التي يستند إليها في مثل تلك القرارات، فالدستور يُخالَف ببنوده التي تنص على تولي الدولة استثمارها والإشراف على إدارة المنشآت والمؤسسات والمرافق العامة لصالح مجموع الشعب، وليست الأزمة هي من أجبرت الحكومة وأصحاب القرار السير بهذا الاتجاه كما سيدعي البعض، بل إن الأزمة هي الفرصة التي سمحت لهم بتمرير ما سعوا لتمريره من خصخصة للقطاعات الاقتصادية منذ سنوات، فكما كانت الخصخصة مصير قطاع الاتصالات، فإن المخاوف تتزايد من أن تكون عقود «BOT» المقدمة والمدخل لخصخصة قطاعات استراتيجية أخرى، وعلى ما يبدو فإن «الحبل على الجرار»..
وشهد شاهد من أهله
بينّ مدير إحصاءات التجارة والأسعار أن الارتفاع في التضخم الذي بلغ 90% عن عام 2012، وتضخماً قدره 173% عن بداية الأزمة، يعود لعدة أسباب كان لها تأثير واضح، ومن أهمها ارتفاع أسعار المحروقات "الغاز - المازوت – البنزين" خلال 2013، ما تسبب في ارتفاع أجور النقل والتدفئة وارتفاع تكاليف الزراعة، وتكاليف نقل المواد ما بين المحافظات.
المنطق الاقتصادي لا يمكن له أن يتجاهل الأثر السلبي الكبير لرفع أسعار المازوت والبنزين والكهرباء والفيول على ارتفاع الأسعار في الأسواق، لأن رفع اسعار المازوت ترك أثراً سلبيا على الزراعة، وساهم رفع اسعار الفيول والكهرباء في رفع اسعار مخرجات الصناعة، وأدى ارتفاع كل منهما دوره في رفع تكاليف النقل، وأثّر هذا بمجمله على أسعار سلة المستهلك الغذائية وغير الغذائية..
وكانت مديرية حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية قد أرسلت إلى رئيس مجلس الوزراء رفضها لرفع أسعار البنزين الأخيرة، معتبرة أن المستهلكين كانو يتوقعون أن تخفض الحكومة الأسعار بعد فترة استقرار وانخفاض في سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، طالبة أن يتم التراجع عن القرار، وهو ما لم يتم أو يؤخذ بعين الاعتبار!.